خيارات بنيامين نتنياهو... انتخابات مبكرة أو الهروب لحلول عسكرية
Arab
6 days ago
share
تبنّى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في كلمته خلال اللقاء المشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء الاثنين الماضي، المخصص لعرض الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية لإنهاء الحرب على غزة، الرواية والخطاب الإسرائيليين بشأن الأحداث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بشكل شبه كامل. وأعلن دعمه المطلق لما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب وإبادة وتجويع، بل ذهب إلى حدّ الإشادة بنتنياهو وسياساته، في مشهد يُعدّ شاذاً ومثيراً للاستهجان في السياق السياسي الدولي الراهن. يتضح مرة أخرى أن الهدف المركزي لترامب يتمثل في خدمة المصالح والأهداف الإسرائيلية، عبر توفير حماية دبلوماسية علنية لها، وتأخير إمكانية فرض عقوبات اقتصادية أوروبية على إسرائيل أو منعها، وإخراجها من مأزقها الدولي. اقتراح خطة ترامب جاء، كما أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي سارعت إلى الاحتفاء بها وبخطاب الرئيس الأميركي، نتيجة تنسيق عميق بين بنيامين نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر مع الإدارة الأميركية. بل إن بعض المعلقين ذهبوا إلى القول إن بصمات ديرمر واضحة في كل سطر وكلمة من هذه الخطة. ولا تقتصر خطة ترامب على مسألة إنهاء الحرب في قطاع غزة وقضايا "اليوم التالي" المتعلقة بإدارة القطاع، بل تمتد أيضاً لتشمل ترتيبات تخصّ الضفة الغربية. كما تطرح أوهاماً بأن الخطة تفتح، على المدى البعيد، فرصة أو مساراً لاستئناف الحديث حول دور السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، وربما أيضاً حول إقامة دولة فلسطينية، شريطة أن تلتزم السلطة بسلسلة من "إصلاحات" تعجيزية تُفرض وفقاً للشروط الإسرائيلية والدولية. بصمات رون ديرمر واضحة في كل سطر وكلمة من هذه الخطة خطة تحقق أهداف الحرب أعلن نتنياهو، خلال اللقاء مع ترامب، موافقته على خطة ترامب، مؤكّداً أنها تُحقق أهداف الحرب الإسرائيلية. وادّعى أن الخطة تضمن تحرير المخطوفين، والقضاء على القدرات العسكرية والمدنية لحركة حماس، ومنعها من الاستمرار في إدارة قطاع غزة، ومنع تشكّل أي تهديد أمني أو عسكري مستقبلي من القطاع. كما شدّد على أن الخطة لا تؤدي إلى انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من غزة، ولا تفضي إلى إعادة السلطة الفلسطينية لتولي إدارته. وبالنظر إلى تصريحات الرئيس الأميركي وبنود الخطة المنشورة، يمكن القول إن نتنياهو هذه المرة لا يبالغ في توصيفه، إذ إن الخطة تعكس بصورة واضحة الموقف والشروط الإسرائيلية. بعد يومين من عرض الخطة ومراجعة ردود الفعل الإسرائيلية، الإعلامية والسياسية، خصوصاً في أعقاب جلسة الحكومة ليلة الثلاثاء 30 سبتمبر/أيلول الماضي التي أقرت تعيين ديفيد زيني رئيساً جديداً لجهاز الأمن العام (شاباك)، يمكن الاستنتاج أن الخطة، من منظور إسرائيلي، تتيح فعلاً إمكانية تحقيق جزء من الأهداف المعلنة للحرب الإسرائيلية، لكنها لا تحقق مجمل الأهداف، ولا سيما الأهداف الأيديولوجية التي يسعى اليمين المتطرف إلى إنجازها. وتشمل هذه الأهداف إعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، والإبقاء على الجيش الإسرائيلي داخل القطاع وإدارته في الجوانب المدنية أيضاً، وتهجير سكان غزة، وإعادة الاستيطان، وضمّ الضفة الغربية. هل يريد بنيامين نتنياهو تنفيذ الخطة؟ السؤال المركزي بعد طرح خطة ترامب يتمثل في ما إذا كان بنيامين نتنياهو يرغب فعلاً بتنفيذ الخطة لإنهاء الحرب على غزة، أم أنه سيلجأ مرة أخرى إلى المناورة والمماطلة لإفشال أي احتمال لوقف الحرب، بهدف الحفاظ على تماسك تحالفه الحكومي وتحقيق أهدافه الأيديولوجية. كما يُطرح تساؤل إضافي حول موقف أحزاب اليمين المتطرف: هل ستوافق على إقرار هذه الخطة، أم ستعارضها داخل الحكومة؟ وفي حال رفضتها، فهل ستفضّل الانسحاب من الائتلاف، حتى لو كان الثمن الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة خلال الربع الأول من العام المقبل؟ يمكن القول إن قبول نتنياهو بخطة ترامب لم يكن مجرد خطوة تكتيكية للمناورة. بخلاف حالات سابقة، ليس من الضروري أن يسعى نتنياهو إلى إفشال الخطة، على الأقل بصيغتها وشروطها الراهنة. فالخطة تحظى بدعم داخل حزب الليكود، وتلقى قبولاً واسعاً في أوساط المجتمع الإسرائيلي وفق ما أظهرته استطلاعات الرأي العام، كما لا تواجه معارضة جدّية من الكتل البرلمانية، وتحظى كذلك بتأييد المؤسسة العسكرية والأمنية. يدرك نتنياهو أن قبول الخطة لن يغيّر جذرياً من صورته أو مكانته في نظر الجمهور الإسرائيلي، لكنه يرى فيها فرصة لتعزيز موقعه السياسي من خلال الحفاظ على دعم قواعد اليمين، وربما اجتذاب بعض شرائح اليمين المتطرف، إضافة إلى محاولة استعادة أكبر قدر ممكن من مصوّتي "الليكود"، ووقف انتقال الأصوات إلى أحزاب أخرى، ولا سيما الحزب الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت المحسوب على تيار اليمين الديني. يسعى نتنياهو من خلال هذه الخطة إلى الظهور أمام قواعد اليمين وناخبي حزبه باعتباره ما زال قادراً على التأثير في ترامب وفي المعادلات الدولية، وأنه قادر على تحقيق الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل. فبنود الخطة وصيغتها الراهنة تتيح له الادعاء بأن إسرائيل أنجزت الأهداف التي حدّدتها الحكومة للحرب. كما سيحاول نتنياهو استثمار ما تعتبره إسرائيل إنجازات عسكرية أمام إيران وحزب الله وسورية، إضافة إلى غزة، لتسويق نفسه رجلَ الأمن الذي نجح في قلب الموازين بعد السابع من أكتوبر. فضلاً عن ذلك، سيزعم أنه قبل بالخطة بهدف الحفاظ على متانة العلاقات الاستراتيجية مع ترامب، ولتفادي مقاطعة دولية أو فرض عقوبات اقتصادية وتجارية على إسرائيل، وربما لتجنّب مزيد من الخسائر البشرية سواء في صفوف المخطوفين أو بين الجنود الإسرائيليين إذا ما استمرت الحرب. لا تحقق الخطة مجمل الأهداف الإسرائيلية، ولا سيما الأهداف الأيديولوجية التي يسعى اليمين المتطرف إلى إنجازها يمكن التكهن أن بنيامين نتنياهو لا يخشى، في ظلّ هذه المعطيات والظروف، أن يؤدي قبول الخطة أو إقرارها إلى تبكير موعد الانتخابات الإسرائيلية إلى الربع الأول من عام 2026، وذلك خصوصاً في ضوء صعوبة التوصل إلى تفاهم حول قانون تجنيد جديد مع الأحزاب الحريدية، والتعقيدات المتوقعة في تمرير ميزانية عام 2026، ما يرجّح تبكير الانتخابات في جميع الأحوال. في هذه الظروف سيحاول نتنياهو فرض أجندة الانتخابات المقبلة وعناوينها الرئيسية، بحيث تتمحور حول قبول خطة وقف الحرب وشروطها، والإنجازات العسكرية، ومنع إقامة دولة فلسطينية، وإنقاذ إسرائيل من العزلة الدولية والأزمة الاقتصادية، وربما أيضاً حول احتمال دفع مسار التطبيع مع دول عربية أخرى، وفي مقدمتها السعودية. وبهذا يسعى نتنياهو إلى صرف الأنظار عن الخلافات حول قانون التجنيد وعن الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر. اليمين المتطرف يتمايز وفقاً لتصريحات الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش حتى الآن، يتضح أنهما يعارضان خطة ترامب لوقف الحرب على غزة، خصوصاً لأنها تُبقي، ولو بشكل ضئيل للغاية، على احتمال وجود دور مستقبلي للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، ولأنها لا تؤدي إلى تفكيك السلطة الفلسطينية أو إلى ضمّ مناطق من الضفة الغربية. هذا الموقف ينسجم مع النهج العقائدي الثابت لليمين المتطرف، الذي يسعى إلى استمرار الحرب وتحقيق أهدافها الأيديولوجية. في ظلّ هذه المعطيات وبنود الخطة، من المرجح أن تسعى أحزاب اليمين المتطرف إلى تمييز نفسها عن بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، تمهيداً لمنافسته على أساس سياسي ـ أيديولوجي في الانتخابات المقبلة. ويُعتبر هذا تكتيكاً مألوفاً في السياسة الإسرائيلية، إذ غالباً ما تسعى الأحزاب الصغيرة الواقعة على أطراف المحور السياسي إلى إبراز اختلافها عن الأحزاب الكبرى قبيل الانتخابات، باعتبار أنها تتنافس معها على قواعد ناخبي اليمين واليمين المتطرف. إلى جانب ذلك، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تراجع مكانة حزب "العظمة اليهودية" برئاسة بن غفير، واستمرار التقديرات بعدم تمكن حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة سموتريتش من اجتياز نسبة الحسم. بناءً على ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال انسحاب أحزاب اليمين المتطرف من الحكومة إذا ما أقرّت خطة ترامب وتمّ وقف الحرب. هذا السلوك سيكون انعكاساً لقناعات أيديولوجية وعقائدية، وكذلك نتيجة لحسابات انتخابية تسعى تلك الأحزاب من خلالها إلى تعزيز موقعها. معارضة مفقودة أما أحزاب المعارضة الإسرائيلية، فقد أعلنت، كعادتها، أنها ستمنح بنيامين نتنياهو شبكة أمان لتنفيذ الخطة، إذ تبنتها ودعمتها دون أي انتقاد أو مراجعة أو طرح بدائل. ومع ذلك، فإن شبكة الأمان هذه ستقتصر على تمرير الخطة ووقف الحرب، وربما التوصل إلى اتفاق مع حزب الليكود حول موعد الانتخابات المقبلة، لا أكثر. نتنياهو لن يخاطر بالاعتماد على تحالف ضيّق يستند إلى دعم غانتس، بل سيفضل الذهاب إلى انتخابات جديدة وحتى لو عرض رئيس حزب "المعسكر الرسمي" بني غانتس مرة أخرى الدخول في التحالف الحكومي، فإن نتنياهو لن يخاطر بالاعتماد على تحالف ضيّق يستند إلى دعم غانتس، بل سيفضل الذهاب إلى انتخابات جديدة في ظروف وشروط يعتبرها الأفضل بالنسبة له منذ أكتوبر 2023. افتعال جبهات إضافية يمكن القول إن موافقة بنيامين نتنياهو على خطة ترامب لا تأتي فقط في إطار المناورة والمماطلة، بل لأنها تتيح له الادعاء بأنها تحقق جزءاً كبيراً ومحورياً من أهداف الحرب. فهي تمنحه فرصة لتصوير إسرائيل وكأنها حققت إنجازاً عسكرياً وأمنياً سياسياً واستراتيجياً إضافياً، إلى جانب ما يعتبره إنجازات عسكرية في مواجهة إيران وحزب الله وسورية. كما تسمح له بالادعاء بأنه نجح في منع عزل إسرائيل، وربما فتح مسار جديد نحو التطبيع مع دول عربية أخرى، وفي مقدمتها السعودية. بهذا الشكل، يسعى نتنياهو لتقديم نفسه على أنه رجل الدولة الذي خلق واقعاً إقليمياً جديداً، على الرغم من الإخفاق الكبير في السابع من أكتوبر، وحتى لو كان ثمن ذلك حلّ التحالف الحكومي وتبكير الانتخابات البرلمانية إلى الربع الأول من العام المقبل. مع ذلك، لا يلغي هذا السيناريو احتمالات أخرى قد يلجأ إليها نتنياهو للحفاظ على التحالف الحكومي، في حال إقرار خطة ترامب لوقف الحرب على غزة، وفي مقدمتها الهروب مجدداً نحو الحلول العسكرية وافتعال جبهات إضافية لم تُغلق بعد بشكل كامل، من وجه نظر إسرائيلية، مثل جبهة لبنان وربما حتى إيران. فقد تدّعي إسرائيل أن حزب الله لا يلتزم باتفاق وقف النار، وأنه يعمل على إعادة ترميم قدراته العسكرية، الأمر الذي قد يبرّر استئناف الحرب على لبنان. كما يمكنها الادعاء بأن إيران تسعى لترميم مشروعها النووي أو برنامج الصواريخ الباليستية. هذه الحجج، حتى وإن كانت مثيرة للجدل، قد تجد صدى مقنعاً لدى الرأي العام الإسرائيلي المعبّأ أصلاً، لا سيما إذا توقفت الحرب على غزة وتمّ بالفعل تنفيذ صفقة تبادل للأسرى والمختطفين. تبقى هذه السيناريوهات مرتبطة، بطبيعة الحال، بمضمون رد حركة حماس على خطة ترامب.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows