قانون "الحشد الشعبي" إلى الواجهة: مؤسسة أمنية مستقلة
عربي
منذ يوم
مشاركة

يستعد البرلمان العراقي، وبضغط من أطراف وازنة في تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم، لإدراج فقرة القراءة الأخيرة لقانون "الحشد الشعبي" في جلساته المقبلة قبل التصويت عليه، وذلك بعد انتهاء القراءة الثانية لمشروع القانون الذي يواجه تحفظات داخلية وخارجية مختلفة. القانون الجديد الذي يتألف من 18 مادة رئيسة، مطروح بوصفه منظماً للهيكل العام الذي يُنظم عمل "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 70 فصيلاً مسلحاً في العراق، خضع الأسبوع الماضي لقراءة ثانية في البرلمان، رغم انسحاب عدد من القوى العربية السنّية والكردية احتجاجاً على ما قالت إنه طريقة إدراج القانون في جدول أعمال الجلسة. فقد تم الإعلان عن جدول مغاير، وبعد اكتمال النصاب القانوني تم إدراج فقرة قراءة القانون بشكل اعتبرته كتل "السيادة" و"تقدم" و"التحالف الكردستاني" بمثابة خديعة لها.

وفي تلك الجلسة، التي عُقدت يوم الأربعاء 16 يوليو/تموز الحالي، خضع القانون لقراءة ثانية بعد قراءته الأولى في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي. يعني ذلك أن القانون بات جاهزاً للتصويت النهائي، إذ ينص النظام الداخلي للبرلمان على قراءتين للقانون يخضع فيهما للنقاش، وثالثة نهائية قبل التصويت عليه. التطور الجديد في الملف يتزامن مع حملة تحشيد إعلامية واسعة قادتها الفصائل المسلحة لصالح القانون، كانت آخرها تصريحات لزعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، الذي قال إن "من يريد تسليم سلاحه، فعليه الاستعداد لحلق شاربه"، في إشارة إلى الانتهاكات التي رافقت الأحداث في محافظة السويداء، جنوبي سورية، منذ الأسبوع الماضي. يتلخص مشروع قانون "الحشد الشعبي" في منحه استقلالاً كاملاً، بمعنى أن يكون مؤسسة أمنية بمعزل عن وزارتي الدفاع أو الداخلية، ولا يرتبط بهما، وله رئاسة أركان وقيادة عمليات خاصة ترتبط مباشرة برئيس الوزراء الذي يحمل دستورياً صفة "القائد العام للقوات المسلحة". ويُلغي مشروع القانون الجديد القانون السابق الذي صوّت عليه البرلمان عام 2016 خلال فترة الحرب على تنظيم داعش.

يشار إلى أن "هيئة الحشد الشعبي" تأسست بشكل رسمي عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون تشكيلها الذي حمل الرقم 40، فيما أعلنت رئاسة الوزراء في العام نفسه ضم قوات "الحشد الشعبي" إلى القوات المسلحة. وفي عام 2020، جرت معادلة راتب عنصر "الحشد الشعبي" براتب الجندي في الجيش العراقي البالغ مليوناً و250 ألف دينار، أي ما يعادل قرابة ألف دولار شهرياً، إلى جانب منح عناصر الحشد المخصصات نفسها المتعلقة بالسكن وغيرها، مع تأكيد توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً، ما زال كل فصيل مسلح (في الحشد) يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر فيها.

وتُحدّد مواد مشروع القانون الـ18 مهمة هيئة الحشد الشعبي بـ"حماية النظام"، و"الدفاع عن البلاد وحماية وحدة وسلامة أراضيها ومكافحة الإرهاب". كما تمنح أفراد "الحشد الشعبي" امتيازات مالية توازي تلك التي يتمتع بها أفراد الجيش العراقي، كما يتم تخصيص موازنة سنوية لتطويرها وتسليحها أسوة بوزارة الدفاع. لكن أفراد "الحشد الشعبي" سيحملون صفة "مجاهد" وليس "مقاتل". وبحسب مشروع القانون، يكون رئيس الهيئة بدرجة وزير، ويكون عضواً في اللجنة الوزارية للأمن القومي، وبإمكانه تخويل بعض صلاحياته إلى رئيس الأركان أو الأمين العام للهيئة، وعليه أن يمارس صلاحيات وزير الدفاع لتطبيق القوانين العسكرية على منتسبي الهيئة. وترتبط بـ"الحشد الشعبي"، وفقاً لمشروع القانون، 16 إدارة ومديرية عامة، منها رئاسة الأركان، والأمانة العامة، والدائرة الإدارية والمالية، وشركة المهندس العامة للمقاولات. كما ستكون لـ"هيئة الحشد الشعبي" أكاديمية عسكرية تسمى "أكاديمية الحشد الشعبي" على غرار أكاديميات وزارتي الدفاع والداخلية، وتمنح شهادة بكالوريوس في العلوم العسكرية لخريجي الأكاديمية.

مشروع القانون لم يعد يواجه فقط تحفظات من قوى داخل العراق، مثل السنة والكرد، الذين يعتبرونه تشريعاً لمؤسسة عقائدية أكثر من كونها مؤسسة أمنية، أو لقوى مدنية تجده خطراً على مدنية الدولة العراقية، أو حتى بعض القوى الشيعية المتحفظة على بنود بعينها وليس على روح القانون ذاته، بل علّقت وزارة الخارجية الأميركية، الاثنين الماضي، على القانون بوصفه "يتعارض" مع سيادة العراق ومصالح واشنطن فيه. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، في تصريحات أوردتها وكالة أخبار عراقية محلية، إن الولايات المتحدة ترفض بشدة أي تشريع لا ينسجم مع أهداف التعاون الأمني الثنائي ويتعارض مع تعزيز مؤسسات الأمن القائمة في العراق وسيادته الحقيقية. وأضافت بروس أن مشروع القانون "يمثّل خطوة غير بنّاءة"، موضحة أنه "يمنح الشرعية لجماعات مسلحة ترتبط ببنى وقيادات إرهابية، شارك بعضها في استهداف المصالح الأميركية في العراق، وتورط في قتل موظفين أميركيين".

وأول من أمس الثلاثاء، قالت بروس، في مؤتمر صحافي، إن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، تحدث مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بشأن الهجمات الأخيرة على البنية التحتية للطاقة، و"شدد على أهمية محاسبة الحكومة العراقية مرتكبي هذه الهجمات ومنع الهجمات المستقبلية". ومنذ 23 يونيو/ حزيران الماضي، يشهد العراق هجمات بمسيرات مجهولة المصدر، استهدفت خصوصاً إقليم كردستان العراق، من بينها مطار أربيل، وخمس منشآت نفطية بينها حقول خورمالا وسرسنك وبيشخابور وتاوكي وباعدرا، التي تديرها شركات أجنبية، وكلها في مدن الإقليم الثلاث السليمانية ودهوك وأربيل.  كما أشار إلى "أهمية دفع رواتب إقليم كردستان العراق بشكل متواصل، واستئناف صادرات النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا". كذلك جدد روبيو الإشارة إلى "المخاوف الأميركية الجدية بشأن مشروع قانون هيئة الحشد الشعبي المعلق حالياً في مجلس النواب"، مشدداً على أن "أي تشريع من هذا القبيل من شأنه إضفاء الطابع المؤسسي على النفوذ الإيراني والجماعات الإرهابية المسلحة التي تعمل على تقويض الحكم الذاتي للعراق".

نائب عراقي: الحشد الشعبي موجود وفاعل بالمشهد، والقانون هو لمنحه غطاء قانونياً

من جانبه أكد السوداني لروبيو، أن "الحشد الشعبي" هو مؤسسة عسكرية عراقية رسمية تعمل في ظل صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة. ووفق بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي، أمس الأربعاء، وصف السوداني الاعتداءات الأخيرة التي تعرّضت لها منشآت حيوية في العراق، بأنها تستهدف الاقتصاد الوطني العراقي، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية تتابع مصادر الهجمات مع التحالف الدولي لمحاربة داعش. وتطرق الاتصال، وفق البيان، إلى قانون "الحشد الشعبي"، إذ أشار السوداني إلى أن طرح هذا القانون أمام مجلس النواب يأتي ضمن "مسار الإصلاح الأمني الذي انتهجته الحكومة، وهو جزء من البرنامج الحكومي المعتمد من مجلس النواب، وقد شمل هذا المسار إقرار قوانين مماثلة لأجهزة أخرى ضمن قواتنا المسلحة، مثل جهازي المخابرات والأمن الوطني".

تدخل أميركي 

تصريحات بروس، دفعت العضو البارز في "الإطار التنسيقي"، النائب مختار الموسوي، لاعتبارها "تدخلاً سافراً بالشأن العراقي"، وقال للصحافيين في بغداد، الاثنين الماضي: "نحن ماضون بإقرار القانون خلال الجلسات المقبلة لمجلس النواب. هناك إجماع سياسي على ذلك رغم كل الضغوط سواء كانت داخلية أو خارجية". لكن نائباً في البرلمان العراقي، تحدث عبر الهاتف لـ"العربي الجديد"، عن أن "التحفظات الأميركية حول القانون وفي مثل هذه الأوضاع، قد تدفع إلى تأجيل إقرار القانون مرة أخرى".

وأضاف النائب الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "الحشد موجود وفاعل بالمشهد، والقانون هو لمنحه غطاء قانونياً مثل باقي المؤسسات، لذا فإن تأخيره حالياً قد يكون أفضل من إقراره وإثارة ملف آخر ضد العراق". بدوره، وصف الخبير في الشؤون الأمنية والسياسية العراقية أحمد الشريفي تمرير القانون بأنه بات "أصعب في ظل الرفض الأميركي المعلن للقانون". وبيّن في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة ترى في القانون عملية صناعة حرس ثوري جديد في العراق (على غرار الحرس الثوري الإيراني)، ولهذا هي تعارض القانون". وأوضح أن "واشنطن أوصلت رسائل رسمية إلى بغداد برفض القانون، ونتوقع أن محاولات تمرير القانون ستواجه رفضاً كبيراً، خصوصاً في ظل تحفظ سياسي (سنّي، كردي) عليه، ومحاولة أطراف داخل الإطار التنسيقي فرضه لأهداف سياسية وانتخابية". يُذكر أنه من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

 أحمد الشريفي: الإصرار على تمرير القانون بمعارضة الإرادة الدولية، ربما يدفع واشنطن إلى فرض عقوبات على العراق

مستقبل الحشد الشعبي في ظل التطورات في المنطقة والرفض الأميركي لتشريع قانون دائم له، سيكون، وفق الشريفي، أمام "خيار الدمج إما مع الجيش أو الشرطة"، لافتاً إلى أن "الإصرار على تمرير القانون بمعارضة الإرادة الدولية، ربما يدفع واشنطن إلى فرض عقوبات على العراق، أو خيار عمل عسكري تجاه قادة الحشد". وأوضح أن الولايات المتحدة" ما زالت تعتبر الحشد خارج سيطرة الدولة، ولذلك فإن الإصرار على تمرير القانون قد يكون إعلامياً أكثر مما هو حقيقي".

قانون "الحشد الشعبي" خطوة ضرورية

في المقابل، قال النائب عن "الإطار التنسيقي" عارف الحمامي، لـ"العربي الجديد"، إن "أي محاولة للتدخّل الأميركي في مسار تشريع قانون هيئة الحشد الشعبي تمثل انتهاكاً مرفوضاً للسيادة الوطنية"، مضيفاً أن "البرلمان العراقي ماضٍ في استكمال الإجراءات التشريعية لتمرير القانون خلال الجلسات المقبلة، رغم الاعتراضات الخارجية التي لن تُثني القوى الوطنية عن دعمها للحشد الشعبي باعتباره مؤسسة أمنية رسمية".

عارف الحمامي:  لن نقبل بأي وصاية أجنبية على قرارات البرلمان العراقي

وفي رأيه، فإن "مشروع القانون يُعدّ خطوة ضرورية لتنظيم البنية الإدارية والمالية لهيئة الحشد، وضمان ارتباطها المباشر بالقائد العام للقوات المسلحة، شأنها في ذلك شأن باقي المؤسسات الأمنية"، لافتاً إلى أن "الإطار التنسيقي والقوى الوطنية الأخرى ملتزمة بإقراره بدون الرضوخ لأي ضغوط خارجية". وشدد على "أننا لن نقبل بأي وصاية أجنبية على قرارات البرلمان العراقي، وسنُمرر قانون الحشد الشعبي رغم أنف كل من يعارضه في الخارج، فالحشد هو مؤسسة رسمية ضحّت من أجل الوطن، ويستحق قانوناً ينظم حقوقه ويحصن مكانته داخل المنظومة الأمنية". واعتبر أن "محاولات واشنطن لعرقلة هذا القانون مكشوفة، ولن تُغير قيد أنملة من موقفنا، والتشريع سيمضي قُدماً خلال الجلسات القادمة".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية