تايلاند ـ كمبوديا: حرب حدودية باسم المعابد
عربي
منذ يوم
مشاركة

سقط عدد من القتلى والجرحى نتيجة تجدد الاشتباكات الحدودية بين كمبوديا وتايلاند، أمس الخميس، وسط مخاوف من تسارع تدهور الوضع الميداني، إثر قرار بنوم بنه خفض العلاقات الدبلوماسية مع بانكوك، ودعوة الأخيرة مواطنيها لمغادرة الأراضي الكمبودية. ولم يكن الصدام مفاجئاً بفعل عدم معالجة الخلافات على الأراضي المتنازع عليها بين البلدين والمتمحورة حول معابد بوذية عبر التاريخ.
وتبادلت القوات الكمبودية والتايلاندية، أمس الخميس، القصف حول معبدين قديمين، في محافظة سورين التايلاندية ومقاطعة أودار مينتشي الكمبودية، وفق ما أفاد مصدر حكومي كمبودي وكالة فرانس برس، واتّهم كلّ من الطرفين الطرف الآخر بأنه من بدأ بإطلاق النار. وذكر الجيش التايلاندي في بيان أن "القوات الكمبودية فتحت النار باتجاه الجانب الشرقي لمعبد براسات تا موين ثوم، على مسافة نحو 200 متر من القاعدة التايلاندية"، ويبعد المكان 360 كيلومتراً عن العاصمة التايلاندية بانكوك.

كذلك أعلن الجيش التايلاندي أنه نفّذ غارات جوية بطائرة من طراز أف-16 على هدفين عسكريين في كمبوديا. وكان الجيش اتّهم كمبوديا بإطلاق صاروخين من طراز "بي إم-21" باتجاه قرية حدودية في محافظة سورين، فضلاً عن استخدامها مسيّرة فوق القاعدة التايلاندية. وذكر الجيش التايلاندي أن ستة جنود كمبوديين مسلحين بقاذفات قنابل يدوية، اقتربوا لاحقاً من سياج أسلاك شائكة، وأن عناصره نادوا عليهم لتجنب حصول اشتباك. وأوضح سوثيرو شاروينثاناساك رئيس منطقة كابتشينغ في سورين لوكالة رويترز، أن سلطات المنطقة أجلت 40 ألف مدني من 86 قرية قريبة من الحدود إلى مواقع أكثر أماناً. وسُجل مقتل 11 مدنياً على الأقل، بحسب الجيش التايلاندي، وجرح 14 آخرين بهجمات كمبودية. وناشدت وزارة الخارجية التايلاندية رعاياها في كمبوديا مغادرتها "في أقرب وقت ممكن"، واصفة كمبوديا بأنها "غير إنسانية ووحشية ومتعطشة للحرب". ودعا المتحدث باسم الحكومة التايلاندية جيرايو هونغسوب المجتمع الدولي إلى إدانة كمبوديا بسبب قصفها.


أجلت بانكوك 40 ألف مدني من 86 قرية حدودية

تدهور العلاقات بين تايلاند وكمبوديا

في المقابل، ذكرت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الكمبودية مالي سوتشيتا في بيان أن "الجيش التايلاندي انتهك سلامة أراضي مملكة كمبوديا بشنّه هجوماً مسلّحاً على القوات الكمبودية المتمركزة للدفاع عن أراضيها السيادية". وأضافت: "ردّاً على ذلك، مارست القوات المسلحة الكمبودية حقّها المشروع في الدفاع عن النفس، بما يتوافق تماماً مع القانون الدولي، لصدّ التوغّل التايلاندي وحماية سيادة كمبوديا وسلامة أراضيها". وقررت كمبوديا خفض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع تايلاند إلى أدنى مستوى، واستدعت جميع موظفيها الدبلوماسيين من بانكوك، حسبما صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الكمبودية تشوم سونري، أمس الخميس.

وكان فومثام ويتشاياتشاي، القائم بأعمال رئيس الوزراء التايلاندي، قد أمر، أول من أمس الأربعاء، بخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع كمبوديا من خلال استدعاء سفير بلاده تول ترايسورات من بنوم بنه وطرد السفير الكمبودي هون ساروون من بانكوك، وذلك قبل اندلاع اشتباكات أمس الخميس، على خلفية فقدان جنديين تايلانديين أحد أطرافهما، في أسبوع واحد، بسبب ألغام أرضية ادّعت بانكوك أن بنوم بنه زرعتها أخيراً في المناطق المتنازع عليها. وأشارت السلطات التايلاندية إلى أن تحقيقاً عسكرياً خلص إلى أن كمبوديا زرعت ألغاماً أرضية جديدة على الحدود. ورفضت كمبوديا تلك الاتهامات موضحة أن المناطق الحدودية ما زالت مليئة بألغام نشطة من "حروب ماضية".

وطلب رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت، أمس الخميس، من مجلس الأمن الدولي عقد "اجتماع عاجل" مع اندلاع اشتباكات مع تايلاند بسبب نزاع حدودي. ووجّه مانيت رسالة إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عاصم افتخار أحمد، جاء فيها: "نظراً إلى الاعتداءات الخطيرة التي شنتها تايلاند أخيراً، التي هددت بشكل خطير السلام والاستقرار في المنطقة، أطلب منكم عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لوقف عدوان تايلاند". وحضّت الصين مواطنيها في كمبوديا، أمس الخميس، على تجنب الذهاب إلى المناطق القريبة من الحدود مع تايلاند، حسبما جاء في بيان نشر على موقع السفارة.

وأضاف البيان: "تنصح السفارة الصينية في كمبوديا المواطنين الصينيين... بمراقبة الوضع الأمني المحلي عن كثب والحفاظ على اليقظة واتخاذ احتياطات معززة، وضمان سلامتهم الشخصية". في مايو/أيار الماضي، تحوّل نزاع حدودي طويل الأمد في منطقة تعرف بالمثلّث الزمردي تتقاطع فيها حدود البلدين مع حدود لاوس، إلى مواجهة عسكرية قتل فيها جندي كمبودي. وهي منطقة تبعد عن الاشتباكات التي اندلعت أمس الخميس، أكثر من 400 كيلومتر. مع العلم أنه في عام 2000 تحول المثلّث إلى مشروع للتعاون الدولي من أجل تعزيز السياحة والتنمية الاقتصادية في الدول الثلاث. ومذاك، يتقاذف الطرفان الاتهامات ويتبادلان الردود الانتقامية وقد قيّدت تايلاند حركة العبور عبر الحدود، فيما علّقت كمبوديا بعض الواردات وخفض البلدان الممثلات الدبلوماسية. وكانت آخر اشتباكات حدودية حول معبد برياه فيهيار بين عامَي 2008 و2011 وأسفرت عن مقتل 28 شخصاً على الأقل ونزوح عشرات الآلاف.


يتمحور الخلاف حول منطقة تضم معابد بوذية

دور فرنسا في الصراع

وتتنازع تايلاند وكمبوديا على السيادة في نقاط مختلفة غير محددة على طول حدودهما البرية التي يبلغ طولها 817 كيلومتراً. وتعود جذور النزاع إلى خريطة رسمتها فرنسا عام 1907 حين كانت كمبوديا تحت الحكم الفرنسي. استخدمت كمبوديا تلك الخريطة لاحقاً مُستَنَداً لمطالبتها بأجزاء من الحدود مع تايلاند، لكن غموض المعالم الجغرافية فيها أدى إلى تفسيرات متضاربة. لم تقبل تايلاند بصحة الخريطة، ليندلع الاشتباك بين البلدين في عام 2008، مع عبور حوالي 50 جندياً تايلاندياً إلى منطقة معبد كيو سيخا كيري سفارا الواقع في أراضي كمبوديا على بعد حوالي 300 متر من معبد برياه فيهير، بحسب بنوم بنه. ادعت بانكوك أن ترسيم الحدود لم يُطبق بعد على الأجزاء الخارجية من المنطقة القريبة من المعبد؛ والتي حُكِمت على أنها كمبودية بتسعة إلى ثلاثة قرارات أصدرتها محكمة العدل الدولية في عام 1962. لاحقاً تحول معبد براسات تا موان ثوم إلى أزمة حدودية أيضاً، إذ اتهمت كمبوديا القوات التايلاندية باحتلاله. وكانت محكمة العدل الدولية قد أعلنت في عام 2013 في قرار بالإجماع أن حكمها الصادر في عام 1962 قد منح المناطق المحيطة بمعبد برياه فيهيار إلى كمبوديا، لكن تايلاند رفضت ذلك. 

(فرانس برس، رويترز، أسوشييتد برس، قنا)

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية