نتنياهو يرمي إلى إعادة ترتيب المشهدين الداخلي والإقليمي
عربي
منذ يوم
مشاركة

لا مكان للملل أو الجمود في المشهد السياسي الإسرائيلي، فبعد انسحاب الأحزاب الحريدية من الحكومة في 14 يوليو/تموز الحالي، على خلفية عدم طرح قانون لإعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية، ووسط حديث متصاعد عن احتمال تبكير الانتخابات البرلمانية إلى مطلع العام المقبل، تشهد الأيام الأخيرة تحركات سياسية يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تُظهر نيّته اتخاذ خطوات تُعزز من قبضته السياسية على الحكومة وعلى آليات صنع القرار في إسرائيل. وتتركّز هذه الخطوات بشكل خاص على تقويض سلطة القضاء وتقليص أدوات الرقابة القضائية، إلى جانب السعي لترتيب إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية. يأتي ذلك في ظل استمرار الحكومة الإسرائيلية في المماطلة والمراوغة في مفاوضاتها مع حركة حماس، بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل عمليات القتل والتجويع في غزة. كذلك، تشهد الساحة السورية تصعيداً ملحوظاً في التدخل الإسرائيلي، تمثل أخيراً في قصف عسكري مباشر على محافظة السويداء، في ظل الاقتتال الداخلي الدائر هناك.

تأثير الضغوط على نتنياهو

لم يؤدِّ خروج الأحزاب الحريدية من الحكومة إلى تفكك التحالف الحكومي، ولا إلى حلّ الكنيست، ولم يُسفر حتى الآن عن تبكير موعد الانتخابات البرلمانية، رغم تزايد الحديث عن هذا الاحتمال في الأوساط السياسية والإعلامية. وخروج الأحزاب الحريدية من الحكومة لم يعنِ خروجها من دائرة التأثير السياسي، خصوصاً على قرارات نتنياهو. فحزب شاس بقيادة أرييه درعي المقرّب جداً من نتنياهو سيواصل، كما أشارت تقارير في الإعلام الإسرائيلي، التأثير من وراء الكواليس على الوزارات التي كان يديرها خلال وجوده في الحكومة. أما حزب يهدوت هتوراة، فيواصل ممارسة الضغط السياسي على نتنياهو من خلال تصريحات إعلامية متكررة لقياداته، تحذّر من أن ردّ الحزب على عدم سنّ قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية لطلاب المعاهد الدينية، وعدم منع فرض أي عقوبات جنائية عليهم، لن يتوقف عند الخروج من الائتلاف الحكومي، بل قد يصل إلى تهديد التحالف الاستراتيجي والعلاقة السياسية العميقة بين الجانبين.


رفض إدلشتاين الانصياع الكامل لمطالب الأحزاب الحريدية

في ظل هذا الواقع، يواصل نتنياهو جهوده لإعادة ترتيب المشهد السياسي داخل التحالف الحكومي، بهدفين رئيسيين: أولاً، إرضاء الشركاء من الأحزاب الحريدية، وثانياً، مواصلة السعي للسيطرة على السلطة القضائية أو على الأقل تقييدها وضبط صلاحياتها، تنفيذاً لأجندة اليمين المتطرف الساعية إلى توسيع هيمنته على مؤسسات الدولة، بما فيها الجهاز القضائي. هذا المسار يخدم أيضاً المصالح الشخصية لنتنياهو، وفي مقدمتها تفكيك الملفات الجنائية التي تُنظر ضده أمام المحاكم الإسرائيلية أو تعطيلها. بغية إرضاء الأحزاب الحريدية وتجنّب تعميق الهوّة والخلاف معها، بادر نتنياهو قبل أيام إلى خطوة تهدف إلى استبعاد يولي إدلشتاين من رئاسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وهي اللجنة المسؤولة عن تحضير مشروع قانون التجنيد، وإلى تسريع عملية إقالة المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا.

ورفض إدلشتاين الانصياع الكامل لمطالب الأحزاب الحريدية ونتنياهو بشأن صياغة قانون يُعفي الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية ويتجنب فرض عقوبات جدية على من يتهرّب منها. وبدلاً من ذلك، حاول التوفيق بين مطالب الأحزاب الحريدية من جهة، ومطالب جماعات ضغط تمثّل جنود الاحتياط من جهة أخرى، الذين يُطالبون بتحقيق المساواة في تحمل عبء الخدمة العسكرية بين جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي. وتحدّى إدلشتاين نتنياهو ومطالبه إلى حد كبير من خلال موقفه هذا، فجاء ردّ نتنياهو باقتراح إقالته من رئاسة لجنة الخارجية والأمن، وترشيح أحد أعضاء الكنيست من حزب الليكود، المقرّب منه والمطيع تماماً لإرادته وتوجهاته. بهذه الخطوة، يسعى نتنياهو إلى التخلص من مناورات إدلشتاين والعقبات التي يضعها أمام تمرير قانون التجنيد بالشكل الذي تريده الأحزاب الحريدية، وفي الوقت نفسه يُرضي هذه الأحزاب ويقلّص من مساحة الخلاف والتوتر معها داخل التحالف الحكومي. إقصاء إدلشتاين وفرض سيطرة نتنياهو الكاملة على قراراتها، يأتي تمهيداً لإعادة ترتيب العلاقة مع الأحزاب الحريدية، والحفاظ على استقرار التحالف الحكومي، ولو بشكل مؤقت.

الحرب مع المستشارة القضائية للحكومة

في المقابل، يعمل نتنياهو على تفريغ منصب المستشارة القضائية للحكومة من مضمونه وصلاحياته، في محاولة لترويض المعارضة القانونية الداخلية لسياساته وإجراءاته داخل الحكومة، لا سيما في ما يتعلق بسَنّ القوانين والتعيينات في مناصب إدارية رفيعة لا تتماشى بالضرورة مع أحكام القانون وتعليماته. في هذا السياق، قررت لجنة وزارية خاصة، أُنشئت لفحص أداء المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا ودراسة إمكانية إقالتها، بداية الأسبوع الحالي التوصية للحكومة بالمضي قدماً في إجراءات إقالتها. ويعود موقف نتنياهو وحكومته تجاه المستشارة القضائية بالأساس إلى معارضتها لجملة من السياسات والخطوات المثيرة للجدل داخلياً، أبرزها: رفضها سنّ قانون إعفاء طلاب المعاهد الدينية من الخدمة العسكرية باعتباره مخالفاً لمبدأ المساواة في تحمل العبء؛ اعتراضها على إقالة رئيس الشاباك السابق رونين بار وتعيين بديل له؛ تعيين مسؤول جديد في منصف إدارة موظفي الدولة. ولا ننسى أنّ المستشارة القضائية هي المدعية العامة في ملفات نتنياهو القضائية.

ترى غالي بهاراف ميارا، أن الخطوات المتخذة ضدها غير قانونية، وتتنافى مع الترتيبات الدستورية القائمة، وقد جاءت بدوافع سياسية صريحة تخدم مصالح شخصية لنتنياهو. في المقابل، فإنّ موقف المستشارة القضائية من حرب الإبادة على غزة لا يختلف عن موقف الحكومة والمؤسسة العسكرية، إذ أبدت دعماً كاملاً لكل خطوات الجيش والحكومة، ودافعت عن سياسات الحكومة ورفضت مواقف كل من محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، كما أشار رئيس تحرير صحيفة هآرتس، ألوف بن، في مقال نُشر بتاريخ 22 يوليو الحالي. ويوضح بن أن بهاراف ميارا "تقدّم دعماً كاملاً لتدمير قطاع غزة وقتل عشرات الآلاف من سكانه، وتجويع من تبقّى منهم والاستعداد لطردهم، وكذلك للاستيلاء العنيف على أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية، ولسوء معاملة الأسرى الفلسطينيين الذين توفي العشرات منهم أثناء الاعتقال، ولإسكات احتجاجات الأقلية الفلسطينية في إسرائيل". ومع ذلك، يبدو أن كل هذا الولاء لموقف الحكومة في الملفات الخارجية والأمنية لا يشفع لها أمام حاجة نتنياهو لإحكام قبضته على السلطة القضائية، وإخضاع أدوات الرقابة القضائية لخدمة أهدافه الشخصية ومشروعه السياسي.


ترى غالي بهاراف ميارا أن الخطوات المتخذة ضدها غير قانونية

بالتوازي مع سعي نتنياهو لفرض إرادته وهيمنته على لجنة الخارجية والأمن، إلى جانب محاولاته لإقالة المستشارة القضائية للحكومة، يواصل رئيس الوزراء المراوغة والمماطلة في المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس. وتعمد إسرائيل إلى خلق أجواء من التفاؤل بشأن احتمالات التقدم في المفاوضات، وتروّج لإمكانية التوصل إلى اتفاق، لكنها تضيف شروطاً تدريجية تعرف مسبقاً أنها ستتراجع عنها لاحقاً، وذلك في إطار استراتيجية تفاوضية تهدف إلى الإيحاء بتقديم تنازلات. مثال على ذلك: المطالبة بالاحتفاظ بسيطرة الجيش على محور موراغ، ثم التراجع التدريجي عن هذا الشرط. في المقابل، تستمر إسرائيل في القتل اليومي والتجويع الممنهج، وتمنع إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية، في الوقت الذي تُوسّع فيه عملياتها العسكرية في القطاع. هكذا، بينما تدّعي أنها منفتحة على التوصل إلى اتفاق، تسعى إسرائيل في الواقع إلى هندسة واقع جديد على الأرض، يضمن بقاء سيطرتها الكاملة على قطاع غزة حتى بعد الحرب. وتشير المؤشرات إلى احتمال إعادة نوع من الاستيطان، ولو بصيغة معسكرات عسكرية أو نقاط أمنية، قد تتطور لاحقاً إلى مستوطنات دائمة، كما حدث سابقاً في عدة مواقع في الضفة الغربية.

إعادة تشكيل المشهد السري

تواصل إسرائيل سعيها لإعادة تشكيل المشهد السوري بما يتوافق مع مصالحها الأمنية والاستراتيجية. وقد تجلّى ذلك الأسبوع الماضي من خلال تدخّل عسكري مباشر في محافظة السويداء، إذ استهدفت القوات الحكومية وعناصر من عشائر بدوية في خضم الأحداث الأمنية الدامية التي شهدتها المنطقة. ورغم أن إسرائيل تُبرّر هذا التدخل علناً بأنه يأتي لحماية أبناء الطائفة الدرزية، فإن أهدافه الحقيقية تتجاوز ذلك، وتتمثل أساساً في ضمان مصالحها الجيوسياسية، من خلال: منع استعادة الاستقرار في الجنوب السوري؛ إبقاء مناطق جنوبية تحت الاحتلال أو النفوذ الإسرائيلي غير المباشر؛ تعزيز الهيمنة العسكرية الإسرائيلية في الجبهة الشمالية. بذلك، تُصرّ إسرائيل على أنه لا يمكن إجراء ترتيبات داخل الدول المجاورة من دون تدخلها وموافقتها، في تكرار لمواقف نتنياهو، الذي يروّج بأنّ إسرائيل هي من يعيد ترتيب خريطة المنطقة بأكملها.

تواجه محاولات نتنياهو لإعادة ترتيب الحالة السياسية الداخلية معارضة غير بسيطة، تشمل أطرافاً برلمانية وشعبية وقضائية. وحتى في حال نجح في تمرير هذه الخطوات، فإنّها لن تمرّ بدون معارك سياسية محتدمة وردود فعل داخلية واسعة. لكن، وللأسف، في الساحة الإقليمية، يبدو أن تنفيذ السياسات الإسرائيلية وتحقيق رغبات نتنياهو يجري بسلاسة أكبر، وبمعارضة أضعف، سواء من الداخل الإسرائيلي، أو من الأطراف الإقليمية والدولية. فبينما يُواجه الداخل بمؤسسات قادرة على الكبح والمساءلة، تُترك الساحات العربية والفلسطينية والعربية مكشوفة أمام محاولات تمدد المشروع الإسرائيلي دون ردّ حقيقي يوازي حجم الفعل.

 

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية