
Arab
تتعرض إسرائيل لخسارة ما يقارب مليار دولار من العقود العسكرية الملغاة مع تصاعد الغضب العالمي من حرب غزة، ويخشى المسؤولون في الصناعة أن تمتد الإلغاءات إلى دول أخرى تسعى للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة، في حين يهدد التجميد الطويل الأمد لصفقات جديدة بمليارات الدولارات الصادرات على المدى البعيد. وتحذّر الصناعات العسكرية الإسرائيلية من أزمة متفاقمة بعدما ألغت إسبانيا صفقة تسليح أخرى مع شركة رافائيل للأنظمة الدفاعية المتقدمة، لترتفع القيمة الإجمالية للعقود المجمّدة مع الشركات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة إلى نحو 654 مليون دولار.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية الأسبوع الماضي أنها ألغت شراءً مخططًا له من رافائيل لعشرات من أنظمة التهديف "لايتينغ 5"، التي توجه القنابل الجوية من مسافة تصل إلى 100 كيلومتر. وبلغت قيمة الصفقة أكثر من 218 مليون دولار. وفي وقت سابق، ألغت إسبانيا طلبًا لصواريخ مضادة للدبابات من طراز Spike تصنعها رافائيل بقيمة نحو 272 مليون دولار. ولم يقف الأمر هنا، بل تم إلغاء صفقة أخرى بقيمة 763 مليون دولار مع شركة "إلبيت سيستمز" وشركتين إسبانيتين لتزويدها بأنظمة صواريخ Puls، حيث بلغت حصة "إلبيت" من الصفقة حوالي 152 مليون دولار. وفي وقت سابق من هذا العام، ألغت إسبانيا طلب ذخائر أصغر بقيمة عدة ملايين من الدولارات مع شركة فرعية لشركة إلبيت.
تشكل هذه الإلغاءات جبهة ضمن حملة أوسع يقودها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الذي اتخذ نبرة حادة بشكل غير اعتيادي تجاه إسرائيل خلال حرب غزة. ففي الأسابيع الأخيرة، فرضت إسبانيا حظرًا على السلاح، ومنعت السفن المرتبطة بإسرائيل من الرسو في موانئها، وعلّقت صادرات المواد الخام، ما أجبر الشركات الإسرائيلية على البحث عن بدائل.
خلال عطلة نهاية الأسبوع، نشرت إسبانيا وإيطاليا سفنًا بحرية لمرافقة أسطول "صمود" الذي غادر برشلونة في أواخر أغسطس/ آب بهدف معلن هو كسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة. ومن المفارقات أن السفينة الحربية الإسبانية المرسلة لمرافقة الأسطول مجهزة بأسلحة وأنظمة دفاعية من إنتاج رافائيل. وأعلنت الحكومتان هذه الخطوة بعدما قال منظمو الأسطول إن سفنهم تعرضت لهجمات بطائرات مسيّرة سببت أضرارًا لعدة سفن.
المسؤولون العسكريون الإسرائيليون لم يعلقوا علنًا على قرارات إسبانيا. لكن أحد كبار التنفيذيين في الصناعة قال لصحيفة "كلكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية: "بعد الحرب سيعودون إلينا زاحفين. هم بحاجة إلى أسلحتنا أكثر مما نحتاج إليهم. إنهم سوق صغير. ومع ذلك، علينا أن نبقى متيقظين تجاه الأسواق الأخرى".
وفي سياقٍ متصل، يشير التنفيذيون إلى أنه وسط سباق تسلح عالمي، يمكن تحويل الأنظمة الملغاة مثل صواريخ Spike بسرعة إلى مشترين آخرين. لكنهم يحذرون من أن التهديد الحقيقي يكمن في استمرار تجميد العقود الجديدة. صفقات بمليارات الدولارات عالقة منذ أشهر. ويقول مسؤولو المشتريات الأجانب إن التردد نابع من الرأي العام المعادي لإسرائيل، والخوف من اضطرابات داخلية، والرغبة في تجنب قرارات سياسية حساسة.
وصرح مسؤول تنفيذي آخر قائلاً إن "التفوق التكنولوجي لإسرائيل واضح، والعديد من الدول تريد أسلحتنا، لكنها تفضل الانتظار حتى تنتهي حرب غزة ويتحول الانتباه العالمي. الحروب تطول، والعملاء لا يمكنهم الانتظار إلى الأبد. إذا استمر الوضع الحالي سنشهد تراجعًا في الصادرات عام 2026 وضربة قوية عام 2027. إذا استقرت الأمور الآن، يمكننا الاستفادة من الطلب القوي وسمعة إسرائيل. لكن إذا لم يحدث ذلك، سنكون في وضع مختلف تمامًا".
رقم قياسي للصادرات العسكرية في 2024
بلغت صادرات إسرائيل العسكرية رقمًا قياسيًا بلغ 14.8 مليار دولار في عام 2024، نصفها في أوروبا. وحذرت وزارة الدفاع منذ شهور من أن العزلة الدولية المتزايدة يمكن أن تضر بالمبيعات المستقبلية، كما سعت إلى توسيع الصادرات باعتبارها وسيلة لتمويل بنية تحتية إنتاجية جديدة وأنظمة متقدمة للحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي. وبحسب مسؤول كبير في الصناعة، فإن أي شخص يعتقد أن الشركات الدفاعية الإسرائيلية يمكنها الاعتماد فقط على طلبيات وزارة الدفاع المحلية "لا يفهم الواقع".
وأضاف: "ربما الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيجلب بعض المنطق، وينهي هذه الحرب وينقذ شيئًا ما. وضعنا ليس جيدًا، على أقل تقدير. حتى أصدقاؤنا في العالم يشعرون بأنهم يغرقون معنا في الوحل. من يريد أن يكون صديقًا لدولة منبوذة؟ لا يمكن لإسرائيل أن تصبح إسبرطة".
وفي غضون ذلك، سافر وزير الاقتصاد نير بركات إلى ألمانيا خلال عطلة نهاية الأسبوع في ما وصفه برحلة "خاطفة لمدة 24 ساعة" وبصحبته رئيس جمعية الصناعيين رون تومر. التقى بركات وزير الاقتصاد الألماني للضغط على برلين لمنع اقتراح من الاتحاد الأوروبي لتعليق أجزاء من اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل. وإذا تم تنفيذه، فإن البضائع الإسرائيلية ستخضع لرسوم جمركية في دول الاتحاد الأوروبي.
وتُعتبر ألمانيا صوتًا مرجحًا في القرار الذي من المقرر أن تتخذه المفوضية الأوروبية. وقال تومر بعد الرحلة لصحيفة "كلكاليست" إن دعم ألمانيا ضد العقوبات الناشئة أمر حاسم. تلقينا رسالة مشجعة مفادها أنهم لن يدعموا القيود التجارية، لكن السياسة هناك معقدة. وقال تومر: "العلامة التجارية الإسرائيلية تضررت، لم نكن نتوقع أن نصل إلى هذا الوضع، لكنني متفائل، من هنا لا يمكن إلا أن نصعد".
وفي استطلاع حديث لجمعية الصناعيين شمل 132 مُصدّرًا، قال نصفهم إنهم واجهوا عقودًا ألغيت أو لم يتم تجديدها مع عملاء أجانب. وقال 70% إن الإلغاءات كانت سياسية، و84% منها في دول الاتحاد الأوروبي. كما أبلغ 38% عن صعوبات في الشحن، بينما أشار 29% إلى تأخيرات جمركية حول العالم.
وتفاقمت الأزمة أكثر الأسبوع الماضي عندما أكدت شركة مايكروسوفت أنها منعت الوحدة 8200، وهي فرقة الاستخبارات العسكرية، من استخدام بعض خدماتها السحابية. جاء ذلك بعد تحقيق مشترك لصحيفة "الغارديان" والموقع الإسرائيلي - الفلسطيني "+972" كشف أن الوحدة استخدمت خوادم أزور لتخزين مكالمات هاتفية تم اعتراضها للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وقال براد سميث، رئيس مايكروسوفت، إن القرار كان يهدف لضمان عدم استخدام تكنولوجيا الشركة في مراقبة جماعية للمدنيين. وكان الموظفون قد نظموا احتجاجات بشأن علاقات الشركة مع إسرائيل، بما في ذلك احتلال مكتب سميث. ووفقًا لتقرير "الغارديان"، خزنت وحدة 8200 حوالي 8000 تيرابايت من البيانات المعترضة، بما في ذلك ملايين المكالمات الهاتفية، واستخدمت قدرة أزور الحاسوبية لتحليل المواد. وقالت مايكروسوفت إنها راجعت الأمر مع وزارة الدفاع الإسرائيلية قبل تعليق الوصول إلى تخزين السحابة وأدوات الذكاء الاصطناعي وخدمات أخرى. بينما أكد مسؤول أمني إسرائيلي أن القرار لم يضر بقدرات الجيش التشغيلية.
لذلك، تواجه الصناعات العسكرية الإسرائيلية اختبارًا غير مسبوق مع تزايد إلغاء العقود وتجميد الصفقات بفعل الضغوط السياسية والرفض الشعبي الدولي للحرب على غزة. ورغم محاولات تل أبيب الالتفاف على الأزمة عبر البحث عن أسواق بديلة أو الاعتماد على دعم بعض الحلفاء، فإن المؤشرات تؤكد أن سمعة "العلامة التجارية الإسرائيلية" تضررت بشدة. وإذا لم يتغير المسار السياسي والأمني قريبًا، فقد تتحول هذه الإلغاءات من أزمة عابرة إلى تراجع استراتيجي طويل الأمد يهدد مكانة إسرائيل في سوق السلاح العالمي.

Related News

يوميات الإبادة... مئة كاتب وفنان غزّي
alaraby ALjadeed
4 minutes ago