
قبل يوم واحد كان أطفال غزة وأهاليها يموتون جوعاً، جراء سياسة التجويع والحصار التي تفرضها دولة الاحتلال على القطاع منذ شهور طويلة، وطوال أسابيع تجاهلت الحكومة العنصرية في تل أبيب صرخات أصحاب البطون الجائعة، ومناشدات الأمم المتحدة والعالم الحر الذي حذر من سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل ضد أهالي غزة.
لم يسمع الاحتلال والدول الداعمة له في حرب الإبادة صوت سيدة فلسطينية وهي تصرخ جراء المجاعة التي تفتك بأطفالها وأهالي القطاع: "ما أكلت لا أنا ولا أولادي منذ أيام"، ولم يسمع أصوات أهالي عشرات الأطفال والعجائز الذين استشهدوا بسبب الجوع واختفاء حليب الأطفال والأدوية.
وقبلها أيضاً كان جيش الاحتلال يتلف حمولة ألف شاحنة من المواد الغذائية والطبية كانت مخصصةً مساعداتٍ إنسانيةً لأهالي غزة، ويسبّب فساد عشرات الآلاف من مواد الإغاثة التي كانت تشمل كميات ضخمة من الغذاء، وسط حالة غير مسبوقة من المجاعة في القطاع المحاصر وفق هيئة البث الإسرائيلية.
وطوال شهور كان المسؤولون عن إدارة معبر رفح من الجانب المصري يرفضون بشدة فتح المعبر أمام شاحنات المساعدات، لأن هذا يعني الدخول في حرب مباشرة ضد إسرائيل والولايات المتحدة وفق مزاعمهم، أو أن المعبر غير جاهز، وأحيانا الزعم بأن معبر رفح لم يغلق مطلقا من الجانب المصري، وأن جانبه الفلسطيني تحت سيطرة القوات الإسرائيلية وتغلقه من هناك.
لكن اليوم الأحد وبشكل مفاجئ يفتح الاحتلال المعابر المغلقة، ويسمح بدخول المساعدات لغزة بعد يوم واحد من إعلان إتلاف أكثر من ألف شحنة مساعدات غذاء ودواء، وفجأة يتم إعلان تدفق المساعدات الإنسانية والغذائية من مصر والأردن والإمارات وغيرها إلى قطاع غزة بعد حصار دام شهوراً، ويسارع الإعلام العربي والعالمي إلى الاحتفاء بالحدث الإنساني المهم، ويتم فتح المعابر مع دولة الاحتلال وفي مقدمتها رفح وكرم أبو سالم.
ويعلن الهلال الأحمر المصري إطلاق قافلة "زاد العزة من مصر إلى غزة" متضمنة أكثر من 100 شاحنة مساعدات تحمل ما يزيد عن 1200 طن من المواد الغذائية. كما يعلن الأردن تسيير قافلة إغاثة جديدة مكوّنة من 60 شاحنة محمّلة بالمساعدات الغذائية إلى غزة.
وتسابقت الفضائيات في متابعة حركة شاحنات المساعدات أثناء دخولها إلى معبر كرم أبوسالم جنوب شرقي غزة تمهيداً لإيصالها إلى الفلسطينيين في القطاع، بعد خضوعها للتفتيش من قوات الاحتلال على المعبر.
لا يتوقف الأمر عند فتح المعابر، بل وجدنا أن طائرات أردنية وإماراتية تلقي بعشرات الأطنان من المساعدات الإنسانية فوق غزة، لتدخل في سباق مع جيش الاحتلال الذي أعلن أنه أسقط مساعدات جواً داخل القطاع المحاصر، وأن عملية الإسقاط شملت سبعة طرود مساعدات تحتوي دقيقاً وسكراً وأطعمة معلبة، والملفت أن ذلك حدث في وقت واصلت فيه تلك القوات ارتكاب مجازر بحق المجوّعين الباحثين عن الطعام.
لم يتم الاكتفاء بتلك التطورات السريعة والإيجابية، بل كشفت القناة الـ12 العبرية اليوم وبشكل مفاجئ أن الإمارات بدأت ببناء خط أنابيب جديد لنقل المياه من مصر إلى غزة، وأن الخط سيخدم نحو 600 ألف نسمة، وأن حكومة تل أبيب وافقت على خط الأنابيب، بل إن جيش الاحتلال قال في بيان إن ممثلين من الإمارات بدأوا بإدخال المعدات اللازمة للمشروع إلى مصر تحت إشراف دقيق، وبعد فحوصات أمنية مشددة، عبر معبر كرم أبو سالم.
في ظل هذا التعاطي المفاجئ من قبل الاحتلال وداعميه مع أزمة التجويع، وتلك التطورات المتسارعة نعود ونسأل: لماذا تم إغلاق المعابر في وجه المساعدات المقدمة لأهالي غزة، وأين المشكلة إذاً، حيث تم إغلاق معبر رفح بحجج واهية، وهل فجأة حنّ جيش الاحتلال الذي يزعم أنه "الأكثر أخلاقية" في العالم على أطفال غزة الجوعى؟
بقيت نقطة أخيرة، وهي أن المساعدات الحالية لغزة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولن تعالج جريمة التجويع، فالقطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يومياً، والحل الجذري يكمن في وقف الحرب وفتح المعابر وكسر الحصار فوراً، أما ما عدا ذلك فهو مجرد ذر الرماد في العيون وحلول مؤقتة ومحاولة لكسب الوقت وتخفيف ضغوط العالم الحر على دولة الاحتلال والداعمين لها.
