الأردن: تهجير بدو "البدول" في البتراء
Society
5 hours ago
share
Click to expand Image امرأتان من البدول تخبزان في أحد كهوف جبل سطوح النبي هارون، الأردن. © 2025 خاص

(بيروت) - قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الحكومة الأردنية تقوم بإخلاء "البدول"، مجتمع بدوي من البتراء، قسرا، في انتهاك واضح لحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يشمل حقهم في السكن. على السلطات الأردنية أن تتراجع فورا عن الإجراءات التي جعلت منازل السكان غير صالحة للعيش، وأن تجري مشاورات جادة مع البدول لضمان موافقتهم على أية عمليات نقل مستقبلية. 

لإجبار السكان على إخلاء المنطقة، تتخذ السلطات الأردنية تدابير قسرية، بما في ذلك قطع خدمات المياه وتعليق بعض الرواتب ومدفوعات الضمان الاجتماعي. تحتجز السلطات الأردنية أيضا السكان تعسفيا دون توجيه تهم لهم وتجعل إطلاق سراحهم مشروطا بموافقتهم على الإخلاء. 

قال آدم كوغل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "تهجير الأردن للبدول من منازلهم التاريخية في البتراء يُعرّض ثقافتهم للخطر. على الحكومة الأردنية وقف عمليات التهجير واحترام حقوق مجتمع البدول في البتراء".

تُبرر السلطات الإجراءات الأخيرة في البتراء، بما في ذلك إزالة ما تصفه بـ"المخالفات" و"الاعتداءات" في الموقع الأثري والسياحي العالمي المشهور، بأنها ضرورية لسلامة الموقع والزوار. بينما يؤطر المسؤولون هذه الإجراءات على أنها جزء من الجهود المبذولة للحفاظ على البتراء للأجيال القادمة، قال السكان لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات المحلية تستخدم أساليب قسرية، بما يشمل تعليق خدمات المياه واحتجاز الأفراد تعسفا، والتي يعتقد السكان المحليون أن الهدف منها الضغط على العائلات لإخلاء المنطقة. 

أطلقت السلطات الأردنية الحملة الأولى من النقل القسري للبدول تحت ستار الحفاظ على موقع البتراء الأثري بعد تصنيفه كـ"موقع تراث عالمي" لـ"منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (اليونسكو) في 1985. بدأت الحملة الحالية في أواخر 2024، واستهدفت نحو 25 عائلة من البدول تعيش في الكهوف والخيام في جبل سطوح النبي هارون (السطوح).

زارت هيومن رايتس ووتش السطوح في يونيو/حزيران 2025، وتحدثت إلى السكان، واطلعت على مقاطع من مقابلات مع السكان إلى جانب وثائق من المحاكم. قال مصدر محلي إن السلطات جاءت إلى السطوح في 2 يوليو/تموز 2025، وأعربت عن نيتها التعجيل بالإخلاء والترحيل، وهي إجراءات يعتقد السكان أنها انتقام منهم بسبب تحدثهم علنا. 

راسلت هيومن رايتس ووتش الحكومة الأردنية واليونسكو في 1 يوليو/تموز و21 مايو/أيار 2025 على التوالي، موضحة المخاوف وطارحة الأسئلة، لكنها لم تتلق ردا.

أكّد فارس البريزات، رئيس مجلس مفوضي "سلطة إقليم البترا التنموي والسياحي"، وهي الهيئة الحكومية التي تدير الموقع الأثري، المراحل السابقة من حملة الإخلاء، واصفا إخلاء العائلات من كهوفها وإزالة أكشاكها بأنها جزء من خطة لـ "تعزيز سيادة القانون" والقضاء على "مصادر التهديد" للزوار والموقع السياحي. في بيان غير مؤرخ على الموقع الإلكتروني لوزارة السياحة الأردنية، وصف السكان بـ "المخربين" و"المخالفين".

منذ أواخر فبراير/شباط، اتخذت السلطات إجراءات تقوّض صلاحية منطقة السطوح للسكن والحقوق الأساسية للسكان، حسبما قال السكان لـ هيومن رايتس ووتش. شملت هذه الإجراءات قطع إمدادات المياه وتعليق الرواتب ومدفوعات الضمان الاجتماعي لموظفي سلطة إقليم البترا السياحي والتنموي.

قالت امرأة عمرها 82 عاما ما زالت تعيش في كهفها إنهم لم يعودوا قادرين على ري أشجار الفاكهة، مما أدى إلى إتلاف محصولهم وإجبارهم على إنفاق المال لشراء مواد غذائية لم يكونوا بحاجة لشرائها في السابق.

لتأمين المياه للشرب والطهي، قال السكان إن عليهم الآن إما أن يتنقلوا إلى أم صيحون، على بعد أكثر من ثلاثة كيلومترات، ويطلبوا من الناس ملء غالونات المياه الخاصة بهم، أو يجلبوا المياه من جدول مائي قريب. قال ساكن آخر: "نرسل الأولاد على الحمير لملء أوعية المياه من الجدول الذي تتخلص فيه المطاعم من نفاياتها. المياه سيئة وملوثة وتصيبنا بالمرض". 

قال السكان لـ هيومن رايتس ووتش إن إمدادات المياه أعيدت جزئيا في 29 يونيو/حزيران لكنها لا تزال تقتصر على ما لا يزيد عن أربع ساعات أسبوعيا، وهو أقل بكثير مما كان متاحا في السابق وغير كافٍ لتلبية احتياجات السكان.

وجّهت سلطة إقليم بترا التنموي والسياحي اتهامات جنائية إلى ثلاثة رجال على الأقل في ديسمبر/كانون الأول 2024. إحدى لوائح الاتهام التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش اتهمت أحد الرجال بالقيام بأنشطة غير مرخصة متعلقة بالسياحة، بما في ذلك استخدام موقع كهف أثري كمقر إقامة له دون تصريح. وفقا للمتهمين، فقد دفعوا الغرامات وأُغِلقت القضية. مع ذلك، رفعت سلطة الإقليم منذئذ قضية مماثلة ضد الرجال الثلاثة أنفسهم، وعُقدت أولى جلسات المحاكمة في 15 يوليو/تموز.

في 2023، هدمت السلطات كشكا لأحد السكان في منطقة مجاورة في الموقع الأثري، دون سابق إنذار أو تعويض، بسبب عمله من دون الترخيص اللازم. قال سكان وتجار لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات وعدت بإطلاق آلية لطلب ترخيص لإنشاء وتشغيل متاجرهم في 1997، لكن لم يتم فعل أي شيء حتى الآن. 

في أبريل/نيسان، ألقت السلطات القبض على اثنين من الرجال الثلاثة دون توجيه تهم إليهما واحتجزتهما لمدة 21 يوما، في قضية لا علاقة لها بالتهم التي وجهت إليهما سابقا. أفرِج عنهما بعد أن توصلوا إلى اتفاق شفهي مع السلطات يقضي بإخلاء الكهوف بشرط أن توفر السلطات مساكن بديلة أكبر في أم صيحون وتضمن الإبقاء على الكهوف كمواقع تراث ثقافي يمكن للسياح زيارتها، بحسب ما أفاد الرجال. 

أوقفت السلطات أيضا بدل المواصلات للعائلات التي من بين أفرادها طلاب يرتادون المدرسة الحكومية المحلية في وادي موسى على بعد أكثر من ستة كيلومترات، وكانت آخر دفعة استلمتها العائلات في يناير/كانون الثاني. قال أحد سكان المنطقة: "إذا استمر هذا الوضع، سأخرج أطفالي من المدرسة لأننا لا نستطيع تحمل تكاليف المواصلات". 

وفقا للسكان، تعتزم السلطات نقلهم إلى مجمع سكني في منطقة نائية - على بعد أكثر من سبعة كيلومترات من أقاربهم والأسواق - دون وسائل نقل عام موثوقة. قالت امرأة كبيرة في السن نُقِلت إلى المجمع السكني الجديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 لـ هيومن رايتس ووتش إن عائلتها لم تحصل على خضروات طازجة منذ أكثر من يومين لأنها لا تستطيع تحمل تكلفة التنقل من وإلى أقرب سوق.

وفقا للسكان، هذا الموقع الجديد غير مناسب أيضا لتربية الماشية أو الزراعة، وهي ممارسات العمل التقليدية التي تعتبر ضرورية لدخلهم ومرتبطة بثقافتهم ارتباطا عميقا. 

تُظهر السرديات التاريخية عن أسلوب حياة البدول أن رعي الماشية والزراعة الموسمية للشعير والنباتات المحلية لطالما كانت أساسية ليس فقط لكسب الرزق والدخل، بل أيضا لهويتهم الثقافية. اعترفت اليونسكو بهذه الممارسات، إلى جانب التراث الشفهي وصناعة الخيام والمعارف البيئية التقليدية، باعتبارها "فضاءً ثقافيا" أدرِج في 2008 على "القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية"، وهو عنصر أساسي من عناصر التراث الحي للموقع. تهجير البدول يقطع صلتهم بالأرض ويهدد هذا الإرث الثقافي. 

على السلطات الأردنية ووكالات "الأمم المتحدة" والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة النظر في الاعتراف رسميا بالبدو كشعب أصلي بما يتماشى مع المعايير الدولية، بما في ذلك "إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية".

وجدت هيومن رايتس ووتش أن السلطات لم تتشاور بشكل كاف مع البدول المتضررين. أدى عدم التشاور إلى توفير الحكومة لكل معيل أسرة وحدة سكنية واحدة تتكون من غرفة معيشة ومطبخ وحمام واحد وغرفتي نوم. هذا لا يعكس احتياجات أو تعقيدات أسر البدول الكبيرة ومتعددة الأجيال والأسر التي كان تقيم في منازل يسكنها أكثر من أسرة من نفس العائلة. تتطلب المعايير الدولية أن تسعى السلطات إلى الحصول على موافقة حرة ومُسبقة ومُستنيرة من الشعوب الأصلية قبل أي عملية نقل من أراضيهم، كما تتطلب الاتفاق على تعويض عادل ومنصف. 

عاشت عشيرة البدول في الكهوف والخيام حول البتراء منذ بداية القرن التاسع عشر، وفقا لدراسة إثنية تاريخية نشرتها "دائرة الآثار العامة" الأردنية. عشيرة البدول هي واحدة من عدة عشائر بدو تعيش في جنوب الأردن، وخاصة في محيط البتراء ووادي رم.

الفضاء الثقافي للبدو محمي بموجب "اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي". تقع على الأردن مسؤولية الامتناع عن أي عمل يُضر بسلامة الفضاء الثقافي للبدو في البتراء.

بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، على الدول دراسة جميع البدائل الممكنة قبل تنفيذ عمليات الإخلاء، لا سيما تلك التي تؤثر على مجموعات كبيرة، وعليها أيضا التشاور مع السكان المتضررين. لم تُجرِ السلطات الأردنية مشاورات مُجدية مع السكان المتضررين، بما يشمل النساء والأطفال، حول تأثير أي تغيير محتمل على أراضيهم وسبل عيشهم وأمنهم الغذائي وثقافتهم وتعليمهم. 

قال كوغل: "لا يمكن للأردن أن يدعي حماية التراث الحي للبتراء بينما يهمش المجتمع المحلي الذي يجسده. على الأردن أن يعمل مع اليونسكو لدعم حقوق البدول وضمان مشاركتهم الكاملة في تشكيل مستقبل الموقع الذي اعتبروه وطنهم على مدى أجيال".

 

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows