
عربي
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقرّر إجراؤها في العراق في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تشهد الساحة السياسية العراقية تصعيداً واضحاً في الخطاب الانتخابي للقوى التقليدية الحاضرة في المشهد السياسي منذ العام 2003، إذ تسعى اليوم إلى استعادة زخمها الجماهيري، وسط تراجع في الثقة الشعبية، وتنامي المنافسة من قوى ناشئة وإصلاحية.
وفي الأيام الأخيرة، تبنّت الكتل السياسية الكبرى لغة "تعبئة وتحشيد شعبي" غير مسبوقة، وصفتها بعض الأوساط بأنها أقرب إلى لغة المعركة منها إلى لغة الانتخابات الديمقراطية، إذ لم تعد الحملات الانتخابية مجرد سباق برلماني اعتيادي، بل تحولت إلى ساحة خطابية تستحضر فيها مفردات "الحرب الانتخابية" و"معركة الوجود"، وأكد زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، السبت، في كلمة له أمام جمع من أنصاره، أن "عدم المشاركة في التصويت يمثل استجابة لمن يضمر الشر للعراق، وأن المنافسة التي لا تخدم العراق وشعبه، هي السعي غير المحمود لإلغاء الآخر، وتشويه صورته وتسقيطه، وهذه شائبة أخلاقية نرفضها"، وشدد على "أهمية المشاركة الواسعة بالانتخابات".
أما زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، فقد ذهب أبعد من ذلك في توصيفه للانتخابات المقبلة، معتبراً إياها "محطة مفصلية ومعركة وجود بكل معنى الكلمة"، محذراً في خطابه أمس الأحد، من أن "البلاد تقف أمام خيارين، إما مشروع الدولة الوطنية أو مشروع التفكك والانقسام"، وأكد العامري أن "ما يجري من محاولات لتشويه صورة القوى الوطنية لن يثنينا عن التمسك بخيار المقاومة السياسية، والدفاع عن سيادة العراق واستقراره".
من جهته، حذر زعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، من مشاريع خطيرة تستهدف العراق وأمنه، وقال في خطاب له أمام أنصاره، أمس الأحد، إنه "في ظل هذه المشاريع الخطيرة التي تهدد العراق، يتحتم علينا المشاركة الواسعة المكثفة في الانتخابات، وإنّ الإعراض عن المشاركة سيضع العراق في معرض الخطر أمام هذه التحديات، ويجعلنا لقمة سائغة عندهم". وبين هذه الخطابات، يرى مراقبون أن تصاعد النبرة التحذيرية يعكس خشية واضحة لدى هذه القوى من خسارة جزء من قاعدتها الشعبية، خصوصاً في ظل تنامي التوجهات الاحتجاجية لدى فئات شبابية واسعة في البلاد، تعتبر أن القوى المهيمنة لم تقدم حلولاً ملموسة لأزمات البطالة والفساد وضعف بتقديم الخدمات.
ويرى، الناشط في التيار المدني، عبد الله الغانمي، أن "لغة التحشيد والتخويف من المجهول التي يستخدمها بعض الزعماء السياسيين تهدف إلى إعادة تعبئة الجمهور التقليدي، ودفعه نحو المشاركة الواسعة"، مبيناً في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن "هذه اللغة في الوقت نفسه قد تعمّق الاستقطاب السياسي وتزيد من حدة التوتر المجتمعي"، وأضاف أن "القوى الجديدة التي خرجت من رحم الاحتجاجات تسعى لتقديم خطاب بديل يقوم على الإصلاح، والرقابة، والمساءلة وفق منظور وطني، وهو ما يربك حسابات الكتل القديمة التي اعتادت على هيمنة ثابتة في المشهد السياسي".
وتأتي هذه التطوّرات في وقت تحاول فيه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات طمأنة الشارع العراقي بشأن نزاهة العملية الانتخابية، وسط تقارير تتحدث عن بيع بطاقات انتخابية ومحاولات التأثير في إرادة الناخبين، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية إلى تنفيذ حملات واسعة لملاحقة المتورطين في هذه الممارسات. وفي ظل هذا المناخ المتوتر، يرى مراقبون أن الخطاب الانتخابي العراقي يشهد تحولاً نحو الطابع الوجودي، إذ تسعى القوى السياسية إلى تصوير الانتخابات، بوصفها "معركة فاصلة بين مشروع الدولة ومشروع الفوضى"، وهو ما يكسب الحملات الانتخابية بعداً تعبوياً أكثر من كونه تنافسياً.
وفي هذا الشأن، يحذر الخبير الأكاديمي المختصّ بالشأن الانتخابي، حيدر الربيعي، من أن "الإفراط في هكذا خطاب قد يدفع نحو تأزيم الأوضاع السياسية والأمنية، خاصة إذا ما ترافقت الحملات مع عمليات تخوين متبادل وتشكيك بنزاهة المنافسين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "المرحلة المقبلة تتطلب من جميع القوى اعتماد لغة التهدئة وتقديم برامج واقعية، بدل الاكتفاء بالشعارات واللغة التصعيدية"، ويشير إلى أن "استمرار الخطاب القائم على الترهيب الانتخابي يعمق فجوة الثقة بين المواطن وبين النظام السياسي، ويحدُّ من رغبة الناخبين بالتصويت".
ويؤكد أن "المواطن العراقي بات يدرك أن صوته يُستدعى في المواسم الانتخابية حصراً، فيما تُهمل مطالبه في الفترات الأخرى". ومع دخول الحملات الانتخابية في العراق مراحلها الحاسمة، يبدو أن التحدي الأكبر لا يتمثل فقط في تنظيم انتخابات آمنة ونزيهة، بل أيضاً في كبح جماح الخطابات المتشنّجة التي تتصاعد حدتها، والتي تهدد بإعادة إنتاج الانقسام السياسي والمجتمعي في البلاد.
