
Arab
يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان البيت الأبيض، اليوم الخميس، في أول لقاء يجمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ ست سنوات، حاملاً معه قائمة مشتريات ضخمة تقدر قيمتها بنحو 50 مليار دولار، تشمل صفقات عسكرية وتجارية وطاقوية، في خطوة تهدف إلى إعادة ضبط العلاقات المتوترة بين أنقرة وواشنطن، الحليفين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بحسب وكالة بلومبيرغ.
تشمل المباحثات المرتقبة صفقات لشراء مقاتلات من لوكهيد مارتن، وقرابة 250 طائرة مدنية من بوينغ، إلى جانب اتفاقات طويلة الأجل لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة عبر شركات منها Mercuria Energy وWoodside Energy. ومن المنتظر أن تسهم هذه الاتفاقيات في تعزيز التعاون الدفاعي والطاقة بين البلدين ورفع حجم التجارة الثنائية المستهدف إلى 100 مليار دولار سنوياً.
تأتي الزيارة بعد سنوات من التوترات التي طغت على العلاقات، بدءاً من شراء أنقرة منظومة الدفاع الروسية S-400 وما تبعه من عقوبات أميركية بموجب قانون CAATSA، وصولاً إلى الخلافات الجمركية والملفات الإقليمية. رغم ذلك، لا تزال تركيا ترى في الدعم الأميركي ركناً أساسياً لتعزيز موقعها الاقتصادي والإقليمي، فيما يعتبر ترامب أن الاتفاقات التجارية والدفاعية مع أنقرة تمثل رصيداً إضافياً في أجندته الاقتصادية.
إعلان الزيارة انعكس إيجاباً على الأصول التركية، حيث ارتفعت السندات الحكومية والأسهم خلال الأيام الماضية، ويرى محللون أن أردوغان يسعى إلى استغلال فترة ترامب لتعزيز الشراكة الاقتصادية والدفاعية مع الولايات المتحدة، بما يدعم الاقتصاد التركي الذي يعاني تضخماً تجاوز 30% وحاجة ملحّة لإعادة بناء الاحتياطيات من النقد الأجنبي.
من الناحية الجيوسياسية، تحمل الزيارة رسائل مزدوجة؛ فهي محاولة لطمأنة الغرب بشأن التزام أنقرة بتحالفاتها الأطلسية، في الوقت الذي تُبقي فيه تركيا على خطوط اتصال مفتوحة مع موسكو بشأن قضايا عدة منها أوكرانيا. ويؤكد مراقبون أن نجاح أردوغان في إبرام هذه الصفقات قد يُعيد التوازن للعلاقات التركية – الأميركية، لكنه لن يُلغي هشاشة التوازنات بين أنقرة وروسيا، ولا التوترات المتصاعدة بشأن ملفات إقليمية مثل غزة وسورية.
قطع الزعيمان شوطاً طويلاً منذ اجتماعهما المتوتر في البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. فبعدما تعهّد ترامب في وقت سابق من ذلك العام بسحب القوات الأميركية من سورية، شنّت تركيا عملية عسكرية ضد القوات الكردية المدعومة أميركياً، ما دفع واشنطن إلى فرض عقوبات على عدد من الوزراء الأتراك. وقد تجنب التحالف الانهيار بصعوبة عندما توسط نائب الرئيس آنذاك مايك بنس لوقف إطلاق النار، مما سمح للقوات المدعومة أميركياً بالابتعاد عن خط النار التركي.
وبعد ست سنوات، شملت فترة رئاسة ديمقراطية كاملة لم تكن خلالها تركيا أولوية لواشنطن، يقف كل من أردوغان وترامب على أعتاب الاستفادة من ترقية العلاقات. فتركيا حريصة على تلبية بعض احتياجاتها العسكرية والطاقوية من الولايات المتحدة، مما يمنح ترامب نصراً سهلاً في مجال الصفقات التجارية. بالنسبة لأنقرة، فإن المكاسب واضحة بالقدر نفسه، حيث يريد أردوغان تأكيد التزامه بمكانة تركيا في التحالف الغربي بعد إعادة انتخابه قبل عامين. وقد طمأن بالفعل المستثمرين الدوليين من خلال التخلي عن سياساته الاقتصادية غير التقليدية وتعيين خبير الاستراتيجيات السابق في "ميريل لينش"، محمد شيمشك، وزيراً للمالية.
بدوره، قال مدير "يوراسيا غروب أوروبا" في لندن إمري بيكر لوكالة بلومبيرغ: "يريد أردوغان الاستفادة من رئاسة ترامب لإعادة تشكيل وتحسين العلاقات التركية–الأميركية، مع التركيز على تعزيز الروابط الدفاعية. إن صفقات الطاقة والدفاع التي يسعى إليها أردوغان هي ركائز أساسية لعلاقة تبادلية مفيدة للطرفين، وتتماشى أيضاً مع غرائز ترامب في عقد الصفقات".
أما المحلل في مركز الأبحاث التركي TEPAV نيهات علي أوزجان، فقد صرح للوكالة نفسها بأن أردوغان، الذي يعطي الأولوية للبقاء رئيساً، يسعى لتجنب أي مشاكل مع الولايات المتحدة أو ترامب قد تعرقل مسيرته السياسية حتى الانتخابات في 2028 أو قبلها. كما أن الخلافات في السياسات الإقليمية، بما في ذلك انتقادات أردوغان العلنية لإسرائيل، تشكل تهديداً لمحاولة إعادة ضبط العلاقات، وقد "لا تسمح له بتحقيق استقرار طويل الأمد في العلاقات التركية–الأميركية عبر التنازلات الاقتصادية"، بحسب أوزجان.
الحصة الأكبر في قطاع الطيران
أكبر حصة من الصفقات المحتملة، اليوم الخميس، قد تكون في قطاع الطيران، فقد تشهد شركتا بوينغ ولوكهيد مارتن طلبيات تصل إلى 250 طائرة تجارية بالإضافة إلى مقاتلات إضافية من طراز F-16، وفقاً للمسؤولين الأتراك. وقال ترامب الأسبوع الماضي إن هناك فرصة لحل الجمود طويل الأمد بشأن طائرات الشبح F-35، لأن تركيا كانت شريكاً أصلياً في تطوير الطائرة الأكثر تقدماً لدى لوكهيد، لكنها طُردت من البرنامج بعد شرائها نظام الدفاع الجوي الروسي S-400.
وقد أدى ذلك إلى فرض عقوبات من الكونغرس، عُرفت باسم CAATSA، استهدفت صناعة الدفاع التركية وما زالت سارية. في المقابل، رفضت أنقرة التخلي عن منظومة S-400 كما تطالب واشنطن، لكنها تأمل أن يفتح التوصل إلى تسوية بشأن نشرها الباب أمام شراء 40 طائرة F-35، بحسب المسؤولين الأتراك.
وفي السياق نفسه، أعلنت تركيا، يوم الأربعاء، عن اتفاقيات طويلة الأمد مع شركتي Mercuria Energy Group Ltd و Woodside Energy Group Ltd لشراء نحو 76 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال، معظمها من مصانع في الولايات المتحدة. وشحنات الغاز وصفقات الدفاع ستعزز التجارة الثنائية، التي قال البلدان إنهما يريدان مضاعفتها ثلاث مرات لتصل إلى نحو 100 مليار دولار سنوياً. وكانت الصادرات متوازنة تقريباً في كلا الاتجاهين، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ما جعل تركيا تواجه تعرفة جمركية أميركية لا تتجاوز 15% على بضائعها — من بين أدنى المعدلات التي فرضها ترامب على شركائه في أغسطس/آب.
من جانب آخر، قال أمود شوكري، كبير مستشاري السياسة الخارجية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: "تشير تركيا إلى تحوّل استراتيجي نحو إعادة بناء الثقة، خاصة بعد التوترات بشأن العلاقات الدفاعية مع روسيا والمواقف السياسية الخارجية المتباينة". لكن الموازنة الدقيقة بين روسيا والغرب عامل خطر يخلق حالة من عدم اليقين، على حد قوله.
ومسار العلاقة المقبلة ستكون له انعكاسات تتجاوز حدود تركيا، خاصة في سورية؛ فتركيا تعتمد على المساعدة الأميركية لتدبير اتفاق بين المقاتلين الأكراد في سورية والقوات الموالية لحكومة الرئيس أحمد الشرع الجديدة في دمشق. وتنظر أنقرة إلى الجماعات الكردية في سورية باعتبارها امتداداً لحزب العمال الكردستاني (PKK)، المنظمة المتمردة التي خاضت ضدها حرباً لأكثر من أربعة عقود.
ويُصنف الحزب منظمة إرهابية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد وافق أخيراً على إلقاء السلاح. لكن المسؤولين الأتراك يخشون أن يتسلل بعض مقاتلي الحزب إلى سورية ويواصلوا التهديد من هناك باستخدام أسلحة أميركية كانت مخصصة في الأصل لمحاربة تنظيم "داعش".

Related News

يوميات الإبادة... مئة كاتب وفنان غزّي
alaraby ALjadeed
2 minutes ago