
Arab
على مدار عامين كاملين، واجه كتّاب غزة واقعهم اليومي المزنّر بالحصار والإبادة، حاملين أقلامهم في وجه آلة الموت الإسرائيلية التي لم تترك بيتاً أو مؤسسة ثقافية إلّا ودمرتها، وأسفرت عن استشهاد عشرات الشعراء والروائيين والفنانين والأكاديميين من مختلف الأجيال، وفقاً للتقرير الأخير لمنظمة القلم الأميركي، الذي أوضح أن أكثر من 150 شخصية ثقافية فلسطينية قُتلت على يد الاحتلال الإسرائيلي.
من بين هؤلاء، تبرز أسماء شابة عديدة، مثل الشاعرة والروائية هبة أبو ندى، التي جسّدت في كتاباتها معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال، قبل أن تُغتال بغارة إسرائيلية في الشهر الأول من العدوان. كما نجد الكاتب الشاب نور الدين حجّاج، الذي اختار، في البداية، البقاء في شمال القطاع رغم تصاعد القصف، لكنه لم ينجُ من رصاص الاحتلال. والمصورة فاطمة حسونة التي وثّقت معاناة المدنيين في حرب غزة بعدسة إنسانية، فنالت شهرة عالمية وأصبحت موضوع الفيلم الوثائقي "ضع روحك على يدك وامشِ"، قبل مقتلها هي وعشرة من أفراد عائلتها في غارة إسرائيلية. ومثلهم تطالعنا أسماء أُخرى، منهم: يوسف دواس، وعبد ربّه محمد سليم، وعمر أبو شاويش، وعبد الله العقاد، ورشاد أبو سخيلة، الذين استُشهدوا جميعاً على يد آلة القتل الإسرائيلية.
ولم توفّر الإبادة الجيل الأكبر من الكتّاب، نستحضر هنا ذكرى الأكاديمي والشاعر والمترجم رفعت العرعير، أستاذ الأدب الإنكليزي، الذي كرّس حياته لتنشئة جيل قادر على مقاومة النسيان وتوثيق حياة الفلسطينيين تحت القصف، قبل أن يُقتل هو وعائلته في غارة أواخر عام 2023. وكذلك الحال مع الشاعر سليم النفّار، والشاعر والباحث شحدة البهبهاني. هؤلاء ليسوا مجرّد أسماء ولا أرقام، ولو قُتل كاتب واحد في بلدان "العالم الحرّ" لقامت الدنيا ولم تقعد.
نصوص دوّنها أصحابها في لحظاتهم الأخيرة فخلّدت ذكراهم
لكن في مقابل هذا الواقع الإبادي، ظلتّ الكتابة حاضرة، وهذا ما نلمسه في كتابات وعناوين خُطّت وصدرت تحت القصف، من أبرزها الأنطولوجيا الشعرية الفلسطينية "غزة، أهناك حياة قبل الموت" (2025)، التي أعدّها الشاعران المغربيان عبد اللطيف اللعبي وياسين عدنان، وجمعت أصوات 26 شاعراً وشاعرة من القطاع، بعضهم كتب مقاطع على هواتفه قبل لحظاته الأخيرة، فيما فقد آخرون حياتهم تحت القصف. ومن بين المشاركين فيها: كوثر أبو هاني، ومصعب أبو توهة، وحامد ويحيى عاشور، وحيدر الغزالي، وهند جودة، وآلاء القطراوي، وإيناس سلطان.
ولا ننسى تجربة الشاعرة نعمة حسن التي صدر لها أخيراً "كن أنت غزة.. مذكرات الحرب"، نصوصٌ تصف النزوح المتكرّر، والخوف المستمر على الأطفال، وصعوبة الحصول على الغذاء والماء، ومعاناة العيش في الخيم، حيث تبرز الكتابة وسيلة للبقاء والتعبير عن حُبّ الحياة. كذلك الحال مع رواية "ملابس تنجو بأعجوبة" ليسري الغول، التي تقدّم سرداً حيّاً عن الدمار والنزوح والتشرد. بالتوازي، أسّس الكاتب حسام معروف مشروع "منشورات غزة" ليكون منصة لحفظ السردية الفلسطينية، مستقطباً كتّاباً غزيين وعرباً، مع طباعة الكتب وتوزيعها إلكترونياً، مؤكداً أن الكتابة في أحد وجوهها الأساسية ترسيخٌ للوجود الإنساني بوجه الموت.

Related News

يوميات الإبادة... مئة كاتب وفنان غزّي
alaraby ALjadeed
9 minutes ago