
مثّل مؤتمر الحوار الوطني الشامل عام 2013 محطة مفصلية في مسار تمكين المرأة اليمنية سياسيًا، حيث حصلت النساء لأول مرة على تمثيل نسبته 30% من قوام المشاركين في المؤتمر، بعد عقود من النضال والمطالبة بإنصافهن وإشراكهن في مراكز صنع القرار. كان ذلك التمثيل ثمرة سنوات طويلة من جهود الحركة النسوية والمجتمع المدني، إلا أن مرحلة ما بعد الحوار جاءت محمّلة بالتحولات السياسية والانقسام والحرب، لتعود التساؤلات من جديد: أين أصبحت المرأة اليمنية اليوم في خارطة القرار؟
في هذا التقرير نسلّط الضوء على واقع تمثيل النساء في السلطات الحاكمة بعد مؤتمر الحوار الوطني، سواء في سلطة الحوثيين (غير المعترف بها دوليًا)، أو السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، من خلال تحليل بيانات التعيينات في أعلى الهيئات والمجالس والحكومات التي تشكّلت بعد الحوار.
الكوتا النسائية كنصّ مؤسس
نصّت وثيقة مخرجات الحوار الوطني الشامل في المادة رقم (82) من باب الحقوق والحريات على ضرورة تمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 30% في مختلف الهيئات، وسلطات الدولة، والمجالس المنتخبة، والمعينة. وكان واضحًا أن الكوتا ليست مجرد نسبة رقمية، بل أداة تمكين من شأنها تعزيز المشاركة السياسية للنساء. لكن بعد أكثر من عشر سنوات، يُطرح السؤال: ما واقع تمثيل النساء في مراكز صنع القرار بعد الحوار الوطني؟
كان من المتوقع أن تمثل مرحلة ما بعد الحوار انطلاقة فعلية لتفعيل الكوتا النسائية، غير أن اندلاع الحرب عام 2015 وانقسام السلطة بين الحوثيين والحكومة الشرعية أعادا عقارب الساعة إلى الوراء. فيما يلي قراءة في تمثيل النساء لدى الجانبين:
تمثيل النساء في السلطات العليا
عقب انقلاب جماعة الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح على السلطة الشرعية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي، تم الإعلان عن تشكيل المجلس السياسي الأعلى كهيئة تنفيذية عليا تتولى حكم البلاد في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وهو كيان غير معترف به دوليًا. في المقابل، ومع استمرار النزاع، اتخذ الرئيس هادي من مدينة عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، وفي أبريل 2022، أصدر قرارًا يقضي بنقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، ليكون بمثابة أعلى سلطة تنفيذية في المناطق التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا. ورغم أن كلا المجلسين يمثلان أعلى هرم السلطة السياسية لدى الجانبين، لم تحظَ المرأة بعضوية أي منهما، في تغييب واضح للنساء عن مواقع القرار السيادي.
الشكل البياني التالي يوضح عدد الذكور والإناث في مجلس القيادة الرئاسي والمجلس السياسي الأعلى:
ترى الناشطة وداد البدوي أن تمثيل النساء في مراكز صنع القرار بعد مؤتمر الحوار الوطني شهد تراجعًا كبيرًا بسبب الحرب والانقسام السياسي، فبعد أن كان هناك حضور نسوي فاعل ومؤثر قبل الحرب وخلال الحوار الوطني، عادت النساء إلى الهامش وتم تهميشهن بشكل واضح في التعيينات الحكومية والعليا لدى جميع الأطراف، وأصبحن مغيبات عن صناعة القرار.
تمثيل النساء في الحكومات لدى الجانبين
من خلال تحليل تشكيلات الحكومات التي جاءت بعد مؤتمر الحوار الوطني، يتّضح حجم التهميش الذي تعرّضت له النساء في التعيينات الوزارية، بدءًا من حكومة الشراكة الوطنية التي تشكّلت بعد توقيع اتفاق السلم والشراكة، بمشاركة مختلف المكونات السياسية، بما في ذلك جماعة الحوثيين. وقد ضمّت الحكومة آنذاك 4 نساء من أصل 36 عضوًا، في تمثيل يُعد الأفضل نسبيًا مقارنة بما تلاها من حكومات.
الشكل البياني التالي يوضّح عدد الذكور والإناث في حكومة الشراكة الوطنية:
فيما بعد، ومع تصاعد الحرب والانقسام السياسي، تشكّلت 6 حكومات توزعت بين الطرفين، منها أربع حكومات شكلتها السلطة الشرعية المعترف بها دوليًا، وحكومتان شكّلهما الحوثيون.
حكومات الحوثيين (غير معترف بها دوليًا)
في عام 2016م، شكّلت جماعة الحوثي حكومة الإنقاذ الوطني، وتكوّنت من 45 حقيبة وزارية، شغلت النساء منها ثلاث حقائب فقط (نسبة 7%). وقد تم إنهاء عمل هذه الحكومة في سبتمبر 2023م، مع تكليفها بتصريف الأعمال.
وفي أغسطس 2024م، شُكّلت حكومة التغيير والبناء، المكوّنة من 22 حقيبة وزارية، لكنها لم تضم أي امرأة، ما يشكّل عودة كاملة إلى إقصاء النساء من المناصب الوزارية.
الشكل البياني التالي يوضّح تمثيل النساء في حكومات الحوثيين:
الحكومات في إطار السلطة الشرعية
شكل الرئيس عبدربه منصور هادي حكومة مؤقتة برئاسة خالد بحاح عام 2015م، ضمّت 13 حقيبة وزارية، شغلت النساء منها حقيبة واحدة فقط (نسبة 8%). ثم تلتها حكومة برئاسة أحمد عبيد بن دغر عام 2016م، شملت 36 حقيبة، حصلت النساء فيها على وزارتين (نسبة 6%). وفي ديسمبر 2018م، عُيّن معين عبدالملك رئيسًا للحكومة، وفي ديسمبر 2020م صدر قرار بتشكيل حكومة جديدة برئاسته ضمّت 25 حقيبة وزارية دون أي تمثيل نسائي. وفي فبراير 2024م، أُقيل معين من رئاسة الحكومة، وعُيّن أحمد بن مبارك رئيسًا للوزراء، مع الإبقاء على نفس تشكيلة الحكومة السابقة. ولاحقًا، في مايو 2025م، تم تعيين سالم بن بريك رئيسًا للوزراء خلفًا لبن مبارك، دون إجراء أي تعديل على تشكيلة الحكومة، ليستمر بذلك تهميش النساء من المشاركة في الحكومات المتعاقبة.
الشكل البياني التالي يوضح عدد النساء والرجال في الحكومات التي شكّلتها السلطة الشرعية:
تمثيل النساء في بعض الهيئات واللجان
إلى جانب المجالس والحكومات، ضمّنت السلطتان بعض النساء في هيئات ولجان أُنشئت خلال فترة النزاع، وإن كان ذلك بنسب متدنية. ففي عام 2015، شكّلت جماعة الحوثيين اللجنة الثورية العليا لتسيير شؤون الدولة، وضمت اللجنة 15 عضوًا، بينهم امرأتان فقط، أي بنسبة تمثيل بلغت 13%.
وفي إطار إعلان نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، أنشأت السلطة الشرعية هيئة التشاور والمصالحة، وهي هيئة مساندة للمجلس، تهدف إلى توحيد القوى الوطنية وتعزيز جهود التوافق وبناء السلام. تتكون الهيئة من 50 عضوًا، تم تخصيص خمسة مقاعد للنساء، بنسبة تمثيل بلغت 10%.
الشكل البياني التالي يوضح عدد الذكور والإناث في الهيئتين.
وترى وداد البدوي أن الحرب قلبت موازين القوى، ولم تعد المرأة أولوية لدى أي طرف. في سلطة صنعاء، تم إقصاء النساء بشكل منهجي، عبر إغلاق المنظمات، ومنع الفعاليات، وحتى سجن الناشطات. أما في الحكومة الشرعية، فتم استبعاد النساء باسم الظروف، لكن الحقيقة أن المحاصصة الحزبية الذكورية هي التي أقصتهن. كل حزب فضّل ترشيح رجال للحقائب الوزارية، وكأن النساء عبء سياسي، رغم أنهن الأجدر والأكثر حضورًا في أصعب سنوات الحرب”.
تفعيل الكوتا النسائية
تحذّر الناشطة النسوية وداد البدوي من أن تغييب النساء عن مواقع صنع القرار لا ينعكس فقط على حاضرهن، بل سيؤثر على مستقبلهن، قائلة: “إبعاد النساء عن الحياة العامة يعني تغييب أجندتهن لعقود قادمة. هذه كارثة نعيشها اليوم، وسندفع ثمنها غدًا، لأن المرأة إذا غابت عن القرار، غابت عن السياسات، والخدمات، والمستقبل”.
وفيما يتعلق بالمقترحات لتفعيل الكوتا النسائية، ترى البدوي أن تمكين النساء من الوصول إلى مراكز صنع القرار يتطلب تغييرًا جذريًا في بنية النظام السياسي وطبيعة الحوار الوطني القادم، “نحن بحاجة إلى حوار جديد بعد الحرب، حوار أكثر عدالة وشمولًا لا يقوم على تقاسم السلطة، بل على شراكة حقيقية تضمن المواطنة للجميع، بما فيهم النساء، والشباب، والمجتمع المدني، والمناطق المهمشة”.
كما تدعو إلى استثمار الآليات المحلية والدولية كوسيلة ضغط على الأطراف السياسية التي لا تتعامل مع النساء بندية داخل السياق المحلي، “من المهم أن تستخدم النساء كل الآليات المتاحة، سواء عبر مكتب المبعوث الأممي أو السفراء أو الهيئات الدولية، لأن الأطراف المحلية لا تحترم صوت المرأة إلا إذا جاء عبر وسيط دولي. عندما تتحدث المرأة مباشرة يتم تجاهلها، لكن إذا تكلم السفير، يبدأون بالاستماع”.
وتؤكد على ضرورة تعزيز التشبيك والتواصل والمعرفة كأدوات نضال استراتيجية: “يجب أن يكون للنساء إمكانيات حقيقية للوصول والمشاركة، من خلال التشبيك، وتبادل المعلومات والمعرفة، والبقاء على اطلاع بكل المستجدات، واستثمار الفرص للدفاع عن حقوقهن داخل الأحزاب، والمكونات السياسية، وفي الدولة بشكل عام”.
The post الكوتا النسائية في اليمن.. من وثائق الحوار إلى هامش القرار! appeared first on منصتي 30.