الإعلانات والترويج للاستهلاك الأيديولوجي
عربي
منذ 17 ساعة
مشاركة

لعلّ معظمنا شاهد تلك الإعلانات التي تعكس المنافسة بين عملاقي المشروبات الغازيّة، بيبسي وكوكا كولا. حينها، كان الهدف من الإعلان، وكأي إعلان، هو الحضّ على استهلاك منتج عوضاً عن آخر، وخلق الرغبة في الشراء. لا يعني ذلك أن الإعلان خال من الأيديولوجيا، بل كان يراهن على الرغبات والسوق، وحاجات المستهلكين في سبيل الربح. ولعلّ مسلسل "ماد مِن" بين 2007 و2015، يعكس تطور هذه الصناعة وأساليبها.

اليوم، اختلف الوضع كلياً، لم يعد الإعلان يروج نمط حياة في سبيل الاستهلاك، بل تحول إلى محطّ صراع أيديولوجي وسياسي، وكثير من الإعلانات تحولت إلى "بيانات" سياسية أو محط التفنيد السياسي. آخر هذه "الصراعات" الجدل حول إعلان "أميركان إيغل" الذي تلعب "بطولته" الممثلة الأميركية سيدني سويني، الذي يراهن على التشابه اللفظي بين كلمتي "جينز" و"جينات" بالإنكليزية، واتُّهم بعد عرضه بأنه يروّج "التفوق الأبيض".

هذا الاختلاف في قراءة الإعلان ليس أمراً جديداً، وأحياناً نجد أنفسنا نتساءل: كيف يمكن لشركة فيها آلاف الموظفين أن يخرج منها إعلان يصل إلى حد استخدام الأطفال في سياقات ذات إيحاءات جنسية، كما حصل مع إعلان علامة بالانسياغا للأزياء، التي اضطرت إلى سحب الإعلان وتقديم اعتذار بعدها؛ فأثر الصدمة المطلوب، انعكس سلباً على العلامة التجارية، وفتح بوابات نظريات المؤامرة التي ما زالت مستمرة حتى الآن.

تحول الإعلان، إذن، إلى مساحة ليست للصدمة والجذب وحسب، بل أيضاً للتأكيد الأيديولوجي على فكرة ما، كما حصل مع الإعلان الذي بثه كانيه ويست في أثناء بطولة كرة القدم الأميركيّة: إعلان ذو ميزانية شبه معدومة، يدعو فيه المشاهدين إلى الذهاب إلى موقعه الإلكتروني لشراء المنتجات. وهناك تبين أنه يبيع قمصاناً تحوي شعار النازيّة. واجه الإعلان وكانيه انتقادات كثيرة، وأغلق موقعه، لكن هذه الحادثة تكشف لنا أن من يمتلك المال لن يستعصي عليه "بيع" أي منتج أو فكرة، ولو في أهم الأحداث والمناسبات العالميّة.

ربما رأينا الجدل الأشد عن العلاقة بين الأيديولوجيا والإعلانات في الإعلان الذي بثته بيبسي وظهرت فيه العارضة الأميركية كيندال جينر، ما أثار الحنق حينها، لأنه صوّر في أثناء احتجاجات "حياة السود مهمة" في الولايات المتحدة الأميركية، واستفاد من الحشود الغاضبة التي تواجه الشرطة للترويج لمشروب غازي. هنا بالذات، تحولت مساحة الصراع السياسي إلى "خشبة" للترويج لمنتج استهلاكي، من دون أي اعتبار للصراع القائم على الأرض.

كل الأمثلة السابقة تعكس دور الإعلانات الأيديولوجي، أي تكريس أفكار ونفي أخرى أو السخرية منها. بصورة ما، لم يعد الإعلان بريئاً، بل فجّاً في بعض الأحيان إلى حد إثارة الحنق والغضب، ولو كان محمّلاً بالجماليات البصرية والسردية. وهذه المشكلة التي واجهتها شركة نايكي في أحد الإعلانات، الذي أثار انتقادات لأنه لا يستخدم في وصف الرياضيين سوى كلمات "سلبيّة"، كالهوس بالقوة والقدرة على الخداع. لم يحمل الإعلان رسالة إيجابية، بل ركز على نموذج لا يفترض أن يمثله الرياضي المعروف بأخلاقه العالية واحترامه للمنافسين.

يتمدد الإعلان ليطغى على عناصر الحياة كافة، حتى إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحول إلى ما يشبه رجل إعلانات، ليس بأسلوبه في الترويج للقرارات التي سيتخذها وحسب، بل أيضاً باستخدامه الفعلي لمنتجات استهلاكية ضمن نشاطه الرئاسي، في حين مع تصاعد حساسيات اليسار والصحوة السياسية والمواجهة المباشرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحول "الإعلان" إلى مساحة تصفية حسابات، ويتحمل تأويلات تتجاوز أحياناً نطاق العلامات المستخدمة فيه، واشتد الاستقطاب لدرجة تحول فيها إعلان شركة جينز إلى صراع بين النازية والتفوق الأبيض من جهة، ضد الحق بحرية التعبير وحجج العنصرية تجاه البيض. لكن بالنهاية، كسبت شركة أمريكان إيغل التي أنتجت الإعلان 200 مليون دولار خلال أسبوع.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية