صواريخ الفقراء مقابل طائرات الأغنياء
Arab
4 hours ago
share

مع انتهاء المواجهة بين إسرائيل وإيران، اتّضحت الصورة، وتجلت الحقائق التي مهّدت، ورافقت، ونتجت من تلك المواجهة القصيرة نسبياً. وكما يحدث، في كل صراعٍ سيخرج كل طرفٍ ليضخّم إنجازاته، ويقلص صورة خسائره. وبالطبع، كان أكبر الدجّالين والمضلّلين وما زال بنيامين نتنياهو، الذي سيدّعي انتصارات لم يحققها، وإنجازات لم يتمّها، وإنْ حقّق حلماً عمره 40 عاماً، أن يقصف إيران ويحاول تدمير مفاعلاتها النووية، وأن يدخل التاريخ باعتباره ملك إسرائيل الذي لا يُنازع.

وسواء أشاء نتنياهو أم أبى، هناك حقائق سياسية وعسكرية وجيوسياسية كشفتها تلك المعركة، ويُحسن المسؤولون والمتابعون والمحلّلون صنعاً إن حاولوا تفهمها.

أولاً: ما انتهى في 24 يونيو/ حزيران هو المعركة والمواجهة، وليس الحرب القائمة، التي ستستمر بأشكال ووسائل أخرى. وذلك ما أكّده رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، الذي وعد بالعودة إلى القتال. إذ لم يُهزم أيٌّ من الطرفين، ولا كُسرت إرادة أي منهما، والقضية الجوهرية التي يدور عليها الصراع ما زالت مفتوحة على مصراعيها، سواء نضال الشعب الفلسطيني ضد محاولات إبادته وتصفية حقوقه وقضيته الوطنية، أو مساعي إسرائيل في أن تكون القوة الإمبريالية المهيمنة، بدعم أميركي، على الشرق الأوسط بكامله، سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً وعسكرياً. أو إصرار إيران على أن تبقى قوة إقليمية مؤثرة.

ثانياً: لم تكن إسرائيل قادرة على خوض الحرب ضد إيران من دون مشاركة الولايات المتحدة ودعمها وموافقتها. ولولا ذلك لما تأخّر الهجوم الإسرائيلي سنوات، بل ثبت مجدّداً أن إسرائيل غير قادرة على صد أي هجمات عليها من دون دعم مباشر من الولايات المتحدة. وخلاصة ذلك، أن اعتماد إسرائيل على الدعم الأميركي أصبح مطلقاً، ولذلك أبعاد استراتيجية مهمة.

أكبر تحدٍّ واجهته إيران، وما زالت، مستوى الاختراق الاستخباري الإسرائيلي لها

ثالثاً: إسرائيل والولايات المتحدة باداراتها الديمقراطية والجمهورية يمثلان تحالفاً لا ينفصم، يخطّطان معاً، يتآمران معاً، ويمارسان الخداع معاً، ينفذان معاً وينظمان الخروج من المواجهة، عند فشلهما في تحقيق أهدافهما، معاً. وحتى ينهض جيل جديد، قد يكون مختلفاً من الأوساط الديمقراطية، فإن هذا التحالف هو الحقيقة السياسية التي على الجميع التعامل معها. وليس هذا جديداً، فهو قائم منذ فشل العدوان الثلاثي عام 1956 على مصر، وعندما قرّر بن غوريون نقل مركز ثقل تحالفات إسرائيل الاستراتيجي إلى الولايات المتحدة.

رابعاً: معظم الحكومات الأوروبية، باستثناء دول مهمة كإسبانيا وإيرلندا، اصطفت أوتوماتيكياً إلى جانب إسرائيل في ما سمته "حقها في الدفاع عن نفسها"، وهي تمارس الهجوم العسكري على إيران، وحتى قبل أن تردّ إيران على العدوان. ولم تعتبر هذه الحكومات مما اعترف به الرئيس الفرنسي ماكرون من تبنّيها للمعايير المزدوجة عندما تعلق الأمر بفلسطين وإسرائيل، مقارنةً بروسيا وأوكرانيا.

خامساً: أكبر تحدٍّ واجهته إيران، وما زالت، مستوى الاختراق الاستخباري الإسرائيلي لها، الذي استخدم بالتأكيد بعض التناقضات الداخلية فيها، والتعاون المحتمل من بعض جيرانها، وهو اختراقٌ لم يقتصر على ما ظهر في الحرب أخيراً، بل كانت اغتيالات عديدة سابقة مؤشّرات واضحة على وجوده. وإذا ما أخذ في الاعتبار أن المرحلة المقبلة من الحرب على إيران ستكون محاولة زعزعة بنائها الداخلي، تبدو معالجة هذا الأمر مهمّة حاسمة للجانب الإيراني.

سادساً: في حين أن المحور الداعم لإسرائيل والولايات المتحدة على الصعيد الدولي ناضج وواضح تماماً، فإن المحور المضاد، إذا كان هناك اعتقاد بأننا ننتقل إلى عالم متعدّد الأقطاب، لم ينضج بعد. علماً أن كلاً من الصين وروسيا كانت من الدول المستهدفة استراتيجياً من هذه الحرب في إطار حرب التنافس العالمي، عسكرياً واقتصادياً، بما في ذلك محاولات شق ممرّ تجاري – تطبيعي من الهند إلى إسرائيل لمنافسة فكرة طريق الحرير الصينية، ولم يكن مصادفةً تكرار ترامب التفاخر بقدرات الأسلحة الأميركية التي ادّعى أنها تسبق الآخرين 20 عاماً. وكأن الغرض من استعمال تلك الأسلحة إرسال رسالة مشابهة لرسالة الولايات المتحدة إلى الاتحاد السوفييتي عندما قصفت اليابان، من دون ضرورة، بالقنابل النووية. ولعل تركيا بالمناسبة، فهمت أو ستفهم، أن دورها قادم في مخطّط نتنياهو لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لو أنها نجحت في كسر إيران وتغيير نظامها.

ما تعرّض له الشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي متكرّر على يد إسرائيل وأعوانها، هو جوهر كل الصراع في الشرق الأوسط

سابعاً: اضطرّت إيران في ظل افتقارها إلى سلاح الجو والإمكانات المالية الضخمة، أو طائرات حديثة، أن تركز استراتيجيتها العسكرية على تطوير الصواريخ والمسيّرات الأقل كلفة، ونجحت في الواقع بذلك، فبدا أن ما جرى في تلك المواجهة حربٌ بين صواريخ الفقراء وطائرات الأغنياء. ويعترف المحللون العسكريون العالميون والإسرائيليون بأن استراتيجية إسرائيل والولايات المتحدة الدفاعية، بكل منظوماتها المتعددة وباهظة التكاليف، فشلت في مواجهة التحدي الذي مثلته الصواريخ الإيرانية. وكان الاستنزاف الاقتصادي والبشري العميق بوضع إسرائيل بكاملها في الملاجئ، السبب الرئيس لرغبتها في إنهاء هذه المعركة.

ثامناً: أظهرت هذه المعركة، مثل حروب إسرائيل على غزّة سابقاً، نقاط الضعف الإسرائيلية الرئيسية الثلاث: الحساسية للخسائر البشرية، والحساسية للخسائر الاقتصادية، والحساسية للخسائر المعنوية والأخلاقية، وربما وجب إضافة نقطة ضعف رابعة، عدم وجود طاقة داخلية على خوض حروبٍ شاملة فترات طويلة.

تاسعاً: بناءً على النقطة السابقة، ما مُسَّ في الحرب أخيراً مع إيران هو المناعة الإسرائيلية الداخلية، لكيان اعتاد الحروب الخاطفة والانتصارات السريعة، التي تُبقي بنيانه الداخلي ومجتمعه حصينين، فالفشل في التصدّي لجميع الصواريخ الإيرانية أدخل المجتمع الإسرائيلي بكامله في المعركة، وأفقد إسرائيل الحصانة التي اعتادتها في جميع الحروب السابقة منذ 1956.

ما مُسّ في الحرب أخيراً مع إيران هو المناعة الإسرائيلية الداخلية، لكيان اعتاد الحروب الخاطفة والانتصارات السريعة

عاشراً: لم ولن يستطيع أحد تجاوز أم الحقائق، أن القضية الفلسطينية وما تعرّض له الشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي متكرّر على يد إسرائيل وأعوانها، وما يخوضه من نضال بطولي وصمود إعجازي، هو جوهر كل الصراع في الشرق الأوسط، فقد كانت هذه القضية وما زالت السبب الرئيس لدخول إسرائيل في كل هذه الحروب والصراعات مع دول المنطقة، الواحدة تلو الأخرى، ومن عقد إلى آخر، لأن اضطهادها الشعب الفلسطيني لا يمثل فقط مشروع استعمار استيطاني إحلالي لفلسطين، بل مشروع هيمنة إمبريالية على كل دول المنطقة.

أحد عشر: الوقت مبكرٌ للحكم على نتائج الضربات العسكرية الإسرائيلية والأميركية، وإن كانت محطة CNN وصحيفة نيويورك تايمز الأميركيتان قد أكدتا أن الضربات لم تنجح في تصفية برنامج إيران النووي، بل أخّرته بضعة أشهر في أحسن الأحوال، وأن إيران استطاعت الاحتفاظ بالجزء الأكبر من مخزونها النووي.

ثاني عشر: كما عاشت شعوب المنطقة خلال حرب الإبادة على غزّة بكل جوارحها حالة من التعاطف مع فلسطين الممزوج بالغضب على إسرائيل وداعميها، فإنها عاشت المشاعر نفسها، وهي ترى إيران تتعرّض للعدوان، بغضّ النظر عن الخلافات السابقة معها. وفي الحالتين، ترافق ذلك مع شعور عميق بالعجز عن الفعل والتأثير، مع أن هذه الشعوب تعرف، في قرارة نفسها، أنها وبلدانها ومقدّراتها مستهدفة من الأعداء أنفسهم. وذلك أمرٌ لا يمكن أن يستمر من دون عواقب، لأنه مثل ضغط ماء يغلي من دون توقف في إناء مكبوت يبحث بخارُه عن مخرج للانفجار، والحكيم من يتعلم من عبر التاريخ.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows