المشروع X... بيان سينمائي وارتياب الهوية
Arab
5 hours ago
share

في بداية فيلم "المشروع X" يقف فنّان غامض أمام لوحة أتمّها لتوّه، يشير إلى يوسف (كريم عبد العزيز) أن يتأمّلها. تعرض اللوحة معركةً بين نسرين أصلعين، أحدهما واقف مختال فارداً جناحيه، يمثّل شعار الولايات المتحدة، والثاني يضم جناحيه منزوياً متألماً. يخبر الرجل الغامض يوسف أنه يؤمن بعودة هذا النسر المتألم، القادر على مداواة جروحه.
هذا الفنان، وهو ضابط مقتنٍ للتحف والآثار، يقدمه المخرج بيتر ميمي بهالة من الغموض، باستخدام عدسات واسعة تُبرز ملامحه عن قرب، وسط ضوء خافت وألوان داكنة متدرجة مع الأصفر، في موقع تصوير شتوي بسيناء يوحي بالقوة والسيطرة. إلا أن الحوار الذي دار في هذا المشهد، تحديداً استعارة التيه عقاباً للخيانة، أضعف من التأثير البصري، وكرّس خطاباً سياسياً مألوفاً.
المخرج بيتر ميمي، المعروف بإخراج ثلاثية "الاختيار" التي روّجت لرؤية الدولة حول السياسة والأمن، يقدم في "المشروع X" عملاً مختلفاً على مستوى الإنتاج، بعد خطوات ناجحة في "بيت الروبي" و"الحشاشين" و"شلبي"، وأيضاً بصفته منتجاً في "دواعي السفر". الفيلم الذي بدأ عرضه في مايو/ أيار 2025، يوصف بأنه أضخم إنتاج في تاريخ السينما المصرية، وقد جرت عمليات تصوير واسعة له في روما والفاتيكان والسلفادور، بمشاركة ممثلين وتقنيين أجانب.

تدور أحداث الفيلم حول يوسف الجمال، الباحث الأثري المُعيد بجامعة القاهرة، الذي يسعى هو وزوجته لاكتشاف الغرفة السرية في الهرم الأكبر. بعد مقتل زوجته في حادث غامض يُتهم فيه، تظهر له شخصية غامضة هي آسر (إياد نصار)، رجل أعمال يعرض عليه التمويل والحماية وفيديو يثبت براءته، ويفتح له باباً لاستعادة علاقته بابنته أمنية. من هنا تبدأ الرحلة التي تمر عبر الفاتيكان إلى السلفادور وصولاً إلى مصر، بمساعدة حبيبته السابقة مريم (ياسمين صبري)، محترفة الغوص.
يتزامن عرض الفيلم مع احتدام المنافسة المصرية - السعودية في الإنتاج الفني، إذ اختارت شركة سينرجي أن تدخل المنافسة بمشروع ضخم، وغيّرت علامتها التجارية إلى Synergy Plus. وقد صُوّر أكثر من نصف مشاهد الفيلم في روما والفاتيكان، بما في ذلك مشاهد مطاردات عالية المستوى، بمشاركة الحرس السويسري ومشاهد داخل الفاتيكان نفسه، في خطوة غير مسبوقة في الإنتاج المصري.
رغم الصورة الغنية والإنتاج الفخم، فإن السيناريو، الذي كتبه ميمي بنفسه، يعاني من خلل في الإيقاع والحبكة، خصوصاً في الثلث الأخير. الحبكة تتعجل، والنهاية تبدو مفتعلة وغير مقنعة. هذا تكرار لمشكلة ظهرت في مشاريع سابقة لبيتر ميمي حين يتولى كتابة السيناريو، على عكس الأعمال التي يكتبها غيره.
في الأداء التمثيلي، تميز عصام السقا بشخصية متزنة، فيما ظل كريم عبد العزيز يعتمد على كاريزمته المعتادة. يوسف، كشخصية، لم يُقدم عالم آثار بل مغامر ضل الطريق، أما زوجته، التي تُبنى عليها نظريات الفيلم، فلم تظهر إلا في مشاهد قليلة ولم تُمنح مساحة درامية كافية.
يخاطب الفيلم جمهوراً بعينه: أولئك المتحمسون للهوية الفرعونية، الذين ينتشرون على وسائل التواصل ويمارسون تمجيداً قومياً استعلائياً للحضارة المصرية القديمة، في مقابل نفي الأصل العربي، مستندين إلى نظريات زائفة وأدبيات استشراقية. هؤلاء هم الثمرة التي ترعاها السلطة وتغذي سرديتها.

ولا يمكن فصل الفيلم عن السياق السياسي، تحديداً في ظل الإبادة المستمرة في غزة، وتخاذل الموقف المصري الرسمي. عبر "المشروع X"، تقدم السلطة سرديتها: مصر العظيمة المستهدفة، الحضارة التي تحسدها الأمم، ويجب الاصطفاف خلفها. يتعزز هذا الخطاب من خلال شخصية آسر هارون، رجل الأعمال الشرير ذي الأصل اليهودي، في استدعاء نمطي يُعيد إنتاج خطاب الكراهية الذي عرفته مصر في خمسينيات القرن الماضي.
لطالما اعتبرت الدولة المصرية السينما صناعة قومية وأداة ترويجية لسياساتها، منذ الخمسينيات وحتى اليوم. وما تغيّر فقط هو المضمون؛ من الاشتراكية والقومية العربية، إلى هوية فرعونية قومية انغلاقية. الرئيس المصري نفسه عبّر عن قلقه من تراجع التأثير السينمائي، وجاء هذا الفيلم استجابة مباشرة لذلك القلق.

مشاهد التصوير في إيطاليا منحت المشاهد نوعاً من الانفتاح البصري، بعيداً عن النمطية المعهودة في الإنتاج المصري. مشاعر الاندهاش التي تولّدت تُشبه تلك التي اختبرها جيل عند عرض فيلم "حرب إيطاليا" عام 2005. في كلا العملين، تلعب الرحلة البصرية خارج مصر دوراً مهماً في جذب الجمهور وتقديم مغامرة بنكهة عالمية.
لكن في المقابل، هناك غياب مؤلم لأصوات المخرجين المصريين المستقلين. داوود عبد السيد، إبراهيم البطوط، تامر السعيد، عمر الزهيري... بعضهم اعتزل، وآخرون مُنع عرض أفلامهم. وفي مهرجان كان 2025، عُرض فيلم "نسور الجمهورية" لطارق صالح، المخرج المصري المقيم في الخارج، الذي تحدث عن الملاحقة الممنهجة لصنّاع الأفلام غير المتماشين مع سردية الدولة.
"المشروع X" هو أكثر من فيلم. إنه بيان سينمائي يعلن نوع الثقافة التي تريدها الدولة: حضارة فرعونية صلبة، وهوية مستهدفة، وسردية واحدة لا تقبل التعدد. كل ذلك مغلف بميزانية ضخمة وصورة سينمائية خلابة... لكن بفكر منغلق لا يزال يؤمن أن الفن أداة للسيطرة لا مساحة للحوار.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows