
لا تبخل المغنية السورية أصالة نصري على جمهورها، فهي لا تلبث أن تطرح ألبوماً حتى تتبعه بآخر في العام التالي، وتُرفق ذلك بإصدار أغان منفردة بين العملين. إنها سياسة فنية اتبعتها منذ سنوات، وما زالت ماضية بها، لتصل اليوم إلى أكثر من خمسة وعشرين ألبوماً ومئات الأغاني في رصيدها. وأخيراً، أصدرت أصالة ألبومها الجديد "ضريبة البعد" بعد تأخير دام قرابة شهرين. قدمت في العمل عشر أغان تنوعت بين الطابعين الرومانسي والشعبي، وتعاونت خلالها مع مجموعة من الشعراء والملحنين، هم: أحمد عيسى، ومدين، ومحمود كلازا، ومصطفى العسال، ومنة القيعي، وتامر عاشور، وناصر الجيل، ومحمود الخيامي، ومحمد مصطفى.
الألبوم متنوع وغني بذوق موسيقي عالٍ، لكن مشكلته الرئيسية تمثّلت في غياب الأغنية اللافتة أو "الضاربة"، كما حصل في ألبومها ما قبل الماضي بأغنية "فوق" التي لاقت نجاحاً جماهيرياً. وعلى الرغم من تميز معظم أغاني الألبوم لحناً وكلماتٍ وأداء، إلا أنها بقيت ضمن ما يمكن تسميته بالمساحة الآمنة لأصالة: أعمال جميلة وتليق بها، لكنها لا تفاجئ المستمع أو تخترق الحدود التقليدية.
تسويقياً، سلمت أصالة توزيع الألبوم لشركة روتانا، لكن يبدو أن الشركة لم تعد تبذل الجهود السابقة نفسها في الترويج لفنانيها، وقد تكرر هذا الأمر مع ألبوم نجوى كرم الأخير. وبعد أسبوعين على صدور "ضريبة البعد"، لم تتجاوز مشاهدات جميع أغاني الألبوم عشرين مليون مشاهدة، وهو رقم لا يليق بمكانة فنانة بحجم أصالة.
المشكلة الثانية تكمن في غياب الهوية البصرية الموحدة للألبوم. ظهرت أصالة في معظم الكليبات بزيّ أسود مستوحى من شكل الملكة نفرتيتي، مع المخرج السوري الشاب علي حمدان، من دون أي تفسير واضح لهذه الإطلالة. كما أن الألبوم بالكامل باللهجة المصرية، من دون أن يتضمن أي أغنية سورية أو لبنانية.
أما النقطة الثالثة، فكانت توقيت إصدار الألبوم، الذي تزامن مع زحمة إصدارات صيفية قوية، منها ألبوم عمرو دياب الذي حقق أرقاماً قياسية، إضافة إلى ألبومات تامر حسني وآمال ماهر ونجوى كرم. ولو أن "ضريبة البعد" صدر مع بداية الصيف، وقبل زحمة الإصدارات، لربما نال فرصته في الانتشار أكثر.
يُذكر أن أصالة حققت نجاحاً لافتاً في ألبومها السابق "لحقت نفسي"، إذ اعتمدت أسلوباً تسويقياً مبتكراً، تمثل في تصوير فيديو دعائي لستّ أغان قبل طرح الألبوم، ما أثار حماسة الجمهور، خاصة مع التنوع في الألحان والكليبات. لكن القسم الثاني من ذلك الألبوم لم يحظَ بالزخم نفسه، بسبب توقيت صدوره المتزامن مع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، إضافة إلى ضعف الهوية البصرية. كان الجمهور قد ظنّ حينها أن أصالة بدأت تُدرك أهمية التخطيط التسويقي، إلا أن تجربة "ضريبة البعد" أثبتت أن هذا التطور لم يكتمل، ويبدو أن السبب يعود في النهاية إلى إشراف زوجها ومدير أعمالها فائق حسن، الذي ربما لم يُحسن توجيه الخطوات بالشكل الأمثل.
مع ذلك، لا يمكن إنكار أن "ضريبة البعد" هو عمل فني متكامل، يُضاف إلى أرشيف أصالة الغني، الذي لا يزال يزدهر ويتصاعد بثبات، خلافاً للعديد من الفنانات اللاتي تراجع حضورهن في السنوات الأخيرة. فأصالة واحدة من القلائل اللواتي حافظن على توازن الطرح الموسيقي والتجديد، واستطاعت أن تصل تدريجياً إلى مختلف الفئات العمرية، بمن فيهم أبناء جيل زد، الذين يتابعون ما تقدمه ويستمتعون به. تجلّى هذا الانسجام بين الأصالة والتجديد بوضوح في أغنيتها "عندي اكتفاء" التي افتتحت بها الألبوم، مقدِّمة كليباً بتقنية الذكاء الاصطناعي وموسيقى حديثة تعكس روح العصر وتتماشى مع ذوق الجيل الجديد.
