صراع الشركات الكبرى على عباقرة الذكاء الاصطناعي
Arab
5 hours ago
share

في وادي السيليكون، تنشغل ألمع العقول في مجال الذكاء الاصطناعي في الحديث عما يُعرف بـ"القائمة"، وهي مجموعة منتقاة تضم أكثر الباحثين والمهندسين تميزاً وموهبة. هذه القائمة يجرى إعدادها منذ أشهر من قِبل مارك زوكربيرغ الذي يسعى لاستقطاب هؤلاء النجوم للعمل في مشروعه الجديد في شركة ميتا.

وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، تضم القائمة أسماء بارزة مثل الباحث في الرؤية الحاسوبية واللغة متعددة الوسائط لوكاس باير، والمتخصص في تقنيات التعرف التلقائي على الكلام يو تشانغ، والخبير في التعلم الآلي واسع النطاق ميشا بيلينكو. كلهم يحملون شهادات دكتوراه من جامعات عريقة مثل بيركلي وكارنيغي ميلون. معظمهم قضوا سنوات في شركات بارزة مثل "أوبن إيه آي" في سان فرانسيسكو و"ديبمايند" التابعة لـ"غوغل" في لندن، وهم في أواخر العشرينيات أو أوائل الثلاثينيات من العمر. هذه المواهب لم تحظَ بهذا القدر من الاهتمام والتقدير من قبل، وتحولت الآن إلى "كنوز" نادرة تتنافس عليها شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر مليارات الدولارات في الثورة المقبلة.

زوكربيرغ وخطته لجذب نجوم الذكاء الاصطناعي

في قلب هذا السباق المحموم في قطاع الذكاء الاصطناعي، يقود مارك زوكربيرغ حملة استقطاب لهؤلاء الباحثين الموهوبين، ويعرض حزم تعويض تصل إلى 100 مليون دولار لبعض النجوم الاستثنائيين. الهدف هو تكوين فريق "الذكاء الفائق"، وهو مشروع يسعى لتطوير ذكاء اصطناعي متفوق على الذكاء البشري، وهو توجه طموح وجريء يعكس رغبة "ميتا" في أن تكون في طليعة السباق التكنولوجي بعد إخفاق نموذجها الأخير الذي أُطلق في إبريل/ نيسان الماضي. يشبه أحد المرشحين الذين تواصلت معهم "وول ستريت جورنال" هدف "ميتا" بـ"نقل دم" من أفضل مختبرات الذكاء الاصطناعي في البلاد إلى مختبر الشركة الجديد. لكن مجتمع الباحثين في هذا المجال محدود، والولاءات بينهم تتجاوز إطار الشركات، حيث يتبادلون المعلومات ويخططون مستقبلاً مشتركاً، ويتفاوض بعضهم ككتل، في حين يحصل آخرون على عروض مغرية للبقاء في شركاتهم الأصلية.

يقود فريق "الذكاء الفائق" في "ميتا" ألكسندر وانغ، البالغ من العمر 28 عاماً، ابن فيزيائيين مهاجرين من الصين يعملان في مختبر لوس ألاموس الوطني في نيو مكسيكو. بدأ وانغ اهتمامه بريادة الأعمال منذ الصف التاسع، حين أنشأ مع صديق له مستند "غوغل" يضم أفكاراً لمشاريع ناشئة. وفي خطوة غير مسبوقة، دفعت "ميتا" هذا الشهر 14 مليار دولار مقابل حصة في شركته "سكيل إيه آي"، مما يجعل هذه الصفقة من بين الكبريات في تاريخ وادي السيليكون. أما لوكاس باير الذي انضم حديثاً إلى فريق "ميتا"، فنشأ في بلجيكا وكان يحلم بتصميم ألعاب فيديو. تخرج في الهندسة الميكانيكية، لكنه سرعان ما اتجه إلى الذكاء الاصطناعي بعد إدراكه أن الفيزياء الكمومية ليست مجاله. عندما تقدم لوظيفة مهندس برمجيات في "غوغل" قبل أكثر من عقد رفض طلبه، مما دفعه لمتابعة دراسة الدكتوراه، متخصصاً في الرؤية الحاسوبية وإدراك الروبوتات. حين بدأ مسيرته المهنية، تلقى عروضاً من معظم مختبرات الذكاء الاصطناعي الكبرى باستثناء "ميتا" التي لم ترد عليه. لكنه اليوم يتلقى اتصالات مباشرة من مارك زوكربيرغ نفسه. بعد ست سنوات قضاها باحثاً رئيسياً في "غوغل برين" و"ديبمايند"، أسس مكتب "أوبن إيه آي" في زيورخ، قبل أن ينضم مع زملائه إلى "ميتا".

كبار المسؤولين التنفيذيين، مثل سام ألتمان (أوبن إيه آي) وإيلون ماسك (إكس إيه آي) وسوندار بيتشاي (غوغل)، يشاركون مباشرة في جهود جذب الباحثين، من خلال دعوات للعب البوكر أو لقاءات عشاء خاصة. زوكربيرغ يشرف شخصياً على مجموعات دردشة مع مسؤولين في "ميتا" لمتابعة استراتيجيات التوظيف واختيار أفضل الوسائل للتواصل مع المرشحين، وفقاً لـ"وول ستريت جورنال".

وفي هذا السياق، فإن مختبرات بارزة مثل "أنثروبيك" و"أوبن إيه آي"، تتخذ إجراءات أمنية صارمة لحماية الاكتشافات البحثية. الباحثون يعملون في طوابق مغلقة، غالباً ما تُسدل فيها الستائر لمنع الرصد. وفي شركة "سيف سوبر إنتليجنس"، يُطلب من المتقدمين للمقابلات ترك هواتفهم داخل قفص "فاراداي" لمنع إرسال واستقبال إشارات لاسلكية، وذلك خشيةً من التجسس الصناعي. هذا القلق دفع مسؤولي "أنثروبيك" لدعوة عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي للتحدث إلى الموظفين حول المخاطر المحتملة التي قد يتعرضون لها.

الاستثمار في الكفاءات البشرية

مع الإنفاق الضخم على الذكاء الاصطناعي، يُعامل الباحثون اليوم كنجوم دوري كرة السلة الأميركي، إلا أن تقييم أدائهم وعائد الاستثمار منهم يختلفان بسبب غموض أبحاثهم وتعقيدها. يعتمد الرؤساء التنفيذيون على مؤشرات مثل عدد الأوراق البحثية وعدد الاقتباسات كمقياس لجودة العمل. وفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، فإن زوكربيرغ نفسه يغوص في قراءة الأوراق البحثية، ويبحث بين سطورها عن المهندسين والعلماء الأكثر موهبة، ويشارك في مجموعات دردشة خاصة مع مسؤولي التوظيف لوضع استراتيجيات جذبهم، مع التركيز على التواصل عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية أو "واتساب". المهارات المطلوبة لا تقتصر على درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب، بل تشمل إلماماً عميقاً بالرياضيات المتقدمة، مثل حساب التفاضل والتكامل، والجبر الخطي، ونظرية الاحتمالات، وشهادات دكتوراه من جامعات مثل بيركلي وستانفورد وكارنيغي ميلون ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث لا تتجاوز معدلات القبول 1%.

ترى شركات التكنولوجيا أن دفع رواتب ضخمة لفرق الذكاء الاصطناعي هو استثمار منطقي مقارنة بالتكاليف الهائلة للبنية التحتية اللازمة لتشغيل هذه التقنيات، والتي تشمل مراكز البيانات والعتاد الإلكتروني المكلف. خلال العام الحالي، تخطط "ميتا" لاستثمار نحو 70 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي، بينما تنفق "أمازون" و"مايكروسوفت" و"ألفابت" مبالغ مماثلة أو أكبر. ومع ذلك، يوضح المطلعون في هذا المجال أن الباحثين لا يجذبهم المال فقط، بل توفر الشركات الكبرى البيئة المناسبة للابتكار من خلال توفير القدرة الحاسوبية والبيانات والبنية التحتية والتجارب الحرة.

التحديات

على الرغم من العروض المغرية، يواجه زوكربيرغ صعوبات في جذب بعض كبار النجوم، بسبب سجل "ميتا" المتأخر في الذكاء الاصطناعي التوليدي. بعد إطلاق نموذج Llama 4 من دون ضجة كبيرة، ابتعد بعض الباحثين عن المشروع، بل وحذفوه من سيرهم الذاتية. كما لم يستطع زوكربيرغ إقناع إيليا سوتسكيفر، الشريك المؤسس لـ"أوبن إيه آي"، ومدير الأبحاث مارك تشين، بالانضمام إلى "ميتا".

يتسم مجتمع الباحثين في الذكاء الاصطناعي بترابط شديد، حيث يعيش بعضهم معاً في بيوت جماعية في سان فرانسيسكو، يتبادلون الأفكار والأوراق العلمية التي قد تحمل سر الاختراق الكبير المقبل. على سبيل المثال، الطالب بيل بيبلز، الذي أتم أطروحته في بيركلي عام 2023، شكر زميله تيم بروكس على التشابه في اهتماماتهما البحثية. كلاهما انضم إلى "أوبن إيه آي"، وقادا مشروع مولّد الفيديو النصي "سورا" عام 2024، قبل أن ينتقل بروكس إلى "ديبمايند"، بينما بقي بيبلز في "أوبن إيه آي" رغم محاولات "ميتا" لاستقطابه.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows