
Arab
يواجه النازحون إلى المنطقتَين الوسطى والجنوبية من قطاع غزة أزمة متفاقمة نتيجة النقص الشديد في أدوات السباكة والمعدات التي تعينهم على إنشاء دورات المياه، وسط تزايد كبير في الطلب عليها؛ بسبب النزوح الجماعي من مدينة غزة والمناطق الشمالية.
وتعود جذور الأزمة إلى عوامل متداخلة عدّة، أبرزها الضغط السكاني المفاجئ على مناطق لم تكن مجهّزة مسبقاً لاستيعاب هذا العدد الكبير من الأشخاص، إلى جانب شحّ مختلف المواد الأساسية في الأسواق نتيجة الحصار، وتدمير سلاسل الإمداد، كما أنّ القصف المتكرّر للمناطق الصناعية والمخازن زاد من صعوبة توفر هذه المستلزمات، سواء للاستعمال الشخصي أو الجماعي.
وانعكس ارتفاع الطلب وقلة المعروض على ارتفاع أسعار المستلزمات القليلة المتوفرة، ما جعل الحصول عليها صعباً حتى لمن لديهم قدرة مالية، وهو واقع دفع الكثير من العائلات إلى الاشتراك في المراحيض والخزانات، في ظروف تفتقر للخصوصية والنظافة، ما يزيد المعاناة اليومية، ولا سيّما بالنسبة للنساء وكبار السن والأطفال.
يقول النازح أحمد عوض (41 سنة) لـ"العربي الجديد"، إن الخيمة التي قامت أسرته بنصبها تضم 11 فرداً، لكنهم لم يتمكنوا من إنشاء حمام خاص بهم نتيجة عدم توفر أدوات السباكة أو المعدات اللازمة، والتي زاد الطلب عليها بشدة بينما يمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال معدات صحية جديدة ضمن قائمة طويلة من الممنوعات منذ بداية الحرب.
يضيف عوض بينما يجلس على كومة من البطانيات قرب مدخل خيمته: "أصبحت الحياة اليومية بمثابة صراع مع أدق التفاصيل، وفي أول أيام النزوح كنّا نقضي حاجتنا في أكياس البلاستيك، لأنه لا تتوفر حمامات، وحاولنا شراء بعض المواد لتجهيز مرحاض، لكنّنا لم نجد. الأطفال يعانون أكثر من غيرهم بسبب اضطرارهم لاستخدام حمامات مكشوفة، ما يعني انعدام الخصوصية، وابنتي الصغيرة تبكي خوفاً كلما أرادت استخدام الحمام".
وتحولت الحاجة في مراكز النزوح إلى أدوات بسيطة مثل المواسير، أو الصنابير، أو خزانات المياه، وحتى الأوعية البلاستيكية، إلى معضلة يومية، وأدى النقص القائم إلى تزايد الاعتماد على حلول بدائية لا تفي بالحد الأدنى من المعايير الصحية، ما يهدّد بانتشار الأوبئة، خاصة في ظل بيئة تفتقر إلى شبكات الصرف الصحي.
نزح الفلسطيني كامل ماضي (36 سنة) من مدينة غزة إلى مخيّم مؤقت في دير البلح، ويواجه صعوبات بالغة في تخزين مياه الاستخدام اليومي بفعل عدم قدرته على توفير خزان بلاستيكي، أو غالونات لنقل المياه بسبب الشحّ الشديد من جراء زيادة الطلب وقلة المعروض.
ويبيّن ماضي لـ"العربي الجديد" أن هذه الأزمة تزيد من معاناته في توفير المياه، التي تصل إلى المخيّم كل ثلاثة أو أربعة أيام، بينما لا يتمكّن من تخزين الكمية التي تغطي احتياجات أسرته خلال فترة الانقطاع، ويضيف: "الكميات الشحيحة المعروضة من المستلزمات تباع بأسعار خيالية، رغم أن معظمها قديمة، أو محطمة وأعيد إصلاحها، وهذا يزيد من معاناة العيش داخل الخيام المهترئة التي لا تلبي الحد الأدنى من الأمان والراحة والخصوصية".
بدوره، يبين محمود ناجي (45 سنة)، وهو نازح من حي التفاح إلى أرض زراعية غربي مدينة دير البلح، أنه يبحث منذ أيام عن أنبوب بلاستيكي لتصليح تسريب الصرف الصحي داخل الحمام الجماعي للمخيّم، لكنه لا يجد، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنت صاحب ورشة سباكة في غزة، واليوم لا أملك حتى مفتاح ربط. الأنابيب والمعدات الصحية أصبحت سلعة نادرة، ولا يوجد محابس، أو صمامات، أو كراسي حمامات، أو حتّى خراطيم مياه وجرادل (دلاء)، حتى السيليكون لم نعد نجده".
ويوضح ناجي أنه حاول بمساعدة مجموعة من الشبان بناء حمام بدائي باستخدام ألواح خشبية وبقايا شوادر، لكنهم اصطدموا بعدم توفر أي معدات سباكة، مشيراً إلى أن "أوضاع النظافة الشخصية كارثية، وتتسبب في زيادة الأمراض وانتشار المكاره الصحية".
وبينما تتجه الأنظار إلى المساعدات الغذائية والطبية الشحيحة، تبقى الحاجة إلى توفير أدوات السباكة ومستلزمات إنشاء الحمامات أولوية إنسانية ملحة ينبغي أن تحظى باهتمام من المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية، إذ إنها واحدة من المعضلات اليومية التي تواجه مئات آلاف النازحين في القطاع المُدمر والمحاصر، وقد تفاقمت مع قرار الاحتلال إخلاء مدينة غزة، ودفع سكانها والنازحين إليها جنوباً إلى محافظتَي دير البلح وخانيونس، حيث الحصول على المستلزمات الحياتية الأساسية ضرب من المستحيل.

Related News

عامان على الإبادة... شهادات الصحافيين في الميدان
alaraby ALjadeed
17 minutes ago