لابوبو وستانلي... عندما تتحكم الخوارزميات بذوقنا
عربي
منذ 12 ساعة
مشاركة

عام 2019، لم تتوقع الشركة المنتجة لدمى لابوبو (Labubu) بعد تعاونها مع سلسلة محلات بوب مارت، أن هذه اللعبة المحشوة الصغيرة، ستتحول إلى ما يشبه الهوس لدى كثيرين عام 2025، وأن يرتفع سعرها من 15 دولاراً إلى ما يقارب الألف دولار في بعض النسخ. فقاعة استهلاكية وصلت حد أن يُخيم العشرات أمام أحد المتاجر في شيكاغو للحصول على نسخة من هذه الدمية. دمية لابوبو المحشوة، لا تتعدى كونها إكسسواراً، لا وظيفة لها على رغم كل محاولات إضفاء المعنى عليها. مع ذلك، أغوت العلامات الكبرى، إذ أطلقت "لوي فيتون" نسخة مشابهة تُستخدم علاقة مفاتيح، يبلغ ثمنها نحو ألف دولار، في حين يبلغ ثمن تلك التي أطلقتها برادا نحو 600 دولار.

نحن إذن أمام سوق يقتبسُ من الرخيص واليومي والاستهلاكي ليضفي عليه صفة الفخامة واللوكس، عبر أغراض ذات وظائف لطالما كانت ثانوية، مثل حمالة المفاتيح، أو دب محشو يعلق في أي مكان. لكن صناعة الإكسسوارات هذه تعيد تعريف مفهوم الأناقة أيضاً، عبر الاعتماد على "الترند"، وليس على رغبة المصمم ورؤيته الفنية. بصورة ما، أمسى السوق يتبع للخوارزميات، وليس الذوق.

الأمر نفسه حصل مع "ستانلي" (Stanley)، كأس الشراب العملاق الذي يضاف إليه من الإكسسوارات ما يجعله أقرب إلى حقيبة يمكن شرب محتوياتها، بينما يتدلى منها المفتاح والهاتف النقال وبطاقة الائتمان، فوصلت مبيعات الكأس في عام 2023 إلى 750 مليون دولار. تحول الكأس إلى جزء من الديكور في كثير من المحتوى الرقميّ، فـ"صحافية" الفضائح وصانعة المحتوى، كانديس أوينز، أضافته إلى "ديكور" الاستديو، حيث تصوّر برنامجها، وصنعت محتوى خاصاً به، وقالت إن "وباء يجتاح الأمة يستهدف النساء البيض"، وتقصد هنا بالوباء كأس ستانلي.

دورة الاستهلاك هذه قائمة على إعادة تعريف لليومي والمبتذل، وخلق "لعبة" جديدة ينتهي دورها أو أثرها بمجرد انتهاء "الترند". نحن أمام واحد من أقسى أشكال الاستهلاك، إذ لا نشتري فقط، بل نصنع محتوى عما نشتريه، والنهاية عادة كما جاء في صحيفة ذا غارديان البريطانية، عند الحديث عن كأس ستانلي، تجاوز الموضوع كونه تصميماً لطيفاً يساهم في إعادة التدوير والتخفيف من العبوات البلاستيكية، ليتحول إلى شكل من أشكال جمع التحف. بهذا، فإن الهوس بالاستهلاك، والرغبة يتطابق مع الخوارزمية وما نراه أمامنا، فالاستهلاك يقضي على أنبل القضايا، كالرغبة في إعادة التدوير.

لكن بالعودة إلى مفهوم الإكسسوارات الصغيرة وتبدلها وأنواعها، المشترك دائماً أننا أمام مُنتجات رخيصة، كالحقيبة الصغيرة التي صممتها علامة يوني كلو اليابانية، وقد تحولت إلى موضة عالمية ما زالت مستمرة حتى الآن، كونها حقيبة تتسع لكل شيء، أي تتيح ترك الجيوب فارغة. لكن مهما تنوعت العلامات والتصميمات، نحن أمام حقيبة سعرها لا يتجاوز الـ15 دولاراً. بمعنى آخر، الاستهلاك الضخم هو ما يخلق هذه "الموجات" التي تتغير كل موسم. الاستهلاك الضخم هو ما يشكل الربح، وهذا ما نكتشفه عندما نرى فيديوهات المؤثرين الذين يمتلك بعضهم عشرات وأحياناً مئات من كؤوس ستانلي أو دمية لابوبو. هذا الأسلوب من الاستهلاك لا يقوم فقط على عدد كبير من المشترين، بل أيضاً على المشترين الفرادى، أولئك المهووسون بالاستهلاك وحب الظهور في الوقت نفسه.

إنها ثقافة السطح، إذ تسود الدعاية محل المعنى، وتستبدل ما هو رائج بمعايير الذائقة الشخصية. نحن أمام "طائفة" (Cult) جديدة من المستهلكين، أولئك الذين يكدّسون الرخيص واللامع، ووصل الأمر في محاولة تفسير هذه الظاهرة حد نعتها بالهيستيريا، كونها غير عقلانيّة. في الوقت نفسه برزت محاولات ما يسمى بالـ Deinfluencing، أي مهاجمة المروجين لأي منتج وكشف سطحيتهم، لكننا في النهاية، سواء كنا مؤثّرين أو نحاول تفكيك تأثيرهم، فإننا جميعًا نتحرّك داخل مدار واحد: سوق الخوارزميات. هذه السوق لا تكتفي بتحديد ما نراه ونرغب فيه، بل تعيد تشكيل معايير الذوق والمعنى، وتُفرغ حتى القيم النبيلة—كإعادة التدوير أو البساطة—من جوهرها. هكذا، يتحوّل كل شيء إلى منتج، وكل منتج إلى "ترند"، وكل ترند إلى طقس استهلاكي جماعي، لا مكان فيه للذوق الشخصي، بل فقط لما تسمح له الخوارزمية أن يُرى.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية