
Arab
حين وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي ليعلن أنه "أنهى سبع حروب مستعرة"، كان يحاول أن يرسم لنفسه صورة رجل السلام المرشح لنيل جائزة نوبل. لكن ترامب الذي يهوى تقديم نفسه كالأذكى والأقوى والأكثر نجاحاً، لم يغيّر السياسة الخارجية فقط، بل غيّر أيضاً وجه الكوميديا التلفزيونية في الولايات المتحدة، وفرض على البرامج الليلية معركة مفتوحة معه ومع خطابه.
منذ ستينيات القرن الماضي، لعبت الكوميديا دوراً في نقد السياسة الأميركية. برنامج "ساعة كوميدية مع الأخوين سموثرز" (1967) تحدّى حرب فيتنام والتيار السائد قبل أن توقفه قناة "سي بي إس". وفي التسعينيات، ساهم "جاي لينو" في برنامج "ذا تونايت شو" في تحويل الرأي العام خلال فضيحة كلينتون – لوينسكي. لاحقاً، جاء "ذا ديلي شو" مع جون ستيوارت ليقدّم نبرة سخرية مبطنة تجمع بين الفكاهة واللامبالاة.
مع صعود ترامب إلى الرئاسة، تغيّر كل شيء. الكوميديون لم يعودوا يكتفون بالتلميح، بل باتت شخصيته وسياساته مادة يومية. ورغم أن ستيوارت غادر برنامجه قبل انتخابات 2016، إلا أن خصومته مع ترامب استمرت عبر السجالات على "تويتر" (إكس حالياً)، وصولاً إلى هجوم ساخر أطلقه هذا الشهر خلال عودته ضيفاً في "ذا ديلي شو"، حيث قدّم نسخة "معتمدة حكومياً" من البرنامج تتهكم على الرئيس وضغوطه على الإعلام.
حساسية ترامب تجاه النقد لم تتوقف عند حدود السخرية. منذ عام 2021، حاول الضغط على هيئة الاتصالات الفيدرالية ووزارة العدل لمنع برنامج "ساترداي نايت لايف" بعدما قلّده الممثل أليك بالدوين في مناظرة رئاسية. ورغم فشل محاولاته، واصل رفع دعاوى قضائية ضد المؤسسات الإعلامية. أبرزها تسوية بـ16 مليون دولار دفعتها شركة باراماونت بعد دعوى على برنامج "60 دقيقة". هذه الخطوة دفعت شبكة "سي بي إس" إلى وقف تجديد برنامج ستيفن كولبير بحجة تراجع المشاهدات، وهو ما اعتبره كثيرون رضوخاً لضغوط سياسية. كما شملت ضغوط ترامب زميلين آخرين: جيمي كيميل، الذي علّقت محطة "إيه بي سي" برنامجه "جيمي كيميل لايف!" إثر ضغوط مباشرة من البيت الأبيض، قبل التراجع عن القرار لاحقاً، فيما لم يتوقف ترامب عن الاحتفال عبر منصته "تروث سوشال" بمثل هذه القرارات، مع التلويح بأسماء كوميديين آخرين يجب أن يطاولهم "الإيقاف".
النتيجة أنّ العلاقة بين الرئيس والكوميديين تحوّلت إلى مواجهة علنية. البرامج الليلية وجدت في ترامب مادة يومية للسخرية، حتى أن بعض الحلقات صارت تخلو من "النكتة الخفيفة" لتحل محلها سخرية سياسية مباشرة. في المقابل، لم يتردد ترامب في مهاجمة مقدّمي البرامج بوصفهم "مملّين" و"غير موهوبين"، مكرّساً صورة رئيس في معركة مستمرة مع الكوميديا والإعلام.
ترامب لم يكتف بالتأثير في الكوميديا، بل حاول توسيع نفوذه ليشمل الصحافة المكتوبة أيضاً، عبر دعاوى قضائية ضد نيويورك تايمز، وضغوط على إعلاميين وناشطين دفع بعضهم إلى مغادرة الولايات المتحدة، مثل الممثلة الكوميدية روزي أودونيل. بذلك، بدا أن الرئيس الذي وعد بحماية حرية التعبير، هو نفسه من يحاول خنقها حين تُستخدم ضده.
هكذا، غيّر ترامب العلاقة التقليدية بين السياسة والكوميديا في الولايات المتحدة، وحوّلها من "رقصة متبادلة" إلى معركة علنية. وبقدر ما أصبحت البرامج الليلية أقوى في نقده، كشف هو عن مدى استعداده لاستخدام أدوات الدولة والنفوذ الشخصي لتكميم السخرية. السؤال المفتوح اليوم: هل يستمر ترامب في هذه المواجهة حتى يكسر ظهر الكوميديا السياسية الأميركية، أم أن هذه البرامج ستجد في عدائه مادة تجعلها أكثر تأثيراً وجماهيرية؟

Related News

عامان على الإبادة... شهادات الصحافيين في الميدان
alaraby ALjadeed
21 minutes ago