
على الرغم من التغطية الإعلامية الكثيفة والدعوات الرسمية المتكررة للمشاركة، مرّت انتخابات مجلس الشيوخ في مصر، والتي أجريت داخل البلاد يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بهدوء لافت، كاشفة عن اتساع الفجوة بين الدولة والمواطن، وتأكيداً على ما يعتبره كثيرون حالة "تآكل للثقة" في العملية السياسية برمتها، في وقت تشهد فيه البلاد أزمة اقتصادية خانقة، وتواجه تحديات إقليمية متصاعدة.
العزوف الشعبي عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية في ظل هذه الظروف، لم يكن مجرد "ملاحظة عابرة"، بل مؤشر واضح على أزمة أعمق تتعلق بانسداد المجال العام، وتآكل أدوات المشاركة، وتحول الانتخابات من آلية ديمقراطية إلى طقس شكلي يفتقر للمنافسة الحقيقية والمضمون السياسي الفعّال.
إقبال ضعيف في انتخابات مجلس الشيوخ
منذ اللحظات الأولى لانطلاق التصويت، بدت المؤشرات واضحة: إقبال ضعيف، وغياب للزخم الشعبي، ودوائر انتخابية خالية تقريباً من الطوابير، ومشهد عام يفتقد لأي مظاهر منافسة. ورغم إعلان مرشحي أربعة أحزاب موالية للسلطة، هي مستقبل وطن، والشعب الجمهوري، وحماة الوطن، والجبهة الوطنية، تصدرها النتائج، إلا أن مصداقية هذه النتائج واجهت تساؤلات جدية، لا سيما بعد تسريب بيانات من داخل بعض لجان فرز الأصوات إلى وسائل التواصل الاجتماعي والصحف، تُظهر نسبة تصويت لم تتجاوز 1% في إحدى دوائر محافظة الإسكندرية.
عمرو هاشم ربيع: مع إغلاق المجال العام، وغياب التعددية الحقيقية، تصبح الانتخابات بلا جدوى
ويُعدّ مجلس الشيوخ في مصر، المؤلف من 300 عضو، استشارياً بشكل رئيسي، حيث يُنتخب ثلثا أعضائه، ويُعيّن رئيس الجمهورية الثلث المتبقي. وقد أُعيد مجلس الشيوخ (المعروف باسم مجلس الشورى سابقاً) إلى الحياة النيابية بموجب التعديلات الدستورية التي أجرتها مصر عام 2019. ومن المقرر بموجب الجدول الزمني لانتخابات مجلس الشيوخ، إعلان النتائج لانتخابات 2025، يوم 12 أغسطس/ آب الحالي، على أن تستأنف الدعاية الانتخابية في جولة الإعادة في اليوم نفسه.
وفي هذا السياق، قال المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية، عمرو هاشم ربيع، لـ"العربي الجديد": "الانتخابات مؤشر واحد فقط من مؤشرات الديمقراطية، لكنها في مصر تجري في ظل غياب كامل لبقية المؤشرات، ومع إغلاق المجال العام، وغياب التعددية الحقيقية، تصبح الانتخابات بلا جدوى". وأوضح أن "نظام القائمة المطلقة مثلاً يزوّر الإرادة الشعبية بشكل مقنّن، لأن فوز القائمة بنسبة 51% يمنحها 100% من المقاعد". وتابع ربيع: "مجلس الشيوخ لا يتمتع بصلاحيات حقيقية، وثلث أعضائه يتم تعيينهم من قبل الرئيس، بينما لا يتحرك إلا بتكليف من السلطة التنفيذية. أمام هذا الوضع، فإن المشاركة لا تبدو ذات معنى للناخب، خصوصاً في ظل تفاقم الأزمات المعيشية وغياب الحلول".
وكان اللافت في الانتخابات الأخيرة، أن بعض الأحزاب المنضوية داخل "القائمة الوطنية من أجل مصر"، وهي القائمة المدعومة من السلطة، لم تتردد في التعبير عن تحفظاتها على سير العملية الانتخابية. وأصدر الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وهو أحد مكونات القائمة، بياناً، دان فيه منع وكلاء المرشحين من متابعة عمليات فرز الأصوات داخل اللجان الفرعية والعامة، واعتبر ذلك مخالفة صريحة للقانون، و"مساساً بنزاهة العملية الانتخابية".
وقال قيادي في الحزب، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن منع حضور الوكلاء هدفه "التلاعب في النتائج لصالح أحزاب بعينها"، مشيراً إلى أن "هناك تخوفات مشروعة من تزوير النتائج عبر التلاعب بالأرقام في اللجان العامة، وإضافة آلاف الأصوات لصالح مرشحين مدعومين من السلطة".
شارع غير متحمس
من جهته، قال محمد أنور السادات، رئيس حزب "الإصلاح والتنمية"، وهو أيضاً أحد الأحزاب المنضوية في القائمة الوطنية، إن ضعف المشاركة يعود إلى القوانين المنظمة للعملية الانتخابية التي لم تشجع الأحزاب أو النقابات أو الاتحادات على خوض تجربة انتخابية حقيقية. وأضاف السادات لـ"العربي الجديد": "الناس لم تكن تشعر بأن هناك منافسة، والشارع غير متحمس، وغياب الإشراف القضائي الكامل زاد من حالة فقدان الثقة. لكننا كحزب نؤمن بأهمية المشاركة الإيجابية، ونرفض المقاطعة، لأن الممارسة السياسية لا تُبنى على الانسحاب بل على الحضور حتى لو كانت البيئة صعبة". واعترف السادات بأن بعض الأحزاب "تتمتع بامتيازات واضحة" بحكم قربها من السلطة، معتبرا أن الانتخابات المقبلة لمجلس النواب، والمتوقع انطلاق إجراءاتها في سبتمبر/أيلول المقبل، هي "الفيصل الحقيقي" لمستقبل العمل السياسي في مصر.
محمد أنور السادات: الناس لم تكن تشعر بأن هناك منافسة والشارع غير متحمس
ورصد المجلس القومي لحقوق الانسان مخالفات، تشمل دفع الناخبين للتصويت بمقابل مادي، قدّمها بعض أنصار المرشحين، بما يعد مخالفة صريحة لقواعد الانتخابات النيابية.
وأثارت الانتخابات جدلاً إضافياً بعد الكشف عن حجم الميزانية المخصصة لها. وصرّح مصدر قضائي بارز في الهيئة الوطنية للانتخابات، لـ"العربي الجديد"، أن التكلفة التقديرية للانتخابات بلغت نحو 2 مليار جنيه مصري (41 مليون دولار أميركي) تم اعتمادها رسميا من وزارة المالية، لتغطية كافة مراحل العملية الانتخابية. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الميزانية شملت مكافآت لأكثر من 9500 قاضٍ من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، إضافة إلى مكافآت لرجال الشرطة والموظفين المدنيين المكلفين بإدارة اللجان وتجهيز المقار الانتخابية. وتضمّنت البنود أيضا نفقات ضخمة للإعاشة، تشمل الإقامة والوجبات في فنادق واستراحات حكومية، لا سيما في المحافظات البعيدة.
وفي سابقة منذ ثورة يناير (2011) أُجريت الانتخابات من دون إشراف قضائي كامل، إذ تولى العملية قضاة من هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة، بدلاً من قضاة المحاكم العادية والنيابة العامة. ويأتي هذا التحول تطبيقا لنص دستوري ينهي الإشراف القضائي بعد عشر سنوات من إقرار دستور 2014. هذا التغيير أثار انتقادات عديدة، إذ رأى فيه مراقبون نقطة ضعف كبيرة في ضمان نزاهة الانتخابات، وزاد من حالة الشك الشعبي في جدية الاستحقاق الانتخابي، خاصة في ظل غياب المراقبة الدولية المستقلة.
وتتقاطع كل هذه العوامل، ضعف المنافسة، وغياب الشفافية، وانعدام الصلاحيات، وغياب الرقابة، لتشكل أزمة ثقة متفاقمة بين المواطن والنظام السياسي، حيث يرى كثيرون أن مشاركتهم في الانتخابات لن تُحدث أي فارق حقيقي. وقال هاشم ربيع في هذا السياق: "الناس ملت، المشاكل بتزيد، والانتخابات بقت شكلية. لمّا المواطن يلاقي إن لا شيء يتغير، والظروف من سيئ إلى أسوأ، طبيعي يفقد الإيمان بالعملية كلها".

أخبار ذات صلة.
