
تواجه صناعة السيارات الأوروبية أحد أكبر التحديات منذ أكثر من عقد، مع تراجع حاد في المبيعات، وفتور في الطلب، وتزايد المنافسة من السيارات الصينية الكهربائية، وتذبذب السياسات الحكومية بين الدعم والتقشف. وأظهرت بيانات رابطة مصنعي السيارات الأوروبية، أمس الخميس، أن مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا انخفضت بنسبة 5.1% خلال يونيو/حزيران 2025، وهي أكبر نسبة تراجع شهرية منذ أغسطس/آب 2024، لتسجل القارة 1.24 مليون سيارة فقط في ذلك الشهر.
وبحسب البيانات، قادت ألمانيا، أكبر سوق للسيارات بمنطقة اليورو، هذا الانكماش الحاد، حيث تراجعت المبيعات بنسبة 14% خلال يونيو فقط، وتراجعت بمعدل 4.7% خلال النصف الأول من العام. كما انخفضت المبيعات في إيطاليا بنسبة 17%، وفي فرنسا بنسبة 6.7% خلال الشهر نفسه، ما يعكس أزمة أوسع في الأسواق الأوروبية الكبرى. وبحسب "فايننشال تايمز"، إن تراجع ثقة المستهلك وارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ التحفيز الحكومي كلها عوامل ساهمت في هذا الهبوط.
وفي لندن توقعت جمعية مُصنّعي وتجار السيارات البريطانية، تراجع إنتاج السيارات والمركبات في المملكة المتحدة خلال العام الجاري، ليسجّل أدنى مستوياته منذ عام 1952، باستثناء فترة جائحة كورونا. وخفضت الجمعية تقديراتها لإجمالي الإنتاج هذا العام إلى نحو 755 ألف وحدة فقط، مقابل توقعات سابقة عند 818 ألف مركبة، وهو ما يعادل تراجعاً سنوياً يقارب 17%، وفق "ذا تليغراف". يأتي هذا الانخفاض نتيجة مزيج من العوامل السلبية، أبرزها فرض رسوم جمركية أميركية على السيارات، وتباطؤ الطلب في الأسواق الأوروبية، إلى جانب عمليات إغلاق المصانع، وفترات التوقف المرتبطة بإعادة تأهيل خطوط الإنتاج للتحول نحو تصنيع السيارات الكهربائية.
وبحسب بيانات الجمعية، انخفض إجمالي إنتاج المركبات بنسبة 11.9% إلى 417.23 ألف وحدة خلال النصف الأول من العام الجاري، مشيرة إلى أن حجم الإنتاج السنوي سيظل دون حاجز المليون مركبة حتى نهاية العقد الحالي. ورغم أن السيارات الكهربائية بالكامل شهدت ارتفاعاً في التسجيلات بنسبة 14% داخل أوروبا، إلا أن هذا النمو كان الأبطأ خلال 2025 حتى الآن. أما السيارات الهجينة القابلة للشحن، فقد ارتفعت مبيعاتها بنسبة 38%، لكنها لا تزال تمثل نسبة صغيرة من إجمالي السوق. وتواجه السيارات الكهربائية بالكامل تحديات تتعلق بالبنية التحتية الضعيفة لمحطات الشحن، وغياب سياسة أوروبية موحدة لدعم القطاع، كما أن تفاوت الحوافز بين الدول يزيد حالة الإرباك في الأسواق.
ودعت رابطة مصنعي السيارات الأوروبية، في بيان، أمس، الحكومات إلى تبني حزم تحفيزية أوسع لتشجيع شراء السيارات الكهربائية، مؤكدة أن المستهلكين لا يزالون حذرين، وأن تسريع التحول نحو المركبات النظيفة يحتاج إلى إجراءات دعم أكثر قوة. وتأتي هذه الدعوة في وقت بدأت بعض الدول الأوروبية بإعادة النظر في برامج الحوافز، كما فعلت بريطانيا أخيراً بإعادة منحة تصل إلى 3750 جنيهاً إسترلينياً (نحو 5100 دولار) لدعم مشتريات السيارات الكهربائية، بعد ثلاث سنوات من إيقافها. وساعد هذا القرار البريطاني في رفع مبيعات السيارات الجديدة في المملكة المتحدة بنسبة 6.7% في يونيو، ما يعكس حساسية السوق للتحفيز المالي المباشر، بحسب بيانات نقلتها "بلومبيرغ".
وتواجه شركات صناعة السيارات الأوروبية الكبرى مثل "فولكس فاغن" و"بي إم دبليو" و"مرسيدس-بنز" تحديات متزايدة، ليس من التباطؤ الداخلي فقط، بل أيضاً من فقدانها تدريجياً حصصها السوقية في الصين، لمصلحة شركات محلية تقدم سيارات كهربائية أرخص وأكثر ابتكاراً. وبحسب "رويترز"، فإن شركات مثل BYD وGeely وغيرها من شركات السيارات الصينية الكبرى تحقق تقدماً كبيراً في الأسواق الأوروبية، ما يهدد الصناعات المحلية. كما تعاني بعض الشركات من أزمات إدارية. فشركة رينو الفرنسية تبحث عن رئيس تنفيذي دائم بعد استقالة الرئيس السابق، بينما أجرت "ستيلانتيس" تغييرات كبيرة على مستوى القيادة، في وقت حساس يتطلب استقراراً إدارياً وخططاً متماسكة.
وفي خطوة لاحتواء الضغوط، منحت المفوضية الأوروبية المصنعين مهلة إضافية مدتها ثلاث سنوات لتحقيق أهداف الانبعاثات الكربونية الجديدة التي كانت مقررة لعام 2025، في محاولة لتخفيف القيود البيئية مرحلياً. وزادت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على واردات السيارات وقطع الغيار من تعقيد الوضع بالنسبة للشركات الأوروبية، خصوصاً تلك التي تصدر إنتاجها من مصانع في أميركا الشمالية إلى أسواق العالم. وقدرت "بلومبيرغ" أن مليارات اليوروهات من أرباح الشركات مهددة الآن، ما يضع مزيداً من الضغط على صناعة تعتمد بدرجة كبيرة على التجارة الدولية والاتفاقات العابرة للحدود.
وتمثل أزمة مبيعات السيارات الأوروبية، بحسب محللين، مؤشراً على تحول هيكلي في السوق العالمية، حيث تزداد المنافسة الصينية وتشتد الضغوط البيئية والتجارية، بينما تتردد الحكومات الأوروبية في تقديم دعم كاف لتحفيز الطلب. وبينما تسعى الشركات لتكييف استراتيجياتها، فإن غياب رؤية موحدة على مستوى الاتحاد الأوروبي قد يعمق من أزمة القطاع، ويزيد من فقدان أوروبا مكانتها التاريخية مركزاً عالمياً لصناعة السيارات.

أخبار ذات صلة.
