
تُراهن المغنية اللبنانية نانسي عجرم على أسلوبها الغنائي المتفرّد، الذي يمزج بين الشقاوة والدلال والرومانسية، مع لمسات درامية أنثوية مشبعة ببراءة طفولية. هذا المزيج، الذي بات سمة متأصلة في شخصيتها الفنية، يتكرّس بوضوح في ألبومها الجديد "نانسي 11". ورغم أن الألبوم لا يحمل كثيراً من المفاجآت، إلا أنه يستند إلى مقومات شكّلت ملامح عجرم الغنائية، وأسّست لحضورها الخاص.
وكما اعتاد جمهورها، تواصل صاحبة "آه ونص" الرهان على البساطة، سواء في اختياراتها الموسيقية والغنائية، أو حتى في إطلالاتها. وتُشكّل التباينات بين الوداعة والمرح، أو الرقة والجرأة، خطوطاً عامة في تحديد هوية أغانيها، ما يجعلها تختار ما يتماشى مع طريقتها الخاصة، من دون أن تركض خلف موجات الموضة الغنائية.
في هذا الألبوم، تتعاون نانسي عجرم مع عدد من الملحنين الجدد، من أبرزهم عزيز الشافعي وعطار، وقدّم كل منهما لحناً مميزاً. وفي هذا الإطار، تخوض المغنية تجربة جديدة في اللون الشعبي المصري، لكن بنمط مختلف، يمتاز بإيقاعه السريع وطابعه العصري، الذي يمزج بين الموسيقى الشرقية والبديلة، ويُقارِب أسلوب الراب، مع نكهة سلطنة واضحة في نهاية اللازمة "آه يا سيدي". اللافت هنا هو توظيف الإيقاعات الإلكترونية والمؤثرات الصوتية، مع دخول طبلة المقسوم في الجزء الأخير، ما يخلق تقاطعاً متناغماً بين التقليدي والتقني.
هذا المزاج يتجلّى بوضوح في الأغنية التي كتبها مصطفى حدوتة ولحّنها عطار، وقد تكون من أكثر أغنيات الألبوم رواجاً، رغم صدورها المتأخر. يستمر هذا التوجه الشعبي، لكن بدرجة أقل تطرفاً، في أغنية "يا قلبو"، إذ تبرز طبلة المقسوم مجدداً، وتتداخل الأصوات المبرمجة مع الأكورديون، في نمط يذكّر بأغاني نانسي الأولى مثل "أخاصمك آه"، وإن اتخذت الأغنية هنا منحى أحدّ في التعبير، كأنها شكوى مفعمة بالعاطفة، وليس دلالاً.
جانب آخر من الألبوم يتناول الحب من منظور درامي، كما في أغنية "لغة الحب" من ألحان وليد سعد وكلمات محمد رفاعي. تبدأ الأغنية بصيغة صادمة: "بكرهك دي يعني بحبك"، لتعبّر عن التناقضات التي تعيشها بعض النساء في الحب، وتكشف من خلالها نانسي عن مفاتيح لفهم انفعالات المرأة، وربما تطرح الصورة التي يفضّلها الرجل الشرقي، إذ الحيرة جزء من اللعبة العاطفية. لحن الأغنية يمضي في خط الرومانسية الحالم الذي ميّز نانسي عجرم، ويعيد التذكير بأعمال وليد سعد في ذروة نجاحه مطلع الألفية. ويُضفي مقام النهاوند شيئاً من الشجى، بينما تمزج الموسيقى بين الروك والبوب، وتلعب الوتريات دوراً تعبيرياً، خاصة مع تصاعد الغيتار الكهربائي. أما الأغنية الثانية لسعد، "أنا تبعني؟"، فهي امتداد لأغاني عجرم ذات الطابع الدرامي العاطفي، كـ"إنت إيه"، وتُجسّد دور الأنثى في الحب بجمالياته وتقلّباته.
توزعت أغاني الألبوم بين اللهجتين اللبنانية والمصرية، وكان للأخيرة النصيب الأكبر بسبع أغان. تظهر نانسي عجرم في الأغاني اللبنانية بصيغتين: رومانسية، كما في "بدي قول بحبك"، التي لا تشبه "لون عيونك" في لحنها، لكنها تتقاطع معها في المزاج، إذ تعتمد على إيقاع الـ"آر أند بي" ولمسة من الـ"سوفت روك"، ما يوحي بحالة رومانسية ثنائية، تعززها إطلالتها في الكليب بفستان أبيض وتلميحات لخاتم الارتباط. يُعبّر هذا النمط عن تطلّع الفتيات لعلاقات تُتوّج بالزواج، ويتناسب مع الأداء الصوتي الرقيق والحالم لنانسي.
وفي "انسى" (كلمات وألحان سليم عساف)، تلامس الأغنية مرحلة النضج العاطفي، فـ"كل شي بيهون وإنت حدي"، ويُجسّد اللحن هذا القرب بأسلوب الروك بالاد مع لمسة "آر أند بي"، ما يكرّس صورة نانسي الأنثوية المرهفة، والمتطورة غنائياً. أما "غيرانين"، فتتناول الحب المحاط بالغيرة، على مقام النهاوند، مع توزيع بسيط يُحاكيه ظهور نانسي العفوي في الفيديو، وتُعزز الطبلة الإيقاع الراقص، في عمل يخلو من المؤثرات التقنية، ما يمنحه نقاءً صوتياً، ويُبرز صوت الدربكة والأكورديون أدواتٍ للتعبير الطبيعي.
لكن سرعان ما يعود وجه الدلال والشقاوة في "على علمي"، رابع الأغاني باللهجة اللبنانية، فتسخر من غيرة حبيبها المفاجئة، بخطاب فتاة مرحة متحرّرة، وبموسيقى خفيفة تمزج بين الغيتار والأكورديون.
بقية أغاني الألبوم تعزز صورة نانسي عجرم المرحة، المُغرية بالشقاوة، وأبرزها "طراوة" (ألحان محمد يحيى)، بتوزيع طارق مدكور، الذي عملت نانسي عجرم معه في بداياتها. الأغنية تستعيد روح بدايات الألفية، بإيقاع المقسوم ووتريات بسيطة وأكورديون، مع لمسات غيتار خفيفة توزّع الأجواء كضربات فرشاة على لوحة فنية، فتُذكّرنا بـ"آه ونص" لكن بحركة أقل.
أما أغنيتا عزيز الشافعي، فهما من أبرز مفاجآت الألبوم كونهما أول تعاون معه. "جاني بالليل" تمضي في مسار راقص شرقي على مقام الكرد، بمذاق سبعيني وألفيني في آن، وتوزيع مدكور يُعيدنا إلى أواخر التسعينيات، بإيقاع شعبي لافت. أما "أنا هفضل أغني"، فهي تجسيد واضح لشخصية نانسي عجرم الفنية، تمزج بين العصرية وتراث نجمات الزمن الجميل مثل شادية وسعاد حسني، وكأن نانسي، في هذه الأغنية، تستحق لقب "سندريلا البوب العربي".
منذ بدايتها في أواخر التسعينيات، وخصوصاً في ألبومها الأول "محتجالك"، الذي لحّن معظمه شاكر الموجي، بدا أن نانسي عجرم تعرف تماماً ما تريد؛ فقدّمت بصوتها أغنية "يا واد يا تقيل" لسعاد حسني، وكأنها منذ ذلك الوقت كانت تؤسس لشخصية غنائية واضحة المعالم. والآن، مع "نانسي 11"، تؤكد أنها نجحت في رسم ملامح لا تُشبه أحداً، وتُواصل مشوارها بثقة، ضمن حدود إمكانياتها، ووفق رؤيتها الخاصة.

أخبار ذات صلة.
