هل اقتربنا من "موت الإنترنت"؟
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

في عام 2022، أصدرت الشرطة الأوروبية تقريراً بعنوان "مواجهة الحقيقة؟ تطبيق القانون وتحدي التزييف العميق"، واقتبس منه لاحقاً موقع عبارة مفادها "الخبراء يقدرون أن نحو 90% من المحتوى الرقمي سيكون مولداً اصطناعياً في غضون عام 2026". المفارقة الأولى أن هذا الاقتباس لم نجده في التقرير، وربما هذا ما قربنا خطوة نحو نظرية "الإنترنت الميت" التي تُصنف على أنها نظرية مؤامرة، بدأت في النصف الثاني من مطلع الألفية.
النظرية تفترض أنه بسبب تطور الذكاء الاصطناعي والمحتوى المزيف، سيفقد الإنترنت مصداقيته بوصفه مصدر معلومات، وسينتهي الأمر بهجرانه كلياً منهلاً للمعرفة، لأننا سنكون أمام محتوى لانهائي يولده الذكاء الاصطناعيّ، محتوى المفترض أن يهيمن العام المقبل، لكن المؤشرات تقول إن "موت الإنترنت" قد يكون أقرب.
يبدو أن أول منصة قد تدخل "الموت" هي Pinterest، تطبيق الصور الشهير الذي عانى مستخدموه بكثرة انتشار المحتوى المزيف الذي هيمن عليه، ما دفع المنصة إلى محاولة مواجهة المشكلة تحت اسم "الشفافية" عبر إطلاق تاغ أو تصنيف للصور المصنوعة بالذكاء الاصطناعي، ما يتيح تفاديها أو عدم رؤيتها. لكن، قبل ذلك، عانت المنصة نفسها مشكلة طرد المستخدمين وحجبهم. والسبب، خطأ في الذكاء الاصطناعي المسؤول عن تصنيف الصور.
يتزامن هذا التفسير مع كم البروباغاندا والصور والأخبار المزيفة التي بدأت منذ الحرب على أوكرانيا وتضاعفت مع حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، الأمر الذي وصفه جان كلود غولدستاين، المدير التنفيذي لشركة CREOpoint المختصة بتقييم المصداقية الرقمية بأنه "سيصبح أسوأ، قبل أن يتحسن". هذا التصريح كان في عام 2023، ويبدو أن غولدستاين، لم يتوقع أن يشارك دونالد ترامب فيديو مولّداً بالذكاء الاصطناعي عن تحويل غزة إلى منتج سياحيّ كبير.
تنامت الظاهرة في الآونة الأخيرة مع انتشار الـBrain rot، والـAI Slop. ملايين الفيديوهات عن كائنات غريبة ومحادثات هاتف مزورة بهدف الضحك. وفيديوهات للمشاهير تتغير فيها أشكالهم، بل حتى فيديوهات لانمساخات كافكاوية، يتحول فيها أحدهم إلى شطيرة مثلاً. نحن أمام محتوى مولّد عبر الذكاء الاصطناعي، ازداد بعد ظهور "تشات جي بي تي". محتوى وصف بأنه "يخنق الإنترنت"، وأصبح تفاديه أصعب منذ قرّرت "ميتا" التخفيف من شروط الرقابة على المحتوى.
الحروب والأحداث التي تشهدها المنطقة وما ترافق معها من صور وفيديوهات مزيفة وأخرى مولّدة عبر الذكاء الاصطناعي، ربما تسرع في هذه موت الإنترنت، خصوصاً أن عمليات التحقق من الزائف والمولّد بالذكاء الاصطناعي ونتائج هذا التحقق، لا تنال الانتشار نفسه ولا الشهرة نفسها التي تنالها الصورة المزيفة. والمثال الأبرز هو صورة البابا فرانسيس وهو يرتدي معطفاً لافتاً للانتباه، وتم تداولها لفترة قبل نفي صحتها. اللافت أن من ولّد الصورة لم يكن رجل دعاية، أو منظمة سياسية أو دينية، بل بابلو إكزافييه، عامل بناء من شيكاغو، كان يتسلى من دون أي هدف.
الملاحظ إذن أن مصدر الفيديوهات المزيفة لا يهدد انتشارها ولا كميتها، بل يهدد علاقتنا بـ "الإنترنت" نفسه، بل يمكن القول إن منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها، تحولت إلى ساحات حروب حقيقية، تخوضها دول وحكومات ومشاهير، ضمن ما يمكن تسميته بالـHypnocracy، أو الحكم عبر التنويم المغناطيسي، عبر بث عدد لانهائي من العلامات والصور التي تصل قدرتها التأثيرية حد تنويمنا مغناطيسياً. أحد أعراض هذا الشكل من "الحكم" هو ما يسمى الـDoom scrolling، أي إمضاء ساعات طويلة في تصفح الريلات، الآلاف منها الحقيقية والمزيفة والمصممة بدقة، كي "تستعمر" انتباهنا.

يبدو أن أول خطوة أبعد نحو " موت الإنترنت" بدأت مع "غوغل"، الذي بدأ باستخدام الذكاء الاصطناعي لنشر ملخصات عن نتائج البحث في كل صفحة، ما يعني أن المستخدم لن يضغط على الرابط ليقرأ، وسيكتفي بالملخص، ما يشير إلى أن الانتباه الآن محط صراع حتى قبل "استعماره". منذ لحظة البحث الأولى، تختصر عملية التصفح إلى قراءة ملخّص سريع عما نريد، عملية تدفع الإنترنت أكثر نحو "المقبرة"، ولعلّها تعيد إلينا السيادة على انتباهنا.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية