القمار الإلكتروني يبتلع أموال شباب سورية وأحلامهم
Arab
2 hours ago
share
في غرفة صغيرة مظلمة بريف دمشق، يقضي العشريني السوري رافد الأبرش ساعات طويلة ممسكاً هاتفه المحمول يتابع موقعاً للمراهنات الرياضية. يترقّب بشغف صافرة نهاية المباراة، علّها تجلب له "الضربة الذهبية" التي قد تعيد له ما خسره خلال الأسبوع الماضي. لكنّ النتيجة تأتي عكس ما تمنّى، ليزداد دينه الذي تجاوز ألفي دولار، لا يعرف كيف سيسدّدها، في بلد لا يتجاوز متوسط الراتب الشهري فيه 20 دولاراً. وينظر آلاف الشبان السوريين إلى القمار الإلكتروني، المنتشر عبر مئات المواقع وصفحات "تلغرام" و"فيسبوك"، كوسيلة للهروب من البطالة والفقر وانسداد الأفق، غير أنّ هذا الطريق ينتهي في أغلب الأحيان بخسائر مالية، ومشاكل عائلية، وتهديدات قد تصل إلى حدّ القتل. من طرطوس، يقول شاب خسر نحو خمسة آلاف دولار عبر المراهنات، لـ "العربي الجديد"، إنه تلقى اتصالاً من أحد الوسطاء يطالبه بالدفع، مهدّداً إياه بعناصر مسلّحة إن لم يُسدّد المبلغ خلال أيام. بينما في حلب، باع سوري آخر متجره ومنزله بعدما دخل دوامة القمار، وانتهى به الأمر مشرداً، مدمناً على الكحول، وفقد أسرته بالكامل، كما ترك شاب آخر جامعته بعدما استهلكه إدمان القمار، وصار يقضي الليل والنهار على المواقع بانتظار فوز يعوّض خسائره المتراكمة. لم يكن المحامي فادي الرحّال بحاجة إلى كثير من الوقت ليشرح مأساة القانون في مواجهة هذه الظاهرة. في مكتبه بوسط دمشق، فتح نسخةً من قانون العقوبات وقانون الجرائم المعلوماتية، وأشار بإصبعه إلى المادتَين 619 و620 قائلاً: "التشريع موجود، لكنه يقف عاجزاً أمام سيل المواقع الإلكترونية التي تتكاثر يوماً بعد يوم". يوضح الرحّال لـ"العربي الجديد" أنّ القانون السوري، حتى بعد تعديله في عام 2022، يفرض على المقامرين غرامات تتراوح بين مائة وخمسمئة ألف ليرة سورية، وقد تصل الغرامة إلى مليون ليرة في حال ارتُكبت الجريمة عبر الإنترنت. أما من يديرون هذه الشبكات أو ينظمونها، فالعقوبة تتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين سجناً، إضافة إلى الغرامات، ومصادرة الأجهزة، وربما حتى إغلاق الموقع الإلكتروني أو حجب الخدمة نهائياً. لكن الرحّال يسخر: "هل تعتقد أنّ هذه الغرامات رادعة في بلد يراهن فيه الشاب على مبالغ تفوق الراتب السنوي بعشرات المرات؟ المشكلة ليست في النصوص، بل في آليات التنفيذ، والقضايا تُحال غالباً إلى محكمة بداية الجزاء، ولكن في حال التعامل بعملات غير الليرة السورية، تُنقل إلى محكمة الجنايات المالية والاقتصادية، وهي مسارات قانونية معقّدة، تمنح المتورطين وقتاً ومساحة للمناورة. إذا لم يرتفع سقف العقوبات، ويمنح القضاء أدوات تنفيذ فعلية، فسنظل نطارد وهماً قانونياً بينما الشبكات تتوسع بلا خوف". بدوره، يحذر المختص في علم النفس الاجتماعي، جمال فرويز، من أن الرغبة في الكسب السريع والهروب من الواقع القاسي تمثل الدافع الأساسي وراء هذه الأنشطة، خصوصاً في مجتمع يعاني من أزمات خانقة. ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "هذه الممارسات تُشبه الإدمان، وتؤدي إلى اضطرابات نفسية حادة، مثل القلق والاكتئاب، وقد تقود في بعض الحالات إلى الانتحار. المنصات الرقمية تستثمر هذا، وتصنع حالة من التعلق بالنقود الوهمية يصعب التخلص منها بمجرد الخسارة، ومن هنا تأتي أهمية التوعية، وكشف أساليب الإغراء الإلكتروني". وتدفع البطالة والفقر وانهيار الليرة السورية الشباب نحو المقامرة، خصوصاً أنّ الرهان يبدأ بمبالغ صغيرة، لكنّه سرعان ما يتحول إلى إدمان، ويغري البحث عن الربح السريع كثيرين، في بلدٍ لا يتجاوز راتب الموظف الحكومي فيه عشرات الدولارات، بينما تحتاج العائلة إلى مئات الدولارات شهرياً لتغطية نفقاتها الأساسية. ويبدو القمار الإلكتروني في سورية كمتاهة تبدأ بوعود خادعة بالربح السريع، لكنها تنتهي بمزيد من الفقر والانكسار، فالشباب الذين يطاردون الأمل عبر الشاشات يجدون أنفسهم عالقين بين قوانين عاجزة، وواقع اقتصادي يضغط عليهم، ومنصات تستغل يأسهم بلا رحمة. ويرى الخبراء أنّ أي مواجهة حقيقية لا يمكن أن تقتصر على النصوص القانونية أو الغرامات، بل يجب أن تنبع من نشر الوعي المجتمعي، والذي يبدأ في المدارس والجامعات، مع توفير فرص عمل تفتح أبواب المستقبل، وتوفير دعم نفسي يعيد التوازن لمن فقده وسط دوّامة الخسائر. من دون ذلك، ستظل القصص تتكرر، وستبقى الشاشات تلمع بوعودٍ كاذبة، فيما الحقيقة أكثر قسوة من أي خسارة افتراضية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows