
Arab
يكشف إنفاق السعوديين نحو 13 مليار ريال خلال أسبوع واحد، مع تخصيص ربع هذا المبلغ للطعام والشراب، عن سلوك استهلاكي مدعوم بارتفاع ثقة المستهلك وتحوّل ثقافي واقتصادي عميق تشهده المملكة، في ظل برامج التحول الوطني ورؤية 2030، ما سلط الضوء على عوامل هذا التحول وكيفية إدارة المواطن السعودي ميزانيته الشخصية بشكل أفضل.
وبلغ إجمالي إنفاق السعوديين خلال إسبوع واحد (من 17 إلى 23 أغسطس/ آب 2025) 13.407 مليار ريال (الدولار = 3.75 ريالات)، واستأثر قطاع الأطعمة والمشروبات بنحو 1.78 مليار ريال، تلاه المطاعم والمقاهي بـ1.55 مليار ريال، ثم المخبوزات والحلويات بـ194 مليون ريال، ليصل إجمالي الإنفاق على الطعام والشراب إلى 3.52 مليارات ريال، أي ما يعادل 26% من إجمالي الإنفاق الأسبوعي، وفقاً لما أوردته بيانات البنك المركزي السعودي.
وعلى مستوى المؤشر السنوي، بلغ إجمالي إنفاق المستهلكين في
عام 2023 نحو 1.43 تريليون ريال (حوالي 381 مليار دولار)، وشكلت الأطعمة والمشروبات أعلى نسبة من هذا الإنفاق، بنسبة 16%، ما يؤكد مركزية هذا القطاع في ديناميكية الاستهلاك المحلي، بحسب تقرير نشرته منصة "سعودي ماركت ريسيرش كونسلتنغ" المتخصصة في أبحاث السوق والاستشارات الاستراتيجية في السعودية.
ويكشف توزيع هذا الإنفاق أن الغذاء والمشروبات ما يزالان يمثلان أولوية لدى الأسر السعودية، بخاصة في ظل صعود الطلب على المنتجات ذات الجودة العالية والغذاء العضوي والمستدام، بحسب التقرير ذاته، بالإضافة إلى أن هذه الظاهرة تتعزّز مع توسع المتاجر ونمو التجارة الإلكترونية، واندماج التسوق الرقمي في حياة السعوديين، لا سيما بين الشباب، إذ أصبح الإنفاق على السلع الاستهلاكية والأغذية تجربة تعتمد على الراحة والتنوع وقيمة المنتج.
غير أنّ هذا الإنفاق المرتفع لا يرتبط بالرفاهية وحدها، بل يعكس أيضاً ضغوطاً مالية جديدة على المواطن السعودي، فرغم صمود إنفاق الأسر أمام موجات التضخم، يشير استطلاع رأي أجرته شركة "أليكس بارتنرز" إلى أن 31% من الأسر السعودية شهدت تراجعاً في دخلها خلال عام 2024، مع ضبط النفقات عبر مقارنة الأسعار والدفع باتجاه العروض التوفيرية والبحث عن القيمة الحقيقية للسلع والخدمات.
وفي المقابل، باتت شريحة الشباب، على وجه الخصوص، توجه جزءاً متزايداً من دخلها إلى تجارب الطعام الجاهز والترفيه، ما يكشف عن تحول ثقافي نحو نمط حياة أكثر حضرية وحداثة وانجذاباً للتجربة اليومية والاستهلاك السريع، بحسب تقدير نشره موقع "استشارات الشرق الأوسط".
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، علي سعيد العامري، لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ سلوك المستهلك السعودي يظهر حيوية متزايدة ونمواً مستمرّاً في الإنفاق، خاصة على الطعام والشراب، ما يعكس تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة تشهدها المملكة، لافتاً إلى أن تحليل هذا الإنفاق يتطلب فهماً لأبعاده الكمية والهيكلية.
ويرى العامري أنّ الدلالة الأولى لهذا التوجه تتمثل في تحول أنماط الحياة والاستهلاك، إذ مع زيادة متوسط الدخل الشهري للأسر السعودية بنسبة 22% بين 2018 و2023، يتجه المستهلكون نحو تناول الطعام خارج المنزل، وزيادة الاعتماد على خدمات التوصيل، ما يفسر النمو الملحوظ في قطاع المطاعم والمقاهي.
كما أنّ التأثير الثقافي الغربي، عبر دخول سلاسل عالمية، مثل شيبرياني ومصنع تشيز كيك، إلى أسواق الرياض وجدة، عزز ثقافة الاستهلاك الخارجي كجزء من الهوية اليومية، بحسب العامري، مشيراً إلى الاهتمام المتزايد بالصحة والرفاهية في المملكة مع انتشار الخيارات العضوية والنباتية، ما يعكس تحوّلاً نوعياً في تفضيلات المستهلك لا يقتصر على الكمية بل على الجودة أيضاً.
وتتعلق الدلالة الثانية لنمو إنفاق السعوديين، حسبما يرى العامري، بارتفاع تكاليف المعيشة. أما الدلالة الثالثة، فترتبط بالعوامل الاقتصادية الكلية وفق رؤية 2030، حسبما يرى العامري، موضحاً أن تنويع الاقتصاد، بنمو القطاعات غير النفطية، يسهم في رفع الدخل وتوفير فرص عمل، ما ينعكس مباشرة على زيادة الإنفاق الاستهلاكي، كما أن الاستثمار في البنية التحتية والسياحة والترفيه يخلق بيئات استهلاكية جديدة، تدفع المستهلكين لإنفاق أكثر على الطعام والشراب كجزء من تجربة الحياة اليومية.
وفيما يتعلق بإدارة الميزانية الشخصية، في ضوء زيادة معدلات الإنفاق، ينصح العامري المواطنين السعوديين بالمبادئ الأساسية العالمية، وهي: تدوين أوجه الإنفاق، وتقدير الدخل والمصروفات، ووضع خطط مالية واضحة، والتوازن بين الإنفاق والادخار.
وبعد تحقيق السيطرة على الإنفاق، يصبح التخطيط للادخار والاستثمار ضرورة، من خلال تحديد أهداف واضحة، كشراء منزل أو تمويل تعليم أو تكوين صندوق طوارئ، والاستفادة من الأدوات المالية الإسلامية المتوافقة مع الشريعة، إلى جانب البرامج التعليمية التي تعزّز الوعي المالي، بحسب العامري، الذي يتوقع استمرار نمو سوق الخدمات الغذائية في السعودية من 34.45 مليار دولار عام 2025 إلى 61.77 مليار دولار بحلول 2032، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 8.7%، مدفوعاً باستمرار تأثير رؤية 2030 وتحسين جودة الحياة.

Related News

يوميات الإبادة... مئة كاتب وفنان غزّي
alaraby ALjadeed
9 minutes ago