
في عام 2007، سنت باكستان قانوناً يجرم بيع الكلى البشرية، ويعاقب كل ضالع في الجريمة. قبل ذلك، كانت تجارة الكلى رائجة، وتباع وتشترى بكل أريحية، ما جعل كثيراً من الأجانب يفدون إلى باكستان من أجل هذا الغرض، وكان عشرات الفقراء في البلاد أو من تراكمت عليهم الديون يلجأون إلى بيع الكلى للحصول على المال.
وكشف تقرير لمعهد أمراض الكلى وزرع الأعضاء في إقليم السند، نشر في عام 2003، أنه تجرى نحو ألفي عملية بيع كلى سنويا في باكستان، والبائعون هم فقراء، وغالبية من يشترون أجانب. مشيراً إلى أن "الشيء الغريب والمقلق هو أن جهات محلية تشتري الكلى من الفقراء بمبلغ زهيد، يتراوح بين 1500 و2000 دولار أميركي، ثم تبيع الكلية الواحدة لمرضى أجانب ومحليين بما يقرب 20 ألف دولار. تلك الجهات تختار المناطق النائية والفقيرة، والعمال الذين تتراكم عليهم الديون، وهؤلاء يبيعون كلاهم من أجل تسديد الديون، ويرضون بأرقام بسيطة".
يقول الأكاديمي الباكستاني المهتم بحقوق الإنسان محمد علي باديزي لـ"العربي الجديد": "يكسب العمال في باكستان عادة ما يقدر بدولارين يومياً، وبعضهم دخله أقل من هذا. تلك الشريحة الفقيرة تتراكم عليها الديون، وهم بالتالي يلجأون إلى وسائل عدة للسداد، من بينها تزويج البنات، أو بالأحرى بيعهن وهن صغيرات مقابل المال، أو يتوجهون إلى بيع الكلى مقابل أموال زهيدة، بينما الرابحون في الحقيقة هم الأطباء والعصابات التي تعمل في تجارة الكلى".
يضيف باديزي: "الظاهرة خطيرة للغاية، ومتورط فيها أطباء يعملون في مستشفيات كبرى في مدن رئيسية من بينها كراتشي وراولبندي، وثبت تورط كثيرين سابقاً. الحكومة لا تستطيع أن تفعل شيئاً، لأن أجهزة الأمن والأجهزة الرقابية المعنية ضالعة في الفساد، ويأخذ أفرادها الرشاوى من تلك العصابات، وبالتالي لا يمكن التصدي للجريمة".
وجرى اعتقال عشرات الأشخاص المتورطين في جريمة بيع الكلى خلال العامين الماضيين، من بينهم أطباء مشهورون، إذ أعلنت الشرطة الباكستانية في أكتوبر/تشرين الأول 2023 توقيف عصابة يديرها طبيب في مدينة لاهور، مركز إقليم البنجاب، ومعه عدد من الأطباء الذين كانوا يقومون ببيع الكلى وشرائها، وقالت شرطة البنجاب حينها إن تلك العصابة قامت بشراء 328 كلية من فقراء وأعادت بيعها بأموال باهظة.
وأعلنت وكالة التحقيقات الفيدرالية توقيف ثلاث عصابات إجرامية متورطة في تجارة الكلى خلال عام 2024، كانت الأولى في مارس/آذار، والثانية في إبريل/نيسان، والثالثة في شهر مايو/أيار، واعتقال عشرات المتورطين، من بينهم أطباء، كما داهمت الوكالة مستشفيين في مدينة لاهور كانا متخصصين في تجارة الكلى.
وتعلن أجهزة الأمن بين الحين والآخر اعتقال عصابات وأشخاص ضالعين في تجارة الكلى، لكن لا تؤدي تلك الاعتقالات إلى تحجيم الجريمة، إذ إنها لا تزال متواصلة. ويقول الطبيب المتخصص في أمراض الكلى جهانكير خان، الذي يعمل في مدينة بيشاور، شمال غربي باكستان، لـ"العربي الجديد": "المعضلة الأساسية هي أن الظروف مؤاتية لتجارة الأعضاء البشرية، فالفقر متغلغل، والغلاء يتزايد، والعمال محرمون من حقوقهم، ولا توجد أي جهة تساند الفقراء أو تدعم المديونين، ما يجعلهم يتوجهون إلى الأمور غير الشرعية وغير الصحية، مثل بيع أعضاء الجسم، خاصة الكلى، وبالتأكيد، هناك لامبالاة من قبل الحكومة التي لا تقوم بدورها اللازم للقضاء على العصابات ومكافحة تجارة الأعضاء".
ويوضح الطبيب الباكستاني: "القضية لها أبعاد كثيرة، منها ضعف الرقابة الحكومية، والفساد المتفشي في أجهزة الأمن وبقية الأجهزة المعنية، كما أن للفقر والبطالة دور كبير في تفشي هذه الظواهر غير الطبيعية التي تدمر حياة كثيرين. أذكر قصة رجل باع كليته قبل ست سنوات من أجل تسديد ديونه، وكان يتمتع بالصحة، لكن بعد مضي بضع سنوات، تدهورت أوضاعه الصحية، وأصيب بأمراض مختلفة، وبعد مضاعفات السكري وارتفاع ضغط الدم، تعطلت كليته الثانية، وهو الآن يعاني، وينتظر الموت، إذ لا يوجد من يعطيه كليته، وحتى لو وجد أحداً يتبرع له، فلن يتحمل جسده العملية".

أخبار ذات صلة.

