Arab
تمكنت الرئيسة المولدوفية مايا ساندو من تجاوز أبرز استحقاق انتخابي في مولدوفا في السنوات الأخيرة، مع فوز حزبها الحاكم "حزب العمل والتضامن" بالانتخابات التشريعية، التي أُجريت أمس الأحد. وجاء انتصار ساندو بارزاً بعدما شكّلت الانتخابات هزيمة سياسية لروسيا، التي سعت لإطاحة الرئيسة، وقطع الطريق على مساعي كيشيناو للانضمام للاتحاد الأوروبي. وبعد أسابيع من الشحن السياسي، تخلله منع أحزاب مؤيدة للكرملين من المشاركة الانتخابية، وفي ظل واقع تمرّد إقليم ترانسنيستريا المولدوفي بوجود أكثر من 1500 جندي روسي فيه، أتمّت ساندو، الداعمة لأوكرانيا وللاتحاد الأوروبي، مساراً بدأته الجارة رومانيا، في مايو/أيار الماضي، لجهة الصمود أمام الأجنحة الموالية لروسيا في بلديهما. وجاء الانتصار السياسي لساندو، على وقع تزايد المخاطر الأمنية في أوروبا، مع تسجيل خروقات لمسيّرات روسية و"مجهولة" فوق أجواء دول أوروبية عدة.
إيغور دودون: الحزب الحاكم فاز بأصوات الاغتراب
تدخّل أجنبي في انتخابات مولدوفا
اليوم الاثنين، أظهر فرز أكثر من 99,91% من الأصوات أن "حزب العمل والتضامن" (باس)، بزعامة ساندو، حصل على أكثر من 50.17% من الأصوات لانتخاب أعضاء في البرلمان المكوّن من 101 مقعد. في المقابل، حصد "التكتل الوطني" المؤيد لروسيا 24,19% من الأصوات، بحسب النتائج التي نشرها موقع مفوضية الانتخابات. وجاءت نسب التأييد لـ"باس" أقل من نسبة 52,8% التي فاز فيها عام 2021. واعتبرت ساندو في مؤتمر صحافي، اليوم الاثنين، أن نتيجة الانتخابات تفويض قوي لعملية انضمامنا إلى الاتحاد الأوروبي. وأفاد زعيم "حزب العمل والتضامن" إيغور غروسو في مؤتمر صحافي، اليوم الاثنين، بأن "روسيا ألقت بكل قذاراتها في المعركة (الانتخابية)... لم يكن باس وحده الذي فاز في الاقتراع، بل فاز الشعب".
وقال إيغور بوتان، مدير مركز أديبت للأبحاث، في تصريحات صحافية، إن مولدوفا "لم تشهد في تاريخها الحديث مثل هذا التدخّل الأجنبي في الحملات الانتخابية" منذ استقلال البلاد عام 1991. ومنذ بداية شهر أغسطس/آب الماضي، نفذت الشرطة المولدوفية أكثر من 600 مداهمة على خلفية محاولات لزعزعة الاستقرار، وأوقف العشرات في هذا الإطار بحسب رئيس الوزراء دورين ريشان. أما زعيم "التكتل الوطني" إيغور دودون، الذي كان رئيساً للبلاد بين عامي 2016 و2020، فدعا اليوم الاثنين إلى "تظاهرات سلمية"، متّهماً "باس" بسرقة الأصوات. وقال في كيشيناو، بين أنصاره، إنه "سنتوجه إلى مفوضية الانتخابات ونقدم الوثائق التي تفيد بحصول تزوير"، مشيراً إلى أن الحزب الحاكم "فاز بأصوات الاغتراب، فيما نال في الداخل المولدوفي 44%". وشدّد دودون على أن حزبه سيتابع ملف الانتخابات قضائياً، داعياً مناصريه إلى المحافظة على سلمية التظاهرات".
من جهته، اتهم المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، اليوم الاثنين، السلطات في مولدوفا بمنع مئات الآلاف من مواطنيها المقيمين في روسيا من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وذلك عبر إقامة مركزين انتخابيين فقط للجالية الكبيرة هناك. وعند سؤاله عما إذا كانت موسكو تعترف بنتائج الانتخابات، أشار بيسكوف إلى أن بعض القوى السياسية داخل مولدوفا تحدثت عن وقوع انتهاكات خلال العملية الانتخابية. في السياق، قال المحلل أندري كورارارو من مركز "ووتدشدوغ.مد" للأبحاث في كيشيناو، في حديث لوكالة فرانس برس: "إحصائياً، ضمن باس أغلبية هشّة". لكنه حذّر من أن "الخطر" لم ينته بعد، إذ "يصعب تشكيل حكومة فاعلة". وأضاف أن "الكرملين موّل عملية أكبر بكثير من أن يتراجع عنها وقد يلجأ إلى الاحتجاجات وعرض رشاوى على نواب باس وغيرها من التكتيكات، لتعطيل تشكيل حكومة مستقرة مؤيدة للاتحاد الأوروبي". وأعلن جهاز الأمن الإلكتروني المولدوفي، مساء الأحد، أنه رصد محاولات عدة للهجوم على البنى التحتية الانتخابية تم "تحييدها في وقتها... من دون التأثير على توافر الخدمات الانتخابية أو سلامتها". واتّهمت الحكومة من جهتها الكرملين بإنفاق مئات الملايين باعتبارها "أموالاً قذرة" للتدخّل في الحملة.
وقبيل الانتخابات، نفّذت النيابة العامة مئات عمليات التفتيش المرتبطة بما قالت الحكومة إنه "فساد انتخابي" و"محاولات لزعزعة الاستقرار" فيما تم توقيف عشرات الأشخاص. وأعلنت وزارة الخارجية في مولدوفا عن تهديدات بقنابل استهدفت مراكز الاقتراع في رومانيا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة. كما اعتقلت الشرطة ثلاثة أشخاص يُشتبه بانتمائهم إلى الأجهزة الأمنية في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية الموالية لروسيا في مولدوفا، ويُزعم أنهم كانوا يخططون لإحداث "زعزعة الاستقرار والفوضى على نطاق واسع". وقالت الشرطة: "إنها تشتبه في كونهم قادة مسؤولين عن التنسيق والمراقبة والإمداد اللوجستي للمجموعات"، مضيفة أنها عثرت على ألعاب نارية ومواد قابلة للاشتعال كان المشتبه بهم يعتزمون استخدامها لإثارة الذعر والفوضى.
الكرملين: مولدوفا منعت مواطنيها في روسيا من الاقتراع
بذور انتفاضة في ترانسنيستريا
وفي منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدوفا، اتّهمت السلطات بدورها كيشيناو بالقيام بـ"محاولات صارخة" للحد من أصوات المولدوفيين الذين يقطنون المنطقة عبر خفض عدد مراكز الاقتراع وغير ذلك من التكتيكات. وتبلغ مساحة إقليم ترانسنيستريا الموالي لروسيا، 4136 كيلومتراً مربعاً، بعدد سكان يبلغ نحو 370 ألفاً، غالبيتهم من الأصول الروسية. وقد خاض الإقليم حرباً انفصالية ضد السلطات المولدوفية الشرعية، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ما أدى إلى تثبيت الانفصال، وإطلاق تسمية "جمهورية بريدنيستروفيا"، غير المعترف بها دولياً. وفي 28 فبراير/شباط 2024، تقدم مؤتمر نواب الشعب في الإقليم بطلب لتوفير "حماية دبلوماسية" من روسيا. ونص الإعلان على "اعتماد الطلب الموجه إلى مجلس الاتحاد ومجلس الدوما في الاتحاد الروسي لطلب تنفيذ تدابير لحماية ترانسنيستريا في سياق الضغط المتزايد من مولدوفا، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة الإقامة الدائمة على أراضي جمهورية ترانسنيستريا المولدوفية لأكثر من 220 ألف مواطن روسي والتجربة الإيجابية الفريدة لحفظ السلام من قبل روسيا على نهر دنيستر (ينتشر أكثر من 1500 جندي روسي هناك منذ عام 1991)، وكذلك وضع الضامن والوسيط في عملية التفاوض".
وفسّر مراقبون، في حينه، طلب الانفصاليين في تيراسبول الحماية الروسية، بأنه يمكّن موسكو من استغلالها حين الحاجة في معاركها الدبلوماسية مع الغرب وجمهورية مولدوفا، مع إبقاء الباب موارباً لتدخّل أقوى في حال تغيرت ظروف الحرب في جنوب أوكرانيا ومنطقة البحر الأسود تحديداً. وفي الأيام الأخيرة، شدّد الرئيس الأوكراني على وجوب حماية مولدوفا، مكرراً أن الهدف الروسي الأساسي من المعارك في الجنوب الأوكراني هو الوصول إلى ترانسنيستريا. ولطالما ساد الانقسام في الدولة الصغيرة المرشّحة لعضوية الاتحاد الأوروبي والمحاذية لأوكرانيا والتي تضم منطقة انفصالية مؤيدة لروسيا، بشأن ما إذا كان عليها التقارب مع بروكسل أو المحافظة على علاقاتها التاريخية مع موسكو. واعتُبرت الانتخابات التي جرت الأحد في غاية الأهمية بالنسبة إلى الدولة السوفييتية السابقة، للمحافظة على زخم مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتي بدأت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022. وعبّر الناخبون في البلد الذي يعد 2,4 مليون نسمة ويعد من بين الأفقر في أوروبا عن امتعاضهم حيال الصعوبات الاقتصادية وشككوا في مساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
(العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)
Related News

عامان على الإبادة... شهادات الصحافيين في الميدان
alaraby ALjadeed
25 minutes ago