إبادة غزة... هكذا أمعن الاحتلال في تدمير المنظومة الصحية
Arab
2 hours ago
share
لطالما كانت المنظومة الصحية في قطاع غزة هشّة بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل عليه منذ أكثر من 18 عاماً. ومنذ عامَين، راح الوضع يتفاقم مع تشديد الحصار وتصعيد العوان الإسرائيلي. على مدى عامَين متواصلَين، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يعيش الفلسطينيون في قطاع غزة تحت نيران عدوان إسرائيلي لا يرحم، وتعمد الاحتلال تدمير المنظومة الصحية في القطاع المحاصر في سياق الإبادة المتعمّدة بكلّ الوسائل المتاحة لديه، فحاصر المستشفيات وقصفها، وحطّم أجهزتها وعطّلها، وشرّد المرضى والجرحى منها، واستهدف أطقمها من خلال قتل عدد منهم واعتقال آخرين.  ومنعت سلطات الاحتلال إدخال المستلزمات الطبية والأدوية، حتى تلك المنقذة للحياة، إلى القطاع المستهدف، وسط تشديد الحصار، الأمر الذي حرم كثيرين من الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها، كذلك يأتي منع إدخال الوقود اللازم لتشغيل المستشفيات ليمعن في تدمير المنظومة الصحية التي تنازع. ومنذ الأيام الأولى من الحرب على قطاع غزة المحاصر، راح الاحتلال يصوّب على المنظومة الصحية فيه، ولعلّ البداية كانت مع مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة شمالي القطاع، الذي يُعَدّ أهمّ مستشفيات قطاع غزة ككلّ. فقد حاصرته القوات الإسرائيلية وهاجمته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، بحجّة أنّ ثمّة مركزاً لقيادة حركة حماس فيه، الأمر الذي لم يُثبته أيّ دليل، على الرغم من كلّ المحاولات التي بُذلت في هذا السياق. وبعد مجمّع الشفاء الطبي، الذي عاد الاحتلال ليستهدفه ويخرجه عن العمل أكثر من مرّة، فقد لاقت مستشفيات عدّة في شمال القطاع المصير نفسه، قبل أن تنال مستشفيات في الوسط والجنوب نصيبها من الاستهداف. وتحوّلت المستشفيات والمراكز الطبية في قطاع غزة إلى أهداف لآلة الحرب الإسرائيلية، علماً أنّ المنشآت الصحية مواقع تستوجب التحييد في الحروب بموجب القانون الدولي الإنساني. لكنّ إسرائيل، التي لا تعير أهميّة لأيّ من القوانين والأعراف، أرادت من خلال استهداف المنظومة الصحية تقويض القدرات الطبية في قطاع غزة، الأمر الذي يخدم أهداف حرب الإبادة. نحو 18 ألف مصاب يحتاجون إلى إجلاء صحي عاجل من قطاع غزة، واستهداف الاحتلال المرافق الصحية يأتي من ضمن سياسة مدروسة يفيد مدير وحدة المعلومات الصحية لدى وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة زاهر الوحيدي "العربي الجديد" بأنّ "ما يزيد عن 38 مستشفى حكومياً و156 مركز رعاية أولية تعرّضت لاستهداف مباشر أو غير مباشر في خلال العامين الماضيَين"، ويضيف أنّ "ما تبقّى في الخدمة لا يتجاوز عدده 13 مستشفى فقط، اثنان منها مركزيان في مدينة غزة"، هما مجمّع الشفاء الطبي (الذي استعاد بعضاً من عافيته) والمستشفى المعمداني (الأهلي العربي)، مبيّناً أنّ "المستشفيات المتبقية تقتصر على خدمات معيّنة أو هي تخصّصية محدودة مثل مستشفى الصحابة للنساء ومستشفى أصدقاء المريض للأطفال". ويرى الوحيدي أنّ "الكارثة لم تعد مجرّد خطر يهدّد المستقبل بل صارت واقعاً يومياً"، مؤكّداً أنّ "الوضع الصحي تجاوز مرحلة الانهيار والكارثة؛ فنسب الإشغال في المستشفيات تتراوح ما بين 230 و300%، والمرضى يفترشون الممرّات والطرقات، إذ لا مكان للأسرّة"، ويردف: "لم نعد نقدّم إلّا خدمات إنقاذ حياة بالحدّ الأدنى". ويضيف أنّ "ثمّة 1500 مريض وجريح يتلقّون علاجاتهم بالمستشفيات في آن واحد، وأكثر من ثمانية آلاف آخرين يقصدون يومياً أقسام الطوارئ في المنشآت الطبية"، مع العلم أنّ "نحو 500 جريح يصلون يومياً إلى المستشفيات ذات القدرات شبه معدومة"، ويتابع أنّ "العجز الدوائي بلغ 55% في الأدوية الأساسية و66% في المستلزمات الطبية، بما في ذلك أدوية الطوارئ والتخدير والعناية المركّزة"، شارحاً أنّ "من شأن ذلك أن يهدّد مباشرة حياة المرضى (والجرحى)، ويمنع إجراء العمليات الجراحية ويضاعف معاناة مرضى الكلى والسرطان والسكري والضغط". ويلفت الوحيدي إلى أنّ "شيئاً لم يسلم من الاستهداف في المنظومة الصحية؛ فقد سُجّل أكثر من 793 هجوماً على مرافق صحية ومركبات إسعاف، وخرجت 113 من تلك المركبات عن الخدمة بعدما تعرّضت للاستهداف المباشر. إلى جانب ذلك، سُجّل سقوط نحو 1700 شهيد من الكوادر الطبية" منذ بداية الحرب، "إلى جانب 361 معتقلاً"، مع العلم أنّ "51 من بين هؤلاء ما زالوا قابعين في سجون الاحتلال". ويبيّن أنّ "من بين أجهزة التصوير المقطعي الطبقي لم يتبقَّ سوى ستّة، فيما تعطّلت كلّ أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي بالكامل، البالغ عددها سبعة أجهزة. وثمّة جهاز قسطرة قلبية وحيداً ما زال يعمل في مستشفى الخدمة العامة (بمدينة غزة)، في حين لم يتبقَّ سوى 49 مولداً كهربائياً من أصل 149 كانت تغذّي المستشفيات، وتسع محطات أوكسجين تعمل من أصل 39"، وفي ما يتعلّق بالمستشفيات الميدانية، فلم تنجُ بدورها من الاستهداف الإسرائيلي على مدى عامَين من الحرب، بحسب ما يؤكد الوحيدي، مشيراً إلى أنّ سبعة مستشفيات ميدانية تعمل في الوقت الراهن من أصل 15". من جهتها، تصف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم لدى وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة صوفيا زعرب واقع المختبرات لـ"العربي الجديد"، بعد عامَين من حرب الإبادة الإسرائيلية، بأنّه "كارثي بكلّ المقاييس"، وتقول إنّ "أكثر من 90% من مختبرات الوزارة خرجت عن الخدمة، وقد نفدت كلياً محاليل أساسية مثل أملاح الدم وغازات الدم، الأمر الذي من شأنه أن يهدّد حياة الجرحى". وتشرح زعرب أنّ "احتياجات الدم اليومية تصل إلى ما بين 350 و400 وحدة دم، لكنّ الاستجابة ضئيلة"، لافتةً إلى أنّه "كنّا نطلق نداءات استغاثة يومية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل (لتعويض النقص)، وأحياناً يستجيب متبرّعون على الرغم من الخطر، لكنّ الاحتياجات تفوق المتاح بأضعاف"، وتبيّن أنّه "في خلال العامَين الماضيَين، وصلت ستّة آلاف وحدة دم إلى قطاع غزة من الضفة الغربية المحتلة، و1800 وحدة أخرى من الأردن، لكنّ هذه الأرقام لا تغطّي سوى جزء ضئيل من الحاجة"، وتتابع زعرب أنّه "مع خروج تسعة بنوك دم حكومية من أصل 12 عن الخدمة، لم يتبقَّ إلّا ثلاثة في مجمّع الشفاء الطبي (مدينة غزة - شمال) ومجمّع ناصر الطبي (مدينة خانيونس - جنوب) ومستشفى شهداء الأقصى (مدينة دير البلح - وسط)". في سياق متصل، يؤكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إسماعيل الثوابتة لـ"العربي الجديد" أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهداف المنظومة الصحية في القطاع منذ اليوم الأول لحرب الإبادة الجماعية، في إطار سياسة ممنهجة تهدف إلى إسقاط المنظومة الصحية وإخراجها عن الخدمة بالكامل"، ويقول الثوابتة إنّ "الاحتلال ارتكب مئات الانتهاكات بحقّ المرافق الطبية والكوادر العاملة فيها، وقد وثّقت الجهات المختصة استشهاد 1701 من الكوادر الصحية، إلى جانب تدمير 38 مستشفى و197 مركبة إسعاف"، ويشدّد على أنّ "هذه الجرائم لم تكن عَرَضيّة، بل من ضمن خطة منظّمة تستهدف الحياة في قطاع غزة". ويكمل الثوابتة أنّ "المنظومة الصحية تكبّدت خسائر فادحة منذ بداية الحرب، تمثّلت في تعطيل عشرات المستشفيات والمراكز الصحية، واستهداف مركبات الإسعاف والدفاع المدني"، مقدَّراً "قيمة الخسائر المالية الأولية بنحو خمسة مليارات دولار تشمل المستشفيات والتجهيزات الطبية والأدوية والكوادر"، ويشير إلى أنّ "إفلات الاحتلال من العقاب، على مدى عقود طويلة، على الرغم من انتهاكاته الصارخة لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، يمثّل سبباً رئيسياً لتصاعد حجم الجرائم ضدّ المنظومة الصحية"، مشدّداً على أنّ "ما يحدث يُعَدّ جريمة إبادة جماعية لا بدّ من أن يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته في وقفها ومحاسبة مرتكبيها". في الإطار نفسه، يقول رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي بـ"العربي الجديد" إنّ استهداف المنظومة الصحية ليس مجرّد خرق للقانون الدولي، بل هو "جزء من سياسة إبادة جماعية"، ويؤكد: "نحن أمام إبادة تهدف إلى إفراغ قطاع غزة من سكانه وتحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة"، لافتاً إلى أنّ "الاحتلال يعرقل عمل المؤسسات الدولية" للحؤول دون ذلك، ويشير عبد العاطي إلى أنّ "نحو 18 ألف حالة مرضية تحتاج إلى إجلاء عاجل من قطاع غزة حتى تتمكّن من تلقّي العلاج في الخارج، لكنّ الاحتلال يرفض ذلك، الأمر الذي أدّى إلى وفيات من بينها"، ويصف ما يجري بأنّه "سياسة تجويع وتعطيش وتدمير متعمّدة، ترافقها حرب نفسية على السكان المدنيين".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows