
سيف صائد الشياطين (Sword of the Demon Hunter) هو عنوان عمل فني ياباني يجمع بين الخيال التاريخي والفانتازيا المظلمة، بدأ سلسلةَ روايات خفيفة من تأليف موتواو ناكانيشي ورسم تاماكي (Tamaki). نُشرت الرواية لأول مرة على موقع Shōsetsuka ni Narō، وذلك بين يناير/كانون الثاني 2013 وأكتوبر/تشرين الأول 2016، قبل أن تحصل عليها دار نشر فوتاباشا وتصدرها في 14 مجلداً بين يونيو/حزيران 2019 ونوفمبر/تشرين الثاني 2023. تحولت الرواية لاحقاً إلى مانغا من رسم يوساتومي (Yū Satomi) بدءاً من سبتمبر/أيلول 2021، وما زالت مستمرة حتى الآن مع ثمانية مجلدات صدرت.
أما الأنمي الذي نتناوله اليوم، فقد أنتجه استوديو Yokohama Animation Laboratory تحت إخراج كازويا أيورا المعروف بأعمال مثل "آساسينز برايد"، وكان مقرّراً أصلاً أن يُعرض في يونيو 2024، لكنه تأجل إلى 31 مارس/آذار 2025، بسبب بعض التحديات الإنتاجية. منذ سنوات قليلة، أصبحت الحلقة الأولى في الأنمي التي تمتد لساعة كاملة تمثل تذكرة ذهبية لجذب المشاهدين، كما في أنمي "هجوم على العمالقة" و"قاتل الشياطين".
يأتي "سيف صائد الشياطين" ليرسم خريطة جديدة للخيال التاريخي المظلم. هذا الأنمي لا يكتفي بتقديم قصة صائد شياطين تقليدي، بل يحفر عميقاً في تربة العبور بين العوالم التي أتقنتها الأعمال التي تناولت النينجا، إضافةً إلى أنمي بليتش المتفرد. الحلقة الأولى التي استمرت 60 دقيقة وأثارت إعجاب المتابعين بمشاهدها السينمائية لم تكن مجرد مقدمة، إنما هي فيلم كامل من مقدمة ووسط ونهاية، يضع اللبنات الأساسية لصراع يمتد عبر قرون.
تدور أحداث القصة في قرية جبلية نائية تسمى كادونو خلال فترة إيدو في عام 1840، حيث يعيش الشاب جينتا ويعمل حارساً لكاهنة القرية المقدسة إيتسوكيهيمي. أثناء أدائه مهمة قتل شيطان في الغابة، يواجه جينتا كائناً غامضاً يخبره بنبوءة مفادها أن "إله شيطان" سيهدد البشرية في المستقبل البعيد، وأن جذور هذا التهديد تعود إلى زمن جينتا نفسه. هذه اللحظة تشكل نقطة التحول في حياة جينتا، إذ ينطلق في رحلة تمتد لـ170 عاماً عبر العصور، من فترة إيدو إلى فترة هيسي، يصبح خلالها شخصاً مشوباً بالشياطين (Demon-tainted man) يسعى إلى الانتقام.
جينتا ليس مجرد صائد شياطين تقليدي؛ إنه مرآة تعكس ثيمة أبطال عالميين واجهوا تحولات وجودية، مثل تانجيرو بطل أنمي "قاتل الشياطين" الذي يفقد عائلته ليدخل عالم صيادي الشياطين. يفقد جينتا حبيبته شيرايوكي على يد شقيقته سوزوني، لتبدأ بعدها رحلته عبر الزمن والعوالم. لكن الفارق الجوهري هنا هو أن جينتا لا يبحث عن الانتقام فحسب، بل عن فهم لمعنى حمل السيف في عالم يذوب فيه الحد بين البشر والشياطين.
العلاقة بين هذه الشخصيات الثلاث، جينتا وأخته الصغرى سوزوني والكاهنة شيرايوكي التي يحبها جينتا، تقدم واحدة من أكثر المآسي إثارة في الأنمي الحديث؛ فسوزوني التي ضحت بنموها الطبيعي شيطانةً لكي تعيش مع أخيها، تشعر بالخذلان عندما ترى حبيبته تتزوج من شخص آخر، ما يدفعها إلى قتل شيرايوكي أمام عيني جينتا. هذا المشهد يترك جينتا مصاباً بصدمة تجعله يعيش قرناً كاملاً وهو يحمل جرحاً نفسياً لا يندمل.
من الناحية البصرية، يتميز الأنمي بأسلوب أنيميشن سينمائي (Cinematic). إضاءة المشاهد الليلية في الغابة، وتصميم الخلفيات التي تعكس أجواء فترة إيدو، واستخدام زوايا الكاميرا التي توحي بالعزلة والمصير المحتوم... كل هذه العناصر تساهم في بناء عالم غامض ومثير، لكن العمل ليس بلا عيوب، فمشاهد القتال في الحلقة الأولى، رغم أهميتها السردية، ليست مذهلة، لكن هذا متوقع في حلقات البداية التي تركز على التأسيس. الموسيقى التصويرية تقدم مزيجاً من الألحان التقليدية اليابانية والإيقاعات الحديثة، مع أغنية نهاية مؤثرة بعنوان Senya Ichiya (ليلة من ألف ليلة).
العمل ليس مجرد عمل متساهل بتقليده النمط السائد لأعمال العوالم الموازية، إنه يقدم رؤية جديدة، إذ يصبح التاريخ الياباني مسرحاً لصراع خيالي يعبر القرون. رغم أوجه التشابه الكثيرة مع أنمي "قاتل الشياطين" في موضوع صيد الشياطين، ومع ثيمة النينجا في عنصر العبور بين العوالم، فإن العمل يحتفظ بأصالة واضحة في تعامله مع الزمن بوصفه مادة سردية مرنة.
إحدى أكثر اللحظات إثارة في الأنمي هي القفزة الزمنية المفاجئة من القرن التاسع عشر إلى سبعينيات القرن العشرين، فترة هيسي تحديداً. هذه القفزة، وعلى الرغم من جرأتها، تطرح تساؤلات حول كيفية تعامل السلسلة مع تطور الشخصيات عبر قرن كامل. وهنا يكمن التحدي الأكبر للعمل وهو الحفاظ على تماسك القصة عبر القفزات الزمنية الكبيرة، لكن إذا استطاع تحقيق هذا التوازن والتماسك، فقد يصبح الوريث الشرعي لعرش أعمال الخيال التاريخي المظلم، وربما يفتح الباب أمام موجة جديدة من الأعمال التي تدمج التاريخ بالخيال بطريقة غير مسبوقة.
