
يواجه رئيس الوزراء الياباني شيجيرو إيشيبا، زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي، ضغوطاً شديدة منذ هزيمة الائتلاف الحاكم في اليابان بالانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ في 20 يوليو/تموز الحالي. وتعد هذه المرة الأولى منذ عام 1955 التي لا يحظى فيها الائتلاف بالأغلبية في مجلسي البرلمان، لكن كبار القادة في الحزب الليبرالي الديمقراطي امتنعوا حتى الآن عن الدعوة علناً إلى استقالته فيما أعرب إيشيبا عن نيته البقاء في منصبه. من جهتها، تتابع الصين بتوجس التطورات السياسية في طوكيو، حيث كان لدى إيشيبا نهج عملي إلى حد كبير تجاه بكين لتحسين العلاقات بين البلدين، الأمر الذي قد يفضي إلى تحقيق السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لكنه يكافح الآن من أجل البقاء رئيساً للوزراء.
وحصل الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، وشريكه حزب كوميتو، في الانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ، على 47 مقعداً من أصل 50 كانوا بحاجة إليها للاحتفاظ بالأغلبية في المجلس المؤلف من 248 مقعداً، لتعمق هذه النتائج أزمة حكومة إيشيبا التي سبق أن فقدت الأغلبية في مجلس النواب خلال الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتجعل رئيس الوزراء عرضة لحجب الثقة التي قد تطيح بحكومته، وتفضي إلى انتخابات عامة جديدة.
قد ينتخب الزعيم الجديد للحزب الليبرالي الديمقراطي في سبتمبر المقبل
وذكرت صحيفة ماينيتشي شيمبون اليابانية، الأربعاء الماضي، أن إيشيبا أبلغ مستشاريه المقربين أنه يعتزم التنحي عن منصبه بحلول أواخر أغسطس/آب المقبل. لكن رئيس الوزراء الياباني، سارع إلى نفي هذه الأخبار، وجدّد في اليوم ذاته، تمسكه بالبقاء في السلطة، على الرغم من الدعوات المتزايدة التي تطالبه بالاستقالة. وقال إيشيبا، في تصريحات عقب لقائه كبار مسؤولي حزبه ورؤساء الوزراء السابقين تارو أسو وفوميو كيشيدا ويوشيهيدي سوغا في مقر الحزب، إنه يريد ضمان تطبيق ملائم لاتفاق الرسوم الجديد مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن الاجتماع لم يناقش استقالته أو اختيار قيادة جديدة للحزب، ولكن جرت مناقشة نتائج الانتخابات وعدم رضا الناخبين والحاجة الملحة لتجنب الخلافات الحزبية. وفي معرض تفسيره لقرار البقاء، شدّد إيشيبا على ضرورة تجنب خلق فراغ سياسي في وقت تواجه فيه اليابان تحديات، خصوصاً المفاوضات التجارية الصعبة مع الولايات المتحدة والتي سيكون لها تأثير كبير على اقتصاد اليابان المعتمد على التصدير (أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء الماضي التوصل إلى اتفاق تجاري "ضخم" مع اليابان).
يذكر أنه إذا تنحى إيشيبا، فسيطلق ذلك منافسة على القيادة، مع توقع مناورات خفية بين المرشحين المحتملين. وقد ينتخب الزعيم الجديد للحزب الليبرالي الديمقراطي في سبتمبر/أيلول المقبل. وكانت وسائل إعلام يابانية قد أفادت بأنه بسبب عوامل مثل نتائج انتخابات "الشيوخ"، انخفض معدل تأييد حكومة إيشيبا في اليابان إلى حوالي 23%. إضافة إلى ذلك، يعتقد كثيرون داخل الحزب الحاكم أن إيشيبا يجب أن يتحمل مسؤولية الهزيمة الانتخابية، وأنه لا يوجد سبب لبقائه في منصبه بعد التوصل إلى اتفاق بين اليابان والولايات المتحدة.
هيمنة اليمين في اليابان تقلق الصين
وفي تعليقها على انتخابات اليابان ونتائجها، قالت وسائل إعلام صينية أول من أمس الخميس، إن التقدم في العلاقات بين الصين واليابان قد يفقد بعض زخمه إذا تنحى إيشيبا عن منصبه.
ورأى أستاذ العلاقات الدولية في مركز ونشوان للدراسات الاستراتيجية، جيانغ لي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن شيجيرو إيشيبا، هو رئيس الوزراء الياباني الأكثر مرونة تجاه الصين في الحزب الليبرالي الديمقراطي خلال السنوات الأخيرة، معتبراً أن استقالته قد تُمثل إلى حد ما منعطفاً كبيراً في مسار العلاقات بين البلدين. وأوضح بأن بكين تخشى من هيمنة اليمينيين على السياسة الخارجية اليابانية لأنهم أصحاب توجهات متطرفة ومواقف عدائية معلنة تجاهها.
وأكد أستاذ العلاقات الدولية، أن الصين تراقب عن كثب التطورات المتسارعة في طوكيو، وأنها على دراية بتسلسل الأحداث، لافتاً إلى أن هناك بوادر منذ زمن بعيد، كانت تشير إلى أن إيشيبا سيستقيل، وتعزّزت بعد خسارته انتخابات مجلس الشيوخ، موضحاً أنه رغم تأكيد رئيس الوزراء الياباني عدم عزمه على الاستقالة، لكنه لم يُبدِ أي نيّة لإعادة تنظيم الحزب والحكومة. ومن دون إعادة التنظيم هذه، وحتى لو استمر إيشيبا في منصبه رئيسا للوزراء، فلن تُؤخذ آراؤه ومواقفه في الحسبان، وسيكون تأثيره محدوداً جداً، برأي جيانغ لي. أما السؤال الأكثر إثارة للاهتمام بالنسبة لبكين، بحسب تعبيره، فهو من سيتولى المنصب بعد شيجيرو إيشيبا؟
جينغ وي: هناك مرشحان محتملان لخلافة إيشيبا من الجناح اليميني المتشدد للحزب
تداعيات كارثية
من جهته، أشار الباحث المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى مرشحَين محتملين اثنين في الحزب الليبرالي الديمقراطي قادرين على خلافة رئيس الوزراء وهما: ساناي تاكايتشي، وتارو كونو. وأوضح أن كليهما سياسيان يمينيان متطرفان في الحزب الليبرالي الديمقراطي، وهما من السياسيين المناهضين للصين، وإذا وصل أحدهما إلى السلطة، فستكون هناك تداعيات كارثية، بحسب رأيه، على العلاقات بين طوكيو وبكين.
وشرح جينغ وي أن ساناي تاكايتشي هي سياسية خسرت أمام شيجيرو إيشيبا في الانتخابات الداخلية الأخيرة للحزب الليبرالي الديمقراطي، وهي شخصية مثيرة للاهتمام، إذ تتبنى مواقف جدلية تتعلق بالسياسات الداخلية، أما في ما يتعلق بموقفها من العلاقات الصينية اليابانية، فقد صرحت في وقت سابق، أنه إذا اندلعت حرب في مضيق تايوان، فإن اليابان ستشارك بنشاط في حرب ساخنة ضد الصين من أجل تايوان، وستطالب بكين بإلغاء قانون مكافحة التجسس، وإطلاق سراح الجواسيس اليابانيين، وما إلى ذلك (يذكر أن صحيفة فاينانشال تايمز كانت ذكرت في وقت سابق من الشهر الحالي، أن وزارة الدفاع الأميركية حثّت اليابان وأستراليا على توضيح الدور الذي ستلعبانه إذا دخلت الولايات المتحدة والصين في حرب بشأن تايوان).
أما تارو كونو، وفق الباحث، فهو أيضاً سياسي يميني متطرف داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، تنافس سابقاً مع فوميو كيشيدا على رئاسة الحزب. في ذلك الوقت، اتخذ موقفاً متشدداً للغاية ضد الصين، مؤكداً أن معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة واليابان تنطبق على جزر دياويو (أو سنكاكو بحسب التسمية اليابانية، والمتنازع عليها بين البلدين في بحر الصين الشرقي)، وأن أي دولة تحاول تغيير الوضع الراهن في المحيط ستدفع ثمناً باهظاً. كما صرح بأنه إذا استولى جيش التحرير الشعبي الصيني على تايوان، فعلى اليابان استخدام القوة العسكرية لحماية الجزيرة.
يشار إلى أنه وفق التطورات الراهنة، يُرجَّح أن يُجري الحزب الليبرالي الديمقراطي انتخابات رئاسية في سبتمبر المقبل. وأياً كان الفائز في الانتخابات الداخلية للحزب، فسيضمن منصب رئيس الوزراء الياباني مُسبقاً. ولكن بغض النظر عن هوية الفائز، فإن ذلك يعني أن العلاقات الصينية اليابانية ستشهد تغييراً جذرياً.
