
في مقابلة خاصة مع "العربي الجديد" في نيويورك، يتحدث الممثل الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن للشهر الحالي، عاصم افتخار أحمد، عن تبعات استمرار إفلات إسرائيل من العقاب على المنظومة الدولية، وعن جرائمها المرتكبة في فلسطين، كما عن آخر المستجدات في الملف الهندي الباكستاني، بعد التصعيد العسكري الأخير في إبريل/ نيسان الماضي. كذلك يتحدث عن عقد مؤتمر حل الدولتين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، الذي سترأسه فرنسا والسعودية يومي 28 و29 يوليو/ تموز الحالي، بعد تأجيل موعده الذي كان مقرراً بين 17 و20 يونيو/ حزيران الماضي.
* تواجه فلسطين، وقطاع غزة تحديداً، إبادة جماعية على مرأى الجميع. ما هي تداعيات ما يحدث في فلسطين على القانون الدولي وعلى خارج فلسطين؟
لا يوجد أي مبرر على الإطلاق للوضع الذي يواجهه المدنيون في غزة، ولا توجد كلمات تصف هذا الوضع. هناك أغلبية ساحقة، سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة (للأمم المتحدة) والمجتمع الدولي عموماً، ترى أن استمرار السماح بهذه الفظائع بدون عواقب أو محاسبة، يلحق ضرراً بالغاً بالقانون الدولي، خصوصاً القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. يُمكن القول إن هناك شبه إجماع على هذا الرأي، والتحدي الذي يواجه مجلس الأمن هو كيفية التغلب على الدعم المُقدّم لإسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، والذي يسمح لها بمواصلة ما تفعله في غزة بدون محاسبة ومع إفلات تام من العقاب. كيف يمكن وقف ذلك؟ هذا نقاش دائر في مجلس الأمن. نعلم القيود القائمة، ونعلم أسبابها جيداً. لكن على الرغم من ذلك، استمرت الجهود لإنهاء هذا الوضع، وتحقيق وقف إطلاق النار، وفتح (معابر) غزة أمام المساعدات الإنسانية. وقبل فترة تقدمت الدول العشر غير دائمة العضوية في مجلس الأمن بمشروع قرار، وللأسف لم يمر بسبب الفيتو (الأميركي). ولكن على الرغم من ذلك استمرت الجهود في الجمعية العامة وهناك المؤتمر الدولي لحل الدولتين والذي سيعقد نهاية الشهر الحالي.
* لماذا تعوّلون على هذا المؤتمر؟ وهل تعتقدون أنه بالفعل سيحقق تغييراً ملموساً على الأرض؟ ولن يكون مجرد حضور دبلوماسي رفيع آخر، لخطابات ووعود بدون تغيير جذري؟
سيكون المؤتمر فرصة مهمة في هذه المرحلة وسيخدم هدف تحقيق ما لم يتمكن مجلس الأمن من تحقيقه، أي تحقيق التزامات في مجال صون السلم والأمن الدوليين، وتوفير أفق سياسي لمستقبل فلسطين، وحل الدولتين، والسلام والاستقرار على المدى الطويل في الشرق الأوسط. هناك الكثير من التوقعات. المؤتمر يطرح جدول أعمال شاملا، ويُوصف بأنه ليس مجرد مؤتمر عادي، بل هو أكثر من ذلك، وأكثر واقعية من حيث نتائجه (المتوقعة)، وذلك يشمل توقعات بالاعتراف بالدولة الفلسطينية ووضع خطوات ملموسة نحو (تحقيق) حل الدولتين، ودعم الدولة الفلسطينية عن طريق المساعدات الإنسانية، وإعادة الإعمار، والمساعدة الاقتصادية، وبناء المؤسسات. هذه كلها نقاط منفصلة عن مسألة التوقعات المتزايدة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وإذا نظرت إلى جلسات الطاولات المستديرة (ثمان لجان ودوائر مستديرة للنقاش)، فإن الحديث هناك أيضاً عن بناء سردية حول حل الدولتين، ومعالجة القضايا الإنسانية، ومناقشة الأمر برمته في سياق القانون الدولي. هناك شعور قوي بأن ما حدث في غزة قد يقوّض القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، لذا، يجب إعادة الأمور إلى مساقها.
* هل تتوقعون أن يحدث هذا تغييراً جذرياً؟
نتوقع أن يقدم المؤتمر ما هو أكثر من مجرد التأكيد على الدعم السياسي والالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية والمضي قدماً في حل الدولتين، أي شرحاً وتفصيلاً أكثر للطريقة التي ستقدم بها الدول الأعضاء والجهات الفاعلة الأخرى والمنظمات الإقليمية الدعم للدولة الفلسطينية.
* رأينا الولايات المتحدة تفرض عقوبات على المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانشيسكا ألبانيز، وعلى أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وغيرها. هل هناك نقاش لحماية هؤلاء وغيرهم في المنظومة الدولية من المدافعين عن القانون الدولي وحقوق الإنسان؟
هذا تطور خطير ومؤسف للغاية، لأن هؤلاء المقررين الخاصين، والإجراءات الخاصة (لمجلس حقوق الإنسان، وتتألف من مجموعة خبراء مستقلين في مجال حقوق الإنسان مكلفين بولايات لرفع تقارير وتقديم المشورة بشأن حقوق الإنسان)، وجميعهم يعملون بتفويض من الأمم المتحدة والدول الأعضاء، يتمتعون بشرعية ومصداقية معينة. من الطبيعي أن يُدعم عملهم لا أن يُعارض أو حتى أن يصل إلى حد فرض عقوبات عليهم، وهو أمرٌ لا يُمكن فهمه. وكانت هناك ردود فعل واسعة على هذا الإعلان (منددة). وهناك مناقشات جارية بالفعل في جنيف (أحد مقرات الأمم المتحدة) للرد على هذا الوضع. آمل أن تتم معالجة ذلك والتراجع (عن فرض العقوبات)، إذ إن الحفاظ على مصداقية منظومة الأمم المتحدة وشرعيتها لجميع هؤلاء المكلفين بولايات والإجراءات الخاصة أمر بالغ الأهمية.
* كيف تقيمون تعاون الولايات المتحدة والإدارة الأميركية الحالية في مجلس الأمن والأمم المتحدة عموماً؟
ما زال الوقت مبكراً، لأن الكثير من الأمور لم تتضح بعد في ما يتعلق بالسياسة الأميركية ونهجها العام. وحالياً لا يوجد ممثل دائم للولايات المتحدة في الأمم المتحدة بنيويورك ما يخلق فراغاً ما (من المتوقع أن يصادق الكونغرس على تعيين مرشح ترامب للمنصب، مايك والتز، قريباً). هناك بعض المعالم لتلك السياسة أصبحت واضحة وبعضها إيجابي، على سبيل المثال عندما يقول الرئيس (دونالد ترامب) إنه يريد إنهاء النزاعات وحلها ولا يريد المزيد من الحروب. ولكن طبعاً من المهم تنفيذ ذلك. في حالات أخرى، لا تزال الصراعات محتدمة حيث الوضع مُلحّ والإجراءات مُؤجّلة. ترك قرار (إدارة ترامب) بخفض التمويل (الطوعي لمنظمات الأمم المتحدة الإنسانية) أثراً (سلبياً) بالفعل، لأن الولايات المتحدة من أكبر المانحين، وهذا يؤثر أيضاً على عمل المجلس (الأمن)، لأن العديد من حالات الصراع المدرجة على جدول أعمال المجلس تواجه حالات طوارئ إنسانية في عواقب لتلك الصراعات. وهذا يؤدي إلى اتساع الفجوات، إذ لا تزال الصراعات مستعرة، ما يتسبب بتحديات خطيرة.
* في ما يخص التصعيد الأخير بين باكستان والهند، كيف تقيمون التعامل الدولي معه وما هي رؤيتكم للمضي قدماً؟
واجهنا وضعاً مشابهاً عام 2019، وهذه المرة كذلك، استغلت الهند حادثاً إرهابياً لإلقاء اللوم على باكستان بدون تحقيق أو أدلة موثوقة تشاركها. ومن ثم قررت اتخاذ إجراءات تصعيدية ومضت قدماً في تهديدها وارتكبت عدواناً غير مبرر ضد باكستان وفي انتهاك تام للقانون الدولي. حتم ذلك علينا الرد، وفقاً لحق الدفاع عن النفس. ردنا كان متناسباً وبما يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. بالإضافة إلى نوع آخر من العدوان، وهو تعليق معاهدة مياه نهر السند (اتفاقية دولية بين البلدين وقعت عام 1960 حول تقاسم مياه نهر السند وروافده) وهو كذلك كان مُخططاً له مسبقاً، لأنهم أسرعوا للإعلان عن ذلك بعد الحادث. هذا أمر بالغ الخطورة على باكستان، لأننا دولة يبلغ عدد سكانها 250 مليون نسمة، واقتصادنا قائم على الزراعة، ويعتمد الكثير من السكان على الري بمياه الأنهار، وتُعتبر هذه الأنهار شريان الحياة لباكستان. دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد صراع دام أربعة أيام، إذ ساهمت بعض الدول الصديقة في تهدئة الوضع وتسهيل وقف إطلاق النار، وكانت هناك دعوات أيضاً من الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس). ورحبت تلك الدول بوقف إطلاق النار وشجعت الدولتين على الانخراط في الحوار، لمعالجة قضاياهما العالقة، وهنا مربط الفرس. عندما ننظر إلى ما يحدث في جنوب آسيا، بين الهند وباكستان، فالمشكلة الأساسية هي نزاع جامو وكشمير. يجب معالجة هذا الأمر. كما هو الحال في الشرق الأوسط إذا أخرجت القضية الفلسطينية من المشهد، فهذا يعني أنك لا تعالج حقاً المشكلة الأساسية هناك. وإذا أردنا أن نرى السلام والأمن الدائمين في جنوب آسيا، فنحن بحاجة إلى معالجة هذا النزاع وحله.
هناك قرارات لمجلس الأمن منذ أواخر الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، والتي وفرت أيضاً آلية لتسوية النزاعات سلمياً من خلال تنظيم استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة، والذي من شأنه أن يمنح الشعب الكشميري خيار الإرادة الحرة ليقرر ما إذا كان يريد الانضمام إلى الهند أو باكستان. تراجعت جارتنا عن ذلك بعد قبول جميع هذه قرارات الأمم المتحدة في البداية. ولم تسمح للأمم المتحدة بتنظيم استفتاء لأنها تعلم أن النتيجة لن تكون في صالحها. يشكل ذلك مصدراً مستمراً لعدم الاستقرار والتوتر، لأنه ليس مجرد نزاع إقليمي، بل هو نزاع سياسي أيضاً، وله عواقب أخرى إنسانية وحقوقية، إذ تُرتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في جامو وكشمير التي تحتلها الهند بشكلٍ غير قانوني.
هذا وضع هش للغاية وغير مستقر، ويحتاج إلى معالجة حقيقية. في هذا السياق رأينا ترحيب الولايات المتحدة، والعديد من الدول الأخرى، كالسعودية والصين وتركيا وقطر والإمارات، والأمين العام (للأمم المتحدة)، بوقف إطلاق النار. كما أشاروا إلى أهمية الحوار. وذكر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في بيانه أن هناك وقفاً لإطلاق النار، وأن الهند وباكستان اتفقتا على الاجتماع في مكان محايد. رحبت باكستان بتسهيل وقف إطلاق النار، كما نرحب أيضاً بهذه التصريحات التي تدعو إلى الحوار، وهو أمر منطقي. ولكن الرد الهندي كان مختلفاً، إذ نفوا أن تكون الولايات المتحدة قد لعبت دوراً في تسهيل وقف إطلاق النار. وقالوا إنهم لم يوافقوا على الحوار مع باكستان. نعتقد أن هذا غير مقبول، كما الخطاب العدائي السائد في الهند، والذي لم يهدأ بعد. ومباشرة بعد وقف إطلاق النار، قال رئيس الوزراء (الهندي ناريندرا) مودي، في أحد تصريحاته، إن هذه مجرد وقفة مؤقتة.
الهند وباكستان دولتان كبيرتان وهامتان، ويمكننا تحقيق الكثير إذا توفرت بيئة من التعاون وبناء الثقة، والتي يمكن بناؤها على أسس متينة، وهي احترام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي والالتزامات والمعاهدات الثنائية الدولية، ولا يمكن أن تُبنى على انتهاك هذه القوانين والمعاهدات. كنا وما زلنا منفتحين على استئناف الحوار، وعلى إيجاد مساحة لإعادة بناء الثقة، حيث يمكننا الجلوس حول طاولة واحدة وإجراء حوار شامل، لمناقشة جميع القضايا مع الهند، بما في ذلك القضية الجوهرية، جامو وكشمير، والتي تحتاج بالفعل إلى حل.
نبذة مختصرة
انضم السفير عاصم افتخار أحمد، الممثل الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة، إلى السلك الدبلوماسي الباكستاني عام 1993. تسلم منصبه الحالي مطلع إبريل/ نيسان الماضي. وشغل مناصب مختلفة بوزارة الخارجية وبعثات باكستان في الخارج على مدار أكثر من ثلاثة عقود، شملت أوروبا وأفريقيا وآسيا والأمم المتحدة، بما فيها عمله سفيراً لبلاده لدى فرنسا وموناكو ومندوبها الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو"، بين عامي 2022 و2024.

أخبار ذات صلة.
