
Arab
على عكس البيروقراطية السياسية المقيّدة بحسابات المصالح، يميل المشهد الفني الغربي إلى تحقيق أثر أسرع في رفع الوعي. أحدث الأمثلة على ذلك الحفل الخيري الذي نظّمه الموسيقي والمنتج الإنكليزي، براين إينو، في 17 سبتمبر/ أيلول الحالي في ملعب ويمبلي في لندن، تحت عنوان "معاً من أجل فلسطين".
قبل انطلاق الأمسية التي حضرها 12.500 شخص، وبمشاركة منظمة تشوز لاف البريطانية غير الحكومية (الداعمة لمبادرات إنسانية في مناطق النزاع)، وصف إينو الحدث بأنه "ليلة من الموسيقى والتأمل والأمل". التبرعات المجمّعة بلغت 1.5 مليون جنيه إسترليني، خُصصت لدعم المنظمة، إلى جانب المساعدات التي تقدّمها "العفو الدولية" و"أطباء بلا حدود".
"أكبر أسفي هو صمتنا الجماعي تجاه فلسطين"، قال مؤسس فرقة روكسي ميوزيك السابق قبل صعوده إلى المسرح، مؤكداً أن هذا الصمت غالباً ما ينبع من الخوف من خسارة فرص أو إغلاق أبواب. لكنّه أضاف أن المشهد يتغير، بفعل فنانين وناشطين "وحقائق باتت مستحيلة على التجاهل". شارك في تقديم الأمسية خالد زيادة (مدير مهرجان لندن السينمائي الفلسطيني) وتريسي سيوارد (مخرجة حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012).
صوت فني في مواجهة الاحتلال
لم تكن هذه المرة الأولى التي يوظّف فيها إينو شهرته دفاعاً عن غزة. ففي مايو/ أيار 2024 شارك في فعالية "أصوات من أجل غزة" في لندن إلى جانب نادين شاه وماكسين بيك، بمشاركة فرق مثل R.E.M وBastille. بعد أيام، كتب رسالة مفتوحة إلى "مايكروسوفت" طالبها بقطع علاقاتها مع إسرائيل، معلناً تخصيص أتعابه عن موسيقى تشغيل "ويندوز 95" لدعم فلسطين. "الفنانون ساعدونا على إدراك أن الفلسطينيين بشر لهم حقوق في الاحترام والحماية"، كتب إينو في مقال لاحق في "ذا غارديان".
مواقفه تستند إلى سياق أوسع. فمنذ 77 عاماً، تفرض إسرائيل سياسة فصل عنصري ضد الفلسطينيين. وقد أكدت محكمة العدل الدولية أن تقييد الحركة وهدم المنازل يمثلان أفعالاً تمييزية ممنهجة، في خرق واضح للقانون الدولي واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
من مانديلا إلى فلسطين
استلهم إينو فكرته من احتفال ويمبلي عام 1988 في عيد ميلاد نيلسون مانديلا الـ70، الذي شارك فيه: ستيفي وندر، وتريسي تشابمان، وإريك كلابتون، وويتني هيوستن، وجورج مايكل، وستينغ، وبيتر غابرييل. آنذاك، ترددت "بي بي سي" في بث الحفل مباشرة، لكنه شكّل حدثاً ثقافياً فارقاً. إينو، مؤسس موسيقى الأمبينت، وصف مبادرته الجديدة بأنها محاولة لإعادة توظيف السياسة عبر الثقافة، لافتاً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم "الكلمات والصور، إلى جانب القنابل"، سلاحاً.
تنوّعت أسماء الحفل: بينيديكت كامبرباتش، وفلورانس بو، وغاي بيرس في التقديم، فيما شارك كيليان مورفي، وخافيير بارديم، وبينيلوبي كروز في الفقرات الفنية. على المسرح، برزت أني لينوكس حين غيّرت كلمات أغنيتها الشهيرة "لماذا؟" إلى "لماذا؟ – لدعم غزة". كما قدّم دامون ألبارن مع "غوريلز" والفنان السوري عمر سليمان عرضاً صاخباً رفع خلاله العلم الفلسطيني، في محاكاة لصورة الجنود الأميركيين في معركة إيو جيما.
انضم لاحقاً براين إينو إلى ألبارن وبول ويلر وعدنان جبران ونادين شاه في تقديم مقطوعة جديدة، بينما عادت فرقة بورتِشيد للواجهة عبر شاشة عرض، بأداء مؤثر لأغنيتها "رود".
حروب ومقارنات
قارن كثيرون بين زخم التضامن مع غزة وبين الحملة الموسيقية الواسعة لدعم أوكرانيا في العامين الماضيين، والتي شارك فيها بونو وإلتون جون وليدي غاغا وغيرهم. لكن الفارق – كما يشرح الطبيب الفرنسي-الإسرائيلي روني براومان – هو أن "عدد الضحايا في غزة أكبر بعشرين مرة"، وأن الحاجة الإنسانية فيها أوسع بكثير.
توسعت الحرب فوصلت إلى شركات الموسيقى الرقمية. في يونيو/حزيران الماضي، كشفت "فايننشال تايمز" عن استثمار دانييل إيك، مؤسس "سبوتيفاي"، 700 مليون دولار في شركة هلسينغ المتخصصة في برمجيات الطائرات المقاتلة. ورغم نفي الشركة صلتها بغزة، أثار الخبر موجة احتجاجات دفعت عدداً من الفرق، منها "ديير هوف" و"غودسبيد يو! بلاك إمبراور"، إلى سحب أعمالها من المنصة.
أكثر من 400 موسيقي ودار تسجيل طالبوا مؤخراً بعدم بث أعمالهم في إسرائيل تحت شعار "لا موسيقى للإبادة الجماعية". فرقة "ماسيف اتاك" وصفت على "إنستغرام" سياسة "سبوتيفاي" بأنها "عبء أخلاقي"، مذكّرة بتجربة جنوب أفريقيا إبان الفصل العنصري.
تأثر المشهد الموسيقي الأوروبي أيضاً. ففي إسبانيا، انسحب عشرات الفنانين من مهرجانات مرتبطة بصندوق استثماري داعم لإسرائيل، أبرزها "سونار" في برشلونة و"بينكاسم" في فالنسيا. على الضفة الأخرى، نجوم عالميون عبّروا عن مواقفهم الفردية: دوا ليبا أقالت مدير أعمالها بسبب موقفه المعادي للمؤيدين لفلسطين، بيلي إيليش كتبت: "لو حضرتم جنازة كل طفل في غزة، لكانت يومية لعقود"، فيما واصل روجر ووترز هجومه على القادة الداعمين للحرب.
وصلت الموجة إلى أميركا اللاتينية أيضاً: فنانون برازيليون بارزون دعوا حكومتهم لقطع العلاقات مع إسرائيل، وفي الأرجنتين رفعت فرق موسيقية أعلام فلسطين في حفلاتها. حتى مسابقة "يوروفيجن" تحولت إلى ساحة صراع، بعد تهديد دول أوروبية بمقاطعة النسخة المقبلة إذا استضافتها إسرائيل.

Related News

يوميات الإبادة... مئة كاتب وفنان غزّي
alaraby ALjadeed
21 seconds ago