ماذا يحدث في الاقتصاد التركي؟ أداء قوي ومشكلات بارزة
عربي
منذ 4 ساعات
مشاركة

الحضور التركي خارجياً، في المنطقة العربية وأفريقيا وفي دول الاتحاد التركي، لا يأتي إلا من خلال الاعتماد على الاقتصاد التركي الذي يؤهلها للقيام بهذا الدور، فقد أصبح لتركيا دور إقليمي ودولي لا تخطئه عين.

إن وجود قوات عسكرية تركية خارج البلاد، وكذلك تمدد العلاقات الدبلوماسية والسياسية في العديد من الدول، يتطلبان موارد مالية واقتصادية، وعادة ما تُصدر تركيا ورقة التنمية والاستثمار في علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول، وإن كان القطاع الخاص هو ذراعها القوية في مجال الاستثمار والنشاط الاقتصادي الخارجي.

وغني عن القول إن تركيا عضو في مجموعة العشرين، ويحقق ناتجها المحلي الإجمالي ما يزيد عن تريليون دولار منذ عام 2023، وهو ما ميزها بقوة عن بقية اقتصادات المنطقة التي تعتمد أساساً على العوائد الريعية، بينما الاقتصاد التركي يصنف على أنه اقتصاد إنتاجي رغم الحضور القوي للقطاع السياحي، إلا أنه لا يقارن بغيره من القطاعات الإنتاجية، وبخاصة الأنشطة التصديرية.

أزمة الثقة في الاقتصاد التركي

من متناقضات الاقتصاد التركي، أنه رغم تحقيق مؤشرات اقتصادية كلية إيجابية، فإن هناك أزمة ثقة لدى المواطن التركي، وبخاصة لدى القطاع العائلي، صاحب المدخرات، فمتابعة أمر الليرة وتراجعها المستمر تجعل من أنشطة المضاربة على الذهب والدولار والعملات المشفرة مجالاً خصباً ينافس المجالات الإنتاجية ويؤثر على توجيه الودائع للبنوك.

فسعر صرف الدولار اقترب من 40 ليرة، ولا تلوح في الأفق بشائر للوصول لسقف تراجع قيمة الليرة، وتمثل هذه القضية أحد التحديات أمام صانع ومتخذ القرار للسياسة النقدية والاقتصادية في تركيا. فرغم تراجع التضخم إلى 35.4% نهاية مايو/ أيار 2025، لا يزال سعر الفائدة مرتفعاً عند 46%، وبذلك يكون سعر الفائدة الحقيقي في تركيا 10.6%، وهو معدل على ما يبدو غير مرضٍ للمدخر التركي مقارنة بما يجنيه البعض من عمليات المضاربة.

والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة لدى الأتراك والكثير من المهتمين هو: لماذا تظل الفائدة مرتفعة عند 46%، ولماذا تستمر الليرة في رحلة هبوط لا يُعلم له نهاية، ولماذا يشعر الناس بحالة من عدم الثقة؟ هذا مع أن الاقتصاد التركي تجاوز ناتجه المحلي التريليون دولار ويحقق معدلات نمو إيجابية متجاوزاً غالبية الدول الأوروبية في هذا الشأن.

وقد أعلن معهد الإحصاء التركي أنه بنهاية الربع الأول من عام 2025، بلغ معدل النمو 2%، كما أن الصادرات السلعية تستمر في إحراز المزيد من التقدم. فخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، بلغت الصادرات السلعية 86 مليار دولار، مقابل 83 مليار دولار في الفترة المقابلة من 2024، وتخطت إيرادات السياحة 65 مليار دولار عام 2024، وتراجع معدل البطالة إلى 8.6%. وكما ذكرنا، تراجع معدل التضخم إلى 35.4%، ومنذ فترة انخفضت أسعار النفط في السوق الدولية، بما يخفض تكاليف المنتجين وأعباء المستهلكين.

الاقتصاد الأسود في تركيا

إسطنبول من المدن الدولية، وهي مدينة مفتوحة يرتادها سائحون من دول العالم كافة، ومثل حالة إسطنبول عادة ما تكون ساحة نشطة لعمل العصابات المنظمة، فضلًا عن مغامرات بعض الأتراك في القيام بأنشطة مالية يجرمها القانون.

فأخيراً، أعلنت وزارة الداخلية التركية ضبط عصابة تقوم بتزوير عملات تخص عدة دول (أميركا، السعودية، الاتحاد الأوروبي، مصر) استعداداً لطرحها في السوق التركي، وقدرت قيمة الأوراق النقدية المزورة المضبوطة بنحو 100 مليون يورو. وتمثل هذه الجرائم باباً مهماً للضغط على النقد الأجنبي الحقيقي، حيث تعمل هذه العصابات بعد ذلك على إخراج النقد الأجنبي من السوق التركي، مما يحدث حالة من عدم الاستقرار في سوق سعر الصرف.

ولا تعد هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة الداخلية عن مثل هذه الجرائم، وقبل الإعلان عن هذه العصابة، تم ضبط مخالفات مالية ترتبط بالقيام بعمليات مراهنات ومخالفات مالية تؤدي إلى خروج النقد الأجنبي من البلاد، قام بها أحد البنوك الإلكترونية.
هذا فضلاً عن قضايا الفساد التي انكشفت في العديد من إدارات البلديات، ولئن كان معظمها مرتبطاً بممارسات محلية، إلا أن مثل هذه العمليات غالباً ما تنتهي بغسل أموال وتهريبها للخارج، إضافة إلى ما تحدثه من إرباك في نشاط الاستثمار والتجارة.

السياسات الاقتصادية في تركيا

تتصدر السياسة النقدية اهتمام الجميع في تركيا وخارجها. ففي تركيا، ينتظر الجميع أن تعود حالة الاستقرار لكل من سعر الصرف والفائدة عند معدلات مقبولة لا تشكل ضغطاً على المنتجين والمستهلكين، وتطمئن المدخرين على ثرواتهم بحيث لا تكون معرضة لخفض قيمتها.

أما بخصوص الخارج، فقد وضعت تركيا نفسها تحت مطرقة الأموال الساخنة عبر سياستها النقدية التي استوعبت قدراً كبيراً من تلك الأموال في أدوات الدين الحكومي، وعندما أراد البنك المركزي تخفيض سعر الفائدة ووصل بها إلى 42.5% بعدما استقرت عند سقف 50% لفترة طويلة، عاد مرة أخرى ليصعد إلى 46% بهدف الحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي ووجود أموال الأجانب في الدين الحكومي، وهي معضلة تحتاج إلى حل، ليتوفر لتركيا رصيد من النقد الأجنبي يجعلها غير متضررة من خروج الأموال الساخنة.

في جانب آخر، تعتمد تركيا بوضوح على الديون الخارجية. فحسب بيانات وزارة الخزانة، بلغ الدين الخارجي 515 مليار دولار بنهاية 2025، وهو ما يناهز 50% من الناتج المحلي الإجمالي ويحمّل الموازنة العامة أعباء الدين الحكومي، ويستنزف، في الوقت نفسه، القطاع الخاص بتدبير النقد الأجنبي اللازم لسداد الأقساط والفوائد. وقد نتج عن الأجواء الخاصة بالسياسة الاقتصادية في تركيا أن ذهب بعض المستثمرين الأتراك إلى البحث عن مناطق أخرى أقل تكلفة في عمليات الإنتاج، ومنها مصر التي استوعبت بعض المستثمرين الأتراك في مجال النسيج والأحذية.

التوازن المطلوب في الاقتصاد التركي

من الضروري أن يكون هدف الحكومة التركية إحداث حالة توازن بين الأداء الخارجي الذي يعكس حضوراً قوياً للدولة، وكذلك بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابية، وحالة عدم الثقة وغياب الاستقرار في مجالي سعر الفائدة وسعر الصرف.

ومن أهم متطلبات تحقيق حالة التوازن، القضاء على أنشطة الاقتصاد الأسود، والتركيز على المعاملات التي تستهدف إحداث هزات كبيرة في أسعار الصرف، والسعي لإخراج النقد الأجنبي من البلاد، ولعل التركيز على أنشطة العصابات المنظمة، والقضاء عليها، أو تقليص نشاطها على الأقل، يؤدي إلى مساحة مرضية من عرض النقد الأجنبي، واستعادة الليرة لعافيتها.

وفي هذا الصدد، لا بد أن تصاحب ذلك سياسة إنتاجية تزيد من استخدام مستلزمات الإنتاج لردم الفجوة في العجز التجاري والاستفادة من الاكتشافات النفطية والغاز الطبيعي، لتوفير النقد الأجنبي المستخدم في استيراد موارد الطاقة المكلفة، هي أكبر بنود الواردات السلعية التركية.

أيضاً، من المهم السعي لتقليل الاعتماد على الديون الخارجية لتمويل التنمية، وكذلك تقليل الاعتماد على تعاملات الأجانب في الدين الحكومي، فكلا الأمرين لا بد من إخراجهما من معادلة الاقتصاد التركي، فكما أن لهما تكلفة ترهق ميزان المدفوعات، فهي أوراق ضغط يمكنها إحداث مشكلات في الأجل القصير للنشاط الاقتصادي، علماً أن قضية الاستقرار السياسي الداخلي تمثل واحدة من القضايا العاجلة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية