
عربي
كشفت الأرقام الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة التركية الجمعة الماضي أن عدد السياح الذين زاروا تركيا خلال الفترة من بداية العام الحالي وحتى أغسطس/آب الماضي قد تجاوز أربعين مليوناً، بينهم أكثر من خمسة وثلاثين مليون أجنبي وقرابة خمسة ملايين من الأتراك المقيمين في الخارج. وقالت الوزارة إن استمرار تدفق السائحين على تركيا يؤكد أنها لا تزال مقصداً عالمياً مهماً رغم التحديات الاقتصادية العالمية.
وجاءت روسيا في المرتبة الأولى بعدد من السائحين بلغ 4,554,395 زائراً، تليها ألمانيا بعدد 4,400,592، ثم المملكة المتحدة بما يزيد قليلًا عن 3 ملايين، مشيرة إلى أن أغسطس الماضي وحده شهد توافد حوالي 6,970,000 سائح أجنبي، بزيادة تقدر بـ 2% مقارنة بشهر أغسطس من العام السابق.
ويتفق خبراء السياحة في تركيا على أن الأشهر الأخيرة من العام لا تشهد توافداً سياحياً كبيراً، نظراً لقدوم الشتاء وانتهاء مواسم العطلات في قطاع الأعمال والمدارس، ويعتبرون أن جذب السياح خلال فصلي الخريف والشتاء يعتمد على التغيرات في الطلب والأسعار، وتكاليف التشغيل المرتفعة، وتأثير الصرف الأجنبي على هوامش الربح لدى المنشآت السياحية. كما أن المنافسة من دول السياحة المتوسطية الأخرى تُعد عاملاً ليس بالقليل بالنسبة لفترة مثل الشتاء.
رغم ذلك، تعول تركيا، حسب ما تقول وزارة السياحة والثقافة، على السياحة الشتوية، خاصة لبعض الولايات الساحلية مثل أنطاليا التي تعد واحدة من أهم مراكز الجذب السياحي في الشتاء والصيف، ضمن عروض "كل شيء شامل" التي تجذب السائح الأجنبي الباحث عن الراحة والتجربة الكاملة. كما تراهن تركيا على تحسين البنى التحتية والخدمات والعروض. لتبقى الآمال معلّقة على استمرار هذا النمو خلال بقية العام، خاصة في الأشهر التي تقل فيها الحركة السياحية، وتحقيق التوازن بين جودة التجربة وتكاليف التشغيل للسياح والمشغّلين معاً.
مخاوف مشروعة
لكن ثمة مخاوف لدى قطاع السياحة من تراجع عدد الزائرين والعائدات التي تعول عليها الحكومة على أمل أن تصل إلى 65 مليار دولار هذا العام، لتساهم، وفق خبراء، بزيادة المعروض النقدي الأجنبي وتوقف التراجع في سعر الليرة التركية، بعد أن سجل الدولار اليوم الأحد نحو 41.6 ليرة تركية، ولما للسياحة، برأي هؤلاء، من إنفاق السياح وشرائهم المنتجات والترويج للنهضة والنمو بتركيا.
لكن مؤشرات الربع الثالث لا تبشر بموسم سياحي جيد، كما يقول مدير شركة "ياشام" للسياحة في إسطنبول محموت ألتن باش مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن لأحداث السياسية والحروب، خاصة الإسرائيلية والإيرانية خلال الفترة السابقة، بدلت من برامج ووجهة السياح، في المنطقة العربية خاصة، وأثرت على القدوم إلى تركيا".
ويكشف آلتن باش عن أن الشركات السياحية تقدم عروضاً ومغريات لم تشهدها تركيا منذ سنوات، فسعر الليلة بشقة مفروشة مع سيارة حديثة بولاية طرابزون التي كانت تعج بالسياح خلال هذه الفترة من العام لا يزيد اليوم عن 75 دولاراً.
ويشير ألتن باش إلى أن "البيانات الخاصة" تشير إلى تراجع عدد السياح خلال ذروة الموسم "حتى الربع الثالث" عن الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، والملاحظ تراجع السياح القادمين من المنطقة العربية في حين حافظت تركيا على جذب الروس والأوروبيين.
الغلاء والدعاية السلبية
العامل بالقطاع السياحي والحجز الفندقي والرحلات أوزجان أوزون يقول لـ"العربي الجديد" إن الغلاء الفاحش الذي تعيشه تركيا يعتبر السبب الأول لتغيير وجهة السائحين، شارحاً كيف تضاعف الإنفاق ابتداء من الحجز فمصاريف الإقامة، والأهم الطعام، والسلع والهدايا.
وتأتي مخاوف السياح من الزلازل في تركيا بالمرتبة الثانية، فبعد الزلزال الذي ضرب إسطنبول في 23 إبريل/نيسا الماضي، تراجع عدد السياح، بدليل بيانات الربع الأول المبشرة التي تراجعت لأسباب عدة، منها الحروب بالمنطقة، لكن الأهم هي مخاوف السياح من الزلازل بعد تنوّع مناطق الهزات بما في ذلك في ولايات البحر الأسود.
ولا يستبعد أوزون دور الدعاية السلبية التي تعرضت لها تركيا خلال الأعوام السابقة، من كراهية وعنصرية، باعتبارها عاملاً في تراجع السياح خلال الموسم الحالي، لأن الأحداث السياسية والحرب برأيه لم تنعكس على تركيا، بل لم تزل من أكثر الدول العالمية أمناً وأماناً، لكن الغلاء والترويج السلبي الخارجي هما من أسباب تراجع السياح في نظره.
ويتطلع القائمون على قطاع السياحة، الوزارة والقطاع الخاص، لتحقيق عائدات بقيمة 65 مليار دولار خلال العام الجاري، بعد تحقيق إيرادات بلغت 61.1 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة 8.3% مقارنة بعام 2023، وقت استقبلت البلاد 62.3 مليون سائح في عام 2024، متجاوزة الهدف الذي حددته الحكومة.
تركيا من الدول الجاذبة
يقول رئيس مجلس إدارة اتحاد وكالات السفر التركية فيروز باغلي قايا إن هدف القطاع السياحي في تركيا لعام 2025 هو تحقيق عائدات بقيمة 65 مليار دولار، مؤكداً أن تركيا باتت تحتل مكانة متقدمة بين الوجهات السياحية العالمية.
ويضيف باغلي قايا خلال تصريح سابق: "نتوقع حركة نشطة في السياحة الداخلية، فيما يبدأ القطاع باستقبال الوفود القادمة من الخارج"، مبيناً أن السياح لا يكتفون بالشمس والبحر والرمال فقط، بل يبحثون عن تجارب متنوعة تشمل السياحة الثقافية والدينية والصحية وسياحة الطعام.
ورغم تراجع عدد الزائرين حتى الآن بالنسبة للخطط والتوقعات على الأقل، فإن تركيا دخلت ضمن أكبر الدول الجاذبة بالعالم، وفق ما قالته منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الأخير، حيث جاءت تركيا في المرتبة الرابعة عالمياً بعد كل من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، متقدمة بذلك على إيطاليا.
وبحسب بيانات منظمة السياحة العالمية، فقد استقبلت تركيا 56.7 مليون زائر أجنبي في عام 2023، وارتفع هذا العدد إلى 62.3 مليون زائر بحلول نهاية عام 2024، في تطوّر وصفه المسؤولون بالاستثنائي.
ووفق التقرير، فإن صعود تركيا لا يقتصر على المستوى الإقليمي فحسب، بل أصبح لها تأثير ملموس في تشكيل توجهات السياحة العالمية، لتتحول من وجهة صاعدة إلى واحدة من أعمدة هذا القطاع الحيوي على مستوى العالم.
ويقول المحلل التركي إسلام أوزكان إنه من المبكر الحكم على الموسم السياحي، رغم أن المؤشرات تكشف عن تراجع حتى الآن، متراجعة عن التوقعات، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن سخونة الأحداث بمنطقة الشرق الأوسط أثرت ولا شك على القدوم السياحي، غير متنكر لأثر الغلاء وارتفاع التضخم بتركيا على عدد الزائرين.
ويتوقع المحلل التركي أن يتحسن القدوم السياحي إلى تركيا وبالتالي العائدات، خلال الفترة المقبلة، لأن تركيا برأيه، ورغم التضخم، تبقى الخيار الأهم للمنطقة العربية والدول الأوروبية، بل وللسياح من جنوب آسيا الذين باتت أعدادهم المتزايدة تدخل في حسابات السياحة. وحول أثر تراجع العائدات السياحية على الاقتصاد التركي، يشير أوزكان إلى أن بلاده تعول بالدرجة الأولى على السياحة والتصدير، وهذا العام وبسبب الأحداث وارتفاع أسعار الطاقة، ستتأثر الموارد التركية ولكن من المبكر الحكم النهائي، لأن تركيا بلد مغر وجاذب عالمياً.
