الأنظمة والطوفان... من الانفصام إلى الانفجار
Arab
6 days ago
share
منذ اندلاع "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر (2023)، بدا واضحاً أن الفجوة بين الأنظمة العربية الرسمية والشعوب العربية اتسعت بشكل غير مسبوق. بينما تحاول الحكومات التعامل مع القضية الفلسطينية ملفّاً "مزعجاً" ينبغي إدارته ببرود و"واقعية" سياسية، اندفعت الشعوب إلى الساحات والشوارع والمنصّات الرقمية بأعداد هائلة، ما وسعتها القوانين والأنظمة النافذة في بلاد العرب، مؤكّدةً أن فلسطين ما زالت قضيتها المركزية، وأن خيار المقاومة يجد صدىً وجدانياً عميقاً لديها. ويطرح هذا التناقض تساؤلات جوهرية نحو: ما مستقبل النظام العربي الرسمي المناهض للمقاومة في وقت تصطفّ فيه الشعوب خلفها؟ ما الذي سيحصل لو تمكّن تحالف أميركا وإسرائيل وبعض النظم العربية والإسلامية من فرض ما سمّيت خطّة ترامب للاستسلام على المقاومة الفلسطينية في غزّة، ووقف العدوان بشروط استسلام غير مشروط على الشعب الفلسطيني؟... ستحاول هذه المقالة بعقل بارد الإجابة عن أسئلة كبرى مطروحة بقوة في دوائر صنع القرار في بلادنا والعالم، مع صعوبة الخوض في هذا المعمعان، نظراً إلى حساسيته وأثره الخطير في واقع بلادنا ومستقبلها. تعيش الأنظمة العربية الرسمية اليوم في مأزق الشرعية، خصوصاً تلك الموقّعة على اتفاقات سلام أو المنخرطة في مشاريع التطبيع، وتعيش حالة مأزق مركّب... خارجياً: ضغوط غربية – أميركية لإضعاف حركات المقاومة والتقارب مع الاحتلال، بل فرض خطّة استسلام شامل للمشيئة الصهيونية، وتوسيع اتفاقات أبراهام لتشمل دولاً عربية وإسلامية. وداخلياً: شعوب تنبض بدعم المقاومة وتعتبرها خطّ الدفاع الأول عن كرامة الأمّة. يضع هذا الانفصام الأنظمة أمام تحدٍّ وجوديٍّ: كيف توازن بين إملاءات الخارج ووجدان الداخل؟ فيما يتعلّق بالشعوب العربية، فلسطين هُويَّة ووجدان. من الرباط إلى بغداد، ومن القاهرة إلى صنعاء، أثبتت الشعوب العربية أن فلسطين ليست مجرّد "قضية سياسية"، بل هي جزء من الهُويَّة الجمعية والضمير الشعبي، فالمقاومة بالنسبة إلى الشعوب ليست خياراً عسكرياً فقط، بل رمز للعزة والكرامة في مواجهة منظومة استعمارية. حتى في الدول التي تمارس التضييق الشديد، يظهر المزاج الشعبي عبر الإعلام الجديد والوسائط الرقمية في حملة يومية لدعم غزّة ومقاومتها. ترى ما الاستراتيجيات التي اتبعتها الأنظمة الرسمية لمواجهة هذه الهوّة؟... اعتمدت بعض الأنظمة على القمع والرقابة، منع المظاهرات أو تقييدها، ثمّ الخطاب المزدوج: التصريح بدعم "حقوق الفلسطينيين" إعلامياً، مع الاستمرار في التنسيق الأمني أو التطبيع عملياً. إضافة إلى هذا، ثمّة ما يمكن أن نسمّيها المناورة الإنسانية عبر إرسال مساعدات أو لعب دور الوسيط لإخماد غضب الشارع. وبالطبع، لا تعالج هذه الاستراتيجيات جذر الأزمة، بل تؤجّل الانفجار فقط. فما هي السيناريوهات المستقبلية؟ قد يأتي يوم تصبح فيه فلسطين ليست مجرّد ملفّ خارجي، بل مفتاحاً لتغيير داخلي شامل في بنية الأنظمة العربية نفسها أولاً الاستمرار في النهج الحالي (قصير المدى)، إذ تواصل الأنظمة علاقاتها مع الغرب والاحتلال، وتكتفي بمواقفَ رمزيةٍ تجاه فلسطين. هذا السيناريو مرجّح في المدى القصير، لكنّه يفاقم الاحتقان الشعبي. وهناك ثانياً تزايد الضغط الشعبي (متوسّط المدى). إذا واصلت المقاومة تحقيق إنجازات ميدانية، ورفضت خطّة ترامب للاستسلام، ستزداد قوة الرأي العام العربي، ما يفرض على بعض الحكومات إعادة النظر في سياساتها لتخفيف الفجوة. وثالثاً، هناك تحوّلات جذرية (بعيدة المدى). ففي حال استمرار التناقض بين الأنظمة وشعوبها، ومع احتمالات تفاقم الأزمات الاقتصادية أو السياسية الداخلية، قد تصبح فلسطين شعاراً محورياً للتغيير السياسي داخل البلاد العربية. بمعنى آخر، ستتحوّل قضية فلسطين ملفّاً داخلياً مباشراً، وسيكون وقوداً لتحرّك شعبي لتصحيح مسارات السياسات الرسمية. عندها، قد نشهد بروز أنظمة أو حركات سياسية أكثر التصاقاً بخطّ المقاومة، وقد تعبّر عن ذاتها في صورة "انفجارات" شعبية غير منتظمة، قد توّلد حالةً من الفوضى. وهو سيناريو مخيف، وغير مستبعد، في حال استمرّ الضغط الرسمي على حرّية الرأي، واستمرّت سياسة ملاحقة الناشطين وكتم أنفاسهم، والتماهي مع سياسة ترامب القائمة على دعم الكيان بلا حدود، ومحاولة فرض خطّته، التي هي محاولة إعلان وفاة كاملة للمقاومة. هناك (رابعاً) العامل الدولي عنصراً حاسماً. لا يمكن هنا فصل مصير الأنظمة عن ميزان القوى الدولي، فهيمنة أميركا وفّرت غطاءً تاريخياً لهذه الأنظمة. لكن أيَّ تراجع لهذا النفوذ في مقابل صعود قوىً، مثل الصين وروسيا وإيران، قد يضعف قدرة الأنظمة على مواجهة شعوبها، ويمنح المقاومة وحلفاءها مساحةً أكبر للتحرّك، ناهيك عن احتمال تخلّي المهيمنين الدوليين عن حماية "حلفائهم"، إذا رأوا أن الكفّة تميل إلى جانب الشعوب. تتشكّل داخل النظام العربي الرسمي الواقف ضدّ المقاومة كتلةٌ وجدانيةٌ وسياسيةٌ ترى في المقاومة مستقبل الأمّة يسير النظام العربي الرسمي الذي يقف ضدّ المقاومة على حافّة هاوية الشرعية، فبينما يتمسّك بالحسابات الخارجية، تتشكّل داخل شعوبه كتلة وجدانية وسياسية ترى في المقاومة مستقبل الأمّة. لا يمكن أن يستمرّ هذا الانفصام إلى الأبد؛ إذ قد يأتي يوم تصبح فيه فلسطين ليست مجرّد ملفّ خارجي، بل مفتاحاً لتغيير داخلي شامل في بنية الأنظمة العربية نفسها، وهذا بالضبط ما يخشاه النظام العربي الرسمي ويسعى بشراسة إلى إبعاد شبحه المرعب. والسؤال الكبير هنا: هل هناك أيُّ بوادرَ لنيّة النظام العربي في تغيير "أقداره" بتصحيح مسار الحدث المتوقّع، واستباق الانفجار الكبير المنتظر بإجراءات وقائية؟... الجواب المرجّح سلبي طبعاً، ولكن الأمل أن تصل الرسالة إلى عقلاء هذه الأنظمة، إن وجدوا. في الجانب الآخر، المتعلّق بالعدو الصهيوني ومن وراءَه، هل هناك أيُّ خطط أو نيّات للتصرّف على نحو يزيل خطر الانفجار الكبير؟... حتى الآن، لا يبدو أن هذا الملفّ يشغل بالهم، فهم مشغولون بالقضاء على ظاهرة المقاومة أو بالأصحّ "جيناتها" العميقة لدى جنس العرب والمسلمين، من دون نظر لأيّ أثمان باهظة سيدفعونها، هم وشعوب العالم بأسره، الذين باتوا جزءاً من هذا الصراع الضخم، الذي أخذ اسماً رمزياً بالغ الدلالة وهو "تحرير فلسطين"، وفي كنهه الأبعد تحرير الشعوب عربية وأعجمية من هيمنة المستعمرّ الأبيض الجديد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows