بيلاروسيا بين التقارب مع الولايات المتحدة والتحالف الروسي
عربي
منذ 3 ساعات
مشاركة

لم تشهد الأشهر السبعة الأولى من حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، استئنافاً للحوار مع روسيا فحسب، بل برزت أيضاً في الأشهر والأسابيع الأخيرة بوادر عدة لتطبيع العلاقات بين بيلاروسيا والولايات المتحدة بعد تدهور كبير لها في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، إثر استخدام القوات الروسية أراضي بيلاروسيا لشن هجمات على مناطق شمال أوكرانيا في الأيام الأولى من الحرب في العام 2022.

من بين علامات الانفراجة وكسر الجمود في العلاقات بين واشنطن ومينسك، ذكر الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، خلال لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في جزيرة فالام شمالي روسيا مطلع أغسطس/آب الحالي، أنه كان قلقاً على ترامب أثناء حملته الانتخابية، ما يمكن قراءته على أنه سعي لتأسيس علاقة مع فريق الرئيس الأميركي الجديد والتوازن سياسياً بين موسكو وواشنطن. ووصف لوكاشينكو ترامب، أثناء زيارته إلى فالام، بأنه "صديقنا المشترك"، من دون أن يفوّت الفرصة لانتقاد المهلة التي حددها لتسوية النزاع في أوكرانيا، قائلاً: "60، 50، 10 أيام. ما هكذا تمارس السياسة. إذا أراد سلاماً، فعليه التعامل بدقة. هذا نزاع مسلح لا يمكن فيه إصدار أوامر، لا سيما لقوة نووية". وأضاف: "التقيت أخيراً مع أميركيين، وهم أصدقائي المقربون، وطلبت منهم إبلاغ الرئيس بأنه يجب التعامل بدقة، ويمكن التوصل إلى اتفاق".


أليس ميخاليفيتش: أعتقد أنه لا مجال للحديث عن أي تطبيع طويل الأجل للعلاقات بين مينسك والغرب


واللافت أن زعيمة المعارضة البيلاروسية في المنفى، المرشحة الخاسرة في انتخابات الرئاسة عام 2020، سفيتلانا تيخانوفسكايا، تحدثت في مقابلة صحافية أخيراً عن تطلعها لمقابلة ترامب، معربة عن أملها في أن يصبح هو وسيطاً في الحوار بين المعارضة البيلاروسية والسلطة. وبذلك خففت تيخانوفسكايا من لهجتها حيال لوكاشينكو بعد أن قرر الإفراج عن زوجها، المدون المعارض سيرغي تيخانوفسكي، وغيره من المعتقلين السياسيين، إثر زيارة مبعوث الرئيس الأميركي إلى روسيا وأوكرانيا، كيث كيلوغ، إلى مينسك في يونيو/حزيران الماضي.

لا تطبيع بين بيلاروسيا والغرب

إلا أن المرشح الرئاسي البيلاروسي السابق، نائب رئيس حركة "من أجل الحرية" المعارضة، أليس ميخاليفيتش، استبعد احتمال أي تطبيع طويل الأجل للعلاقات بين بيلاروسيا والغرب، شاملاً الولايات المتحدة وأوروبا في آن معاً، متوقعاً أن يقتصر تحسين العلاقات على إطار ثنائي بين مينسك وواشنطن. وقال ميخاليفيتش، في تعليق لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنه لا مجال للحديث عن أي تطبيع طويل الأجل للعلاقات بين مينسك والغرب، إذ لا يزال لوكاشينكو ينطلق من الرؤية السوفييتية التي تتلخص في أن الغرب هو هرم تجلس الولايات المتحدة في قمته وعلى الاتحاد الأوروبي الامتثال لها. إلا أن الوضع لم يعد كذلك اليوم، وأعتقد أن لوكاشينكو سيستوعب في لحظة ما استحالة تطبيع العلاقات من دون قبول بلدان غرب أوروبا بذلك".

اللافت أن ولاية ترامب الأولى (2017 - 2021) شهدت هي الأخرى تقارباً أميركياً بيلاروسياً، إذ زار كل من مستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون، ووزير الخارجية مارك بومبيو، مينسك في 2019 و2020 على التوالي، بالتزامن مع تفاقم الخلافات بين موسكو ومينسك بسبب أسعار النفط الروسي المورد إلى المصافي البيلاروسية. إلا أن فتح الحوار بين بيلاروسيا والولايات المتحدة هذه المرة لا يشكل خطراً على العلاقات الروسية البيلاروسية في ظل الشوط الكبير الذي قطعته موسكو ومينسك نحو التكامل في السنوات الأخيرة، واستخلاص دروس الأخطاء السابقة، وفق ما أوضحه الأستاذ المساعد في قسم النظرية السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية كيريل كوكتيش. وقال كوكتيش، في حديث لـ"العربي الجديد": "أوفدت واشنطن كيلوغ إلى مينسك لجس النبض وتقييم مدى جاهزية بيلاروسيا للتعامل معها بوصفها كياناً منفصلاً عن روسيا، ولكن سيناريو ولاية ترامب الأولى غير وارد حالياً، حين حاول بومبيو استغلال الخلاف النفطي بين موسكو ومينسك، وكاد أن ينجح، ولكن البلدين قد استخلصا دروساً من ذلك ولن يسمحا بتكرار الأمر هذه المرة".


كيريل كوكتيش: سيناريو ولاية ترامب الأولى غير وارد حالياً


وكان كيلوغ قد زار مينسك في 21 يونيو الماضي، واستقبله لوكاشينكو في قصر الاستقلال في مينسك. وحينها، أوضحت وكالة بيلتا الرسمية البيلاروسية أن أجندة المفاوضات شملت القضايا الدولية والوضع العام في العالم والملفات الإقليمية والعلاقات البيلاروسية الأميركية. وفي مستهل اللقاء، توجّه لوكاشينكو إلى كيلوغ بالقول: "أثرتم ضجة كبيرة في العالم بزيارتكم. ألا يمكننا إجراء حوار طبيعي والتحدث عن شؤوننا والعلاقات بين بيلاروسيا والولايات المتحدة الأميركية؟".

مينسك تطور العلاقات مع واشنطن

وفي نهاية يوليو/تموز الماضي، أكد القائم بالأعمال البيلاروسي لدى الولايات المتحدة، بافيل شيدلوفسكي، أن مينسك تُطور العلاقات مع واشنطن. وقال شيدلوفسكي في تصريحات صحافية: "حوارنا مع الجانب الأميركي يتواصل، وتم إيجاد صيغة الاتصالات المناسبة، وهي تتواصل". وأضاف أن "السفارة تُجري أيضاً حواراً مع المنظمات المجتمعية الأميركية وأوساط الخبراء، ما يعني أن هناك نوعاً من الاهتمام ببيلاروسيا، ولكن الدبلوماسية تحبذ الصمت، ولذلك ليس لدي شيء آخر أقوله في المرحلة الحالية".

إلا أن التقارب البيلاروسي الأميركي يثير تساؤلات في الداخل الروسي، إذ رأت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن "الوضع الذي باتت فيه روسيا من جهة فرض عقوبات وقيود سياسية عليها، يملي على مينسك ضرورة البحث عن مخرج"، مرجعة ذلك إلى أن كل ما يتعلق بروسيا ينعكس على بيلاروسيا، ولذلك تجس مينسك النبض في الغرب. وعزت "نيزافيسيمايا غازيتا" اهتمام الولايات المتحدة ببيلاروسيا إلى قربها من روسيا، شأنها في ذلك شأن بلدان آسيا الوسطى التي تعد تقليدياً منطقة للنفوذ الروسي. وخلصت إلى أن "رابطة الدولة المستقلة لن تعود منطقة للنفوذ الروسي حصراً".

يذكر أن بيلاروسيا أقرب وأهم حليف لروسيا بين الجمهوريات السوفييتية السابقة إلى حد أن هناك دولة اتحاد بين البلدين. ورغم محاولات مينسك إجراء مناورات بين روسيا والغرب في أعوام 2015 - 2020، إلا أنها عادت في السنوات الأخيرة بشكل كامل إلى دائرة النفوذ الروسي لا سيما في مجال الدفاع والأمن، بعد أن قدمت موسكو ضمانات أمنية لمينسك بموجب العقيدة النووية المعدلة نهاية العام الماضي، ونشرت أسلحة نووية تكتيكية على الأراضي البيلاروسية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية