
شهدت سورية، الأربعاء، إطلاق حزمة مشروعات استثمارية ضخمة بقيمة تقديرية تجاوزت 6 مليارات دولار، وذلك خلال زيارة وفد اقتصادي سعودي رفيع إلى العاصمة دمشق، يرأسه وزير الاستثمار خالد الفالح، ويضم أكثر من 130 مستثمرا. وجرى الإعلان عن هذه الاستثمارات في مستهل أعمال "منتدى الاستثمار السوري السعودي"، الذي شهد توقيع عشرات الاتفاقيات، وافتتاح مشروعات استراتيجية في قطاعات الصناعة والطاقة والتجزئة. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن الوزيرين السعودي والسوري افتتحا مصنع "فيحاء" لإنتاج الإسمنت الأبيض في مدينة عدرا الصناعية، باستثمار مشترك بين الحكومة السورية ومجموعة شركات إسمنت المنطقة الشمالية السعودية.
وتبلغ الكلفة التقديرية للمصنع 20 مليون دولار، ويوفر نحو 130 فرصة عمل مباشرة، إضافة إلى أكثر من ألف وظيفة غير مباشرة في الخدمات المساندة وقطاع النقل. وقال عبيد سبيعي، الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات إسمنت المنطقة الشمالية، إن المشروع يمثل استثمارا استراتيجيا بقيمة 20 مليون دولار، ويوفر 130 فرصة عمل مباشرة، إلى جانب أكثر من ألف فرصة غير مباشرة في القطاعات المرتبطة بالنقل والخدمات اللوجستية، وفق وكالة "سانا".
بالتوازي مع ذلك، دشن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح مشروعا استثماريا جديدا في قطاع التجزئة، من تنفيذ شركة "إثراء القابضة"، باستثمارات تبلغ 375 مليون ريال سعودي (نحو 99.9 مليون دولار). ويعد المشروع أحد أكبر الاستثمارات في هذا القطاع داخل السوق السورية منذ اندلاع الحرب، ومن المتوقع أن يتوسع إلى مجمعات تجارية ومرافق خدمية لاحقا. كما شهد وسط العاصمة دمشق تدشين مشروع عقاري جديد باسم "برج الجوهرة"، بارتفاع 32 طابقا وكلفة إجمالية تقترب من 100 مليون دولار. ويمثل المشروع تحولا لافتا في خريطة الاستثمارات الخليجية باتجاه السوق العقارية السورية، وسط مؤشرات على دخول رؤوس أموال جديدة من دول الخليج الأخرى خلال الأشهر المقبلة.
في السياق ذاته، أعلن وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى أن المنتدى الاستثماري أسفر عن توقيع 44 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين الجانبين، تشمل قطاعات الطاقة، والاتصالات، والتمويل، والمصارف، والعقارات، والسياحة، والبنية التحتية. وأوضح المصطفى، في مؤتمر صحافي رسمي، أن القيمة الإجمالية للاتفاقيات تقدر بـ6 مليارات دولار، منها عقود مع شركات حكومية وخاصة، ومشروعات تحت التأسيس سيجري تمويلها عبر صناديق استثمار مشتركة. وتأتي هذه الاستثمارات السعودية في ظل تحرك أوسع تقوده الرياض لدعم مرحلة إعادة الإعمار في سورية، عقب الإطاحة بالنظام السابق نهاية 2024. ووفق ما نقلته وكالة "رويترز"، فإن الوفد السعودي أعد ورش عمل تحضيرية قبل الزيارة لتحديد القطاعات ذات الأولوية، على رأسها الطاقة، والنفط، والبنية التحتية، والمطارات، والسياحة العلاجية.
وتؤكد قناة "الإخبارية" السعودية الرسمية أن قيمة الاتفاقات قد تتجاوز 6 مليارات دولار، في ظل وجود مشاريع إضافية قيد الإعلان. كما أشارت إلى أن السعودية تولي أهمية كبرى لقطاعي الضيافة والطاقة، حيث أبدت شركات سعودية رغبة في المشاركة بإعادة تشغيل منشآت النفط المتضررة، وبناء شراكات في قطاع الكهرباء والغاز. وتأتي هذه المشروعات بعد توقيع سورية اتفاقا مع قطر في الأشهر الماضية لدعم قطاع الكهرباء بقيمة 7 مليارات دولار، واتفاقا آخر مع موانئ دبي العالمية بـ800 مليون دولار لتطوير الموانئ، فيما يجري التفاوض مع شركات طاقة أميركية لإعداد خطة متكاملة لإعادة تأهيل الشبكة الكهربائية. ووفق مصادر اقتصادية، فإن السعودية وقطر سدّدتا أيضا ديونا مستحقة على سورية لصالح البنك الدولي، ما أتاح لدمشق فرصة الحصول على تمويلات جديدة.
وفي وقت سابق الأربعاء، وصل الوفد سعودي رفيع المستوى إلى العاصمة السورية، في زيارة وصفت بأنها الأضخم من نوعها بعد سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ أيلول العام الفائت 20024، واستئناف العلاقات بين البلدين، وتهدف إلى توسيع مجالات التعاون الاقتصادي، وتوقيع اتفاقيات تعزز التنمية المستدامة بين الجانبين. وكان في استقبال الوفد بمطار دمشق الدولي عدد من الوزراء السوريين، بينهم وزير الاقتصاد والصناعة محمد نضال الشعار، ووزير الطاقة محمد البشير، ووزير الاتصالات عبد السلام هيكل، إلى جانب السفير السعودي لدى سورية فيصل بن سعود المجفل.
من جانبه، صرح محمد سرور الصبان، كبير مستشاري وزير البترول السعودي سابقا، لقناة "الإخبارية"، بأن المنتدى المزمع في دمشق يشكل فرصة مهمة للمستثمرين السعوديين، لافتاً إلى أن الوفد أجرى ورش عمل تحضيرية في السعودية قبل الزيارة، من أجل تحديد أولويات المشاريع. وأشار الصبان إلى أهمية قطاع الطاقة، قائلاً إن سورية تمتلك احتياطيات نفطية واعدة كانت تُصدّرها سابقا، وإن رجال الأعمال السعوديين يخططون للمساهمة في إعادة بناء البنى التحتية لقطاع النفط بما يمكّنه من استعادة قدرته على التصدير.
وقال عضو مجلس الشورى السعودي، فضل البوعينين، وفق "الإخبارية"، إن "سورية دولة شقيقة تحتاج إلى دعم اقتصادي حقيقي لاستعادة الأمن والاستقرار"، مشددا على أن الاستثمارات السعودية في دمشق "لا تركز فقط على العائد المادي، بل تنطلق من رؤية تنموية تهدف إلى تعافي الاقتصاد السوري". وأكد البوعينين أن هناك "خطة استراتيجية لبناء شراكة دائمة بين البلدين"، معتبرا أن "ما يجري اليوم يشكّل نواة حقيقية لهذه الشراكة، خاصة في ظل الإمكانات الطبيعية والبشرية التي تمتلكها سورية، ما يعزز فرص الاستثمار في قطاعات الصناعة والطاقة والسياحة". وأشار إلى أن "قطاع السياحة السوري بحاجة إلى استثمارات جديدة لتنشيطه"، كما شدد على ضرورة "وجود بيئة تشريعية مناسبة تواكب دخول الشركات الأجنبية، وتضمن استقرار مناخ الأعمال على المدى الطويل".
