محمد لافي.. مسيرة شكّلتها التحولات السياسية
Arab
4 hours ago
share

رحل أول أمس الجمعة في العاصمة الأردنية عمّان الشاعر الفلسطيني محمد لافي (1945–2025) عن عمر ناهز الثمانين عاماً، بعد تجربة شعرية امتدت أكثر من خمسة عقود، شكّلت مرآة لتحوّلات القضية الفلسطينية من النكبة حتى الزمن الراهن. وُلد لافي في قرية حتّا قرب غزة، وانتقل إلى الضفة الغربية إثر نكبة 1948، ثم غادر فلسطين نهائياً بعد نكسة 1967، ليعيش ويكتب من المنفى في بيروت ودمشق وعمّان.

يُعدّ لافي من شعراء السبعينيات، وقد نشر أولى مجموعاته، "مواويل على دروب الغربة" (1973)، ضمن مرحلة مبكرة من شعر المقاومة، تلتها دواوين تعكس نبرة التمرد والحنين والمأساة، مثل "الانحدار من كهف الرقيم" (1975)، و"قصيدة الخروج" (1985). وتُقرأ هذه المرحلة في سياق تجربة شعراء المنفى الفلسطيني، الذين حملوا هموم القضية من خارج الأرض، وكتبوا في أجواء الحصار والمقاومة.

مع خروج منظمة التحرير من بيروت، ثم توقيع اتفاق أوسلو، دخل لافي مرحلة شعرية جديدة اتسمت بالبعد الذاتي والحدّة السياسية. عبّر عن هذا التحوّل في دواوين مثل "نقوش الولد الضال" (1990) و"مقفّى بالرماة" (1993)، حيث انكمشت القصيدة، وازداد تكثيفها، وبرز فيها الموقف السياسي الرافض للتسوية وما سماه "شرعنة التنازل".

شكلت تجربته مرآة لتحوّلات القضية الفلسطينية من النكبة حتى وفاته

وفي أعماله الأخيرة، مثل "ويقول الرصيف" (2005)، و"غيم على قافية الوحيد" (2024)، انعكست خيبة الإنسان الفلسطيني في المنفى الذي اختبر الشتات وعاش التهجير، وانكسار الأحلام الجماعية، مع شعور متنامٍ بالتهميش والهامشية. صارت القصيدة لديه أقرب إلى تأملات يومية ساخرة، تنبض بأسى العزلة وتآكل الوعود، مع شعور مريرٍ بالخسارة والعجز.

ينتمي الراحل إلى الجيل الثاني من شعراء المقاومة الفلسطينية الذين كتبوا في المنفى الفلسطيني مثل أحمد دحبور (1946–2017)، وعز الدين المناصرة (1946–2021). هؤلاء عاشوا وكتبوا في الشتات في بيروت وعمّان ودمشق، وعرفوا الهزيمة من خارج الجغرافيا، فلم يكتبوا قصائد جماهيرية وتحريضية بالمقارنة مع شعراء عاشوا وكتبوا في الداخل الفلسطيني مثل محمود درويش، وسميح القاسم، فبقيت تجاربهم الشعرية بعيدةً نسبياً عن الضوء. 

إلى جانب الشعر، كتب لافي القصة القصيرة والمقالة السياسية الساخرة، وعمل في التدريس والصحافة في سورية والأردن. قدّم برنامجاً إذاعياً بعنوان "قضية وشاعر"، وكتب سيناريو الفيلم الوثائقي "الحكيم... جورج حبش". وقد جمع بيت الشعر في رام الله دواوينه الأولى في كتاب شامل بعنوان "الأعمال الناجزة" (2011). يطوي رحيل لافي صفحة شاعر كتب من المنفى، ورصد تحولات السياسة والمقاومة من الخارج، متمسّكاً بالكلمة رغم كل خيباتها، ومؤمناً بدور الشعر في زمن الانكسار.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows