
أصدر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الفيليبيني فرديناند ماركوس الابن، الثلاثاء الماضي، من نيودلهي، إعلاناً مشتركاً، بشأن إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين. وبينما يُركّز الإعلان في معظمه على التعاون الثنائي في مجالات تشمل السياسة والاقتصاد والعلوم والدفاع والأمن، يُسلّط قسمٌ خاص بعنوان "الإقليمي والمتعدد الأطراف والدولي" الضوء على قرار التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، مُعتبراً إياه إنجازاً هاماً وأساساً لحل النزاعات، وفقاً للقانون الدولي.
بحر الصين الجنوبي في وثيقة مشتركة
واعتبرت وسائل إعلام صينية أن إشارة الوثيقة بشكل ملحوظ إلى قرار التحكيم الصادر في عام 2016 بشأن بحر الصين الجنوبي، وهي قضية لا علاقة لها بالهند، تدخل في قضية إقليمية ثنائية تخص بكين ومانيلا، خصوصاً أن الإعلان يتزامن مع إجراء الهند والفيليبين مناورة بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي خلال الأسبوع الحالي. وكانت بكين أثارت حفيظة دول جنوب شرق آسيا بسبب تأكيدها ملكيتها لمعظمَ الممرّ المائي الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي، على الرغم من حكم دولي صدر عن محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي في 2016 أفاد بأن هذا الادّعاء لا أساس قانونياً له. ووضع هذا الأمر الصين في منافسة مع بروناي وماليزيا والفيليبين وتايوان وفيتنام، التي لها مطالبات جزئية في المناطق المتنازع عليها. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بكين ومانيلا تصعيداً في المواجهات، بما في ذلك حوادث الاصطدام بالقوارب وإطلاق سفن خفر السواحل الصينية مدافع المياه على نظيرتها الفيليبينية، وقد أثارت هذه الاشتباكات مخاوف من أنها قد تجرّ الولايات المتحدة، حليفة مانيلا الأمنية منذ فترة طويلة، إلى صدام مسلح مع الصين.
يُسلّط الإعلان الهندي الفيليبيني الضوء على قرار التحكيم بشأن بحر الصين الجنوبي
وحذرت صحيفة غلوبال تايمز الصينية الحكومية، أمس الأول الأربعاء، من أن خطوات الهند والفيليبين قد تزيد تعقيد الوضع في بحر الصين الجنوبي، وتتناقض مع دعوة الإعلان نفسه إلى الالتزام بالوسائل السلمية والبنّاءة لحل النزاعات وإدارتها. وشدّدت على أن قضية بحر الصين الجنوبي يجب معالجتها بشكل ثنائي بين الصين والفيليبين، وأن محاولات مانيلا إشراك أطراف خارجية غير حكيمة وتأتي بنتائج عكسية، كما أن تدخّل الهند، بصفتها قوة خارجية، ليس معقولاً ولا مسؤولاً.
ولفتت الصحيفة الصينية إلى أنه على الرغم من نبرة المواجهة في الوثيقة، لا يمكن للهند ولا الفيليبين تجاهل أهمية التعاون مع الصين، وأن استخدام قضية بحر الصين الجنوبي ورقة ضغط سياسية لا يؤدي إلا إلى تأجيج التوترات ولا يُفيد العلاقات الثنائية مع الصين. وأكدت أن بكين ملتزمة بالتسوية السلمية للنزاعات مع الدول الأخرى المعنية من خلال التفاوض والتشاور، والجهود المشتركة مع دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لتنفيذ إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي بشكل كامل وفعّال، واعتماد مدونة قواعد سلوك في أقرب وقت ممكن.
ذريعة سياسية
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، قو جيا كون، قد صرّح في إفادة صحافية الثلاثاء الماضي، ردّاً على المناورات البحرية المشتركة، بأن النزاعات على الأراضي والحقوق والمصالح البحرية ينبغي تسويتها من خلال التفاوض والتشاور بين الدول المعنية مباشرةً، ولا يجوز لأي طرف ثالث التدخل في ذلك. كما أصدرت قيادة العمليات الجنوبية للجيش الصيني بياناً، استنكرت فيه المناورات المشتركة بين الهند والفيليبين، واصفةً إياها بـ"خطوة مزعزعة للاستقرار من جانب الفيليبين تهدف إلى استقدام قوى خارجية لإثارة الاضطرابات في بحر الصين الجنوبي". ولفتت إلى أن أي نشاط عسكري يهدف إلى إثارة التوتر في بحر الصين الجنوبي سيخضع للمراقبة الكاملة.
جينغ وي: تحاول نيودلهي تقديم التزامات غير واقعية بشأن أمن المنطقة المتنازع عليها وترويج أسلحتها
في تعليقه على التقارب بين الهند والفيليبين في ما يتعلق بموقف الدولتين من الأزمة في بحر الصين الجنوبي، قال الخبير المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مثل هذه الأنشطة والتصريحات لا تعدو كونها ذريعة سياسية مكشوفة لتعزيز التحالفات العسكرية بين قوتين لديهما نزاعات برّية وبحرية مع الصين، وفي مثل هذه الحالات، حسب جينغ، عادة ما تكون هناك أيادٍ خفية أميركية تعمل على إثارة زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة بما يخدم استراتيجية واشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأضاف الأكاديمي الصيني أن الأمر لم يعد خفياً، مشيراً إلى أنه خلال زيارة الرئيس الفيليبيني للولايات المتحدة، في شهر يوليو/تموز الماضي (حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب)، أعلن الجانبان عن تعاون عسكري جديد، وادّعى ماركوس الابن أن تحديث القوات المسلحة الفيليبينية يأتي استجابةً للتغيرات في الوضع ببحر الصين الجنوبي، وبالتالي فإن مثل هذه الأنشطة هي ترجمة لما تمّ الاتفاق عليه مع الجانب الأميركي في وقت سابق. وشدّد جينغ وي على أن مثل هذه الأنشطة لن ترهب الصين ولن تسهم في حلّ النزاعات، فضلاً عن أنها تتعارض مع التطلعات المشتركة لدول آسيا والمحيط الهادئ نحو السلام والتنمية والاستقرار.
من جهته، قال الباحث في العلاقات الدولية في مركز النجمة الحمراء في العاصمة الصينية بكين، جيانغ قوه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن دخول الهند على خط المواجهة بين بكين ومانيلا في بحر الصين الجنوبي، هو خطوة مدروسة من جانب نيودلهي لتقديم التزامات غير واقعية بشأن أمن المنطقة المتنازع عليها، كما تهدف أيضاً إلى ترويج الأسلحة الهندية، وهي عوامل بالرغم من تأثيرها المحدود، لكنها قد تزيد من تأزم قضية بحر الصين الجنوبي، وتدفع نحو المزيد من العسكرة واستقطاب قوى خارجية لا علاقة لها في هذه المسألة، الأمر الذي يتعارض مع سعي الصين والجهود المبذولة لحل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية.

أخبار ذات صلة.
