
عربي
حذّر بنك إنكلترا، اليوم الأربعاء، من أن الأسواق المالية العالمية قد تتعرض لانخفاضات حادة في حال تغيّر مزاج المستثمرين تجاه آفاق الذكاء الاصطناعي أو استقلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وأشار البنك إلى أن تقييمات الأسهم الأميركية وصلت، وفق بعض المقاييس، إلى مستويات مشابهة لتلك التي شهدتها ذروة فقاعة الإنترنت في مطلع الألفية، مؤكّدًا أن السندات الحكومية الأميركية ستكون عرضة لأي ضعف في مصداقية الاحتياطي الفيدرالي.
وقالت لجنة السياسة المالية في تقريرها الفصلي الذي نشرته وكالة رويترز إن "مخاطر حدوث تصحيح حاد في الأسواق قد ازدادت"، وهو التحذير الأقوى حتى الآن من إمكانية انهيار السوق نتيجة الطفرة التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي. وأضافت أن احتمال انتقال آثار مثل هذه الصدمة إلى النظام المالي البريطاني كبير، مشيرة إلى أن اللجنة، برئاسة المحافظ أندرو بيلي، تتابع المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي عن كثب. وكان بيلي قد أعرب أمام البرلمان البريطاني الشهر الماضي عن قلقه البالغ من التهديدات الموجهة لاستقلال الاحتياطي الفيدرالي.
وكرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعواته إلى البنك المركزي الأميركي لخفض أسعار الفائدة، وسعى لإقالة عضوة لجنة السياسة النقدية ليزا كوك. وكان بنك إنكلترا قد حذّر من أن أي تغيّر مفاجئ أو كبير في تصورات مصداقية الاحتياطي الفدرالي قد يؤدي إلى إعادة تسعير حادة للأصول المقوّمة بالدولار، بما في ذلك في أسواق الدين السيادي الأميركي، ما قد يتسبب في زيادة التقلبات وارتفاع العوائد وانتقال الصدمات عالميًا.
وأوضح البنك أن تكاليف الاقتراض الحكومي البريطاني ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعوائد سندات الخزانة الأميركية، وأن أي تراجع في أسعار هذه السندات قد يؤدي إلى ارتفاع تكلفة خدمة الديون البريطانية الجديدة. وكانت عوائد السندات الحكومية البريطانية لأجل 30 عامًا قد سجلت الشهر الماضي أعلى مستوياتها منذ عام 1998، كما ارتفعت عوائد السندات قصيرة الأجل التي تتركز فيها معظم الاقتراضات الحكومية. وأرجع البنك هذه الزيادة إلى المخاوف بشأن مستويات الاقتراض المرتفعة في الاقتصادات المتقدمة، والتي تفاقمت بفعل عدم اليقين السياسي في فرنسا واليابان.
تقييمات الذكاء الاصطناعي تذكّر بذروة فقاعة الإنترنت
أشار بنك إنكلترا إلى أن 30% من القيمة السوقية لمؤشر "إس آند بي 500" تتكوّن من أكبر خمس شركات مدرجة، وهو أعلى تركّز منذ نصف قرن. وتشمل هذه الشركات: إنفيديا، مايكروسوفت، آبل، ألفابت، أمازون، وميتا، وجميعها ضخت استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي. وأوضح البنك أن تقييمات الأسهم استنادًا إلى الأرباح الماضية بلغت مستويات هي العليا منذ فقاعة الإنترنت قبل 25 عامًا، رغم أن هذه التقييمات تبدو أقل تطرفًا عند احتساب توقعات الأرباح المستقبلية.لكنه شدّد على أن ارتفاع التركّز داخل مؤشرات السوق يجعل الأسواق أكثر عرضة لأي تراجع في التفاؤل حول الذكاء الاصطناعي.
ونقل التقرير عن مارك زوكربيرغ، رئيس شركة "ميتا"، قوله الشهر الماضي إنه يفضّل إنفاق مئات المليارات من الدولارات في غير محلها على أن يتأخر عن ركب توسّع الذكاء الاصطناعي. كما أظهر استطلاع لـ"بنك أوف أميركا" في أغسطس/آب أن نحو نصف مديري الصناديق يعتبرون امتلاك أكبر سبع شركات تكنولوجية أميركية الصفقة الأكثر ازدحامًا في القطاع. ورغم هذه التحذيرات، فقد واصل مؤشر "إس آند بي 500" تسجيل مستويات قياسية، مرتفعًا بنسبة 14% منذ بداية العام.
المخاطر المحلية في المملكة المتحدة لم تتغير كثيرًا
رأى بنك إنكلترا أن مخاطر الاستقرار المالي المحلية لم تشهد تغييرات جوهرية، إذ ما زالت الأسر والشركات تتكيف مع التضخم المرتفع – المتوقع أن يبلغ 4% في سبتمبر/أيلول، ومع تكاليف الاقتراض التي لا تزال أعلى مما كانت عليه في العقد الماضي. وأظهر استطلاع البنك أن مديري المخاطر في المؤسسات المالية باتوا أكثر ثقة باستقرار النظام المالي البريطاني مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل ستة أشهر، مرجعين أبرز التهديدات إلى الهجمات الإلكترونية والعوامل الجيوسياسية. وأبقى البنك على أدواته التنظيمية دون تغيير، محافظًا على نسبة رأس المال المعاكس للدورات الاقتصادية عند 2%، وعلى الحد الأدنى لنسبة الرافعة المالية عند 3.2% بعد مراجعته السنوية.
يأتي تحذير بنك إنكلترا في لحظة يتصاعد فيها الاعتماد على الذكاء الاصطناعي باعتباره محرّكا رئيسيا لارتفاعات الأسواق الأميركية والعالمية. فالمستثمرون باتوا يتعاملون مع التكنولوجيا الجديدة باعتبارها معجزة اقتصادية قادرة على رفع الإنتاجية وتحقيق أرباح غير مسبوقة، غير أن هذا التفاؤل المفرط يذكّر بوضوح بتجربة فقاعة الإنترنت مطلع الألفية، حين قادت التوقعات غير الواقعية إلى انهيارات قاسية في أسواق الأسهم.
ومع بلوغ تقييمات الشركات التكنولوجية الكبرى مستويات قياسية، وزيادة تركّز القوة السوقية في أيدي عدد محدود من الشركات العملاقة، ترتفع هشاشة النظام المالي أمام أي تراجع في الثقة أو تبدّل في المزاج الاستثماري. كما أن ارتباط العوائد البريطانية والأوروبية بعوائد سندات الخزانة الأميركية يجعل هذه الاقتصادات عرضة لتداعيات أي خلل في مصداقية الاحتياطي الفدرالي، خصوصًا في ظل التوترات السياسية الأميركية واحتمالات تدخل الإدارة في السياسة النقدية.
إنّ تحذير بنك إنكلترا لا يعبّر فقط عن قلق من طفرة مالية ظرفية، بل عن مخاوف بنيوية تتعلق بتوازن الأسواق العالمية وثقة المستثمرين في المؤسسات النقدية الكبرى. فالمعادلة الحالية – مزيج من تقييمات مرتفعة، واقتراض حكومي ضخم، وضغوط سياسية متزايدة – تجعل أي هزّة في واشنطن أو وادي السيليكون قادرة على إشعال تصحيح عالمي واسع.
وفي حين تراهن الأسواق على استمرار عصر الذكاء الاصطناعي، فإن البنك المركزي البريطاني يذكّر بأن الابتكار لا يلغي دورة السوق، وأن ارتفاع الأسعار بلا أساس واقعي قد يتحوّل سريعًا من طفرة تكنولوجية إلى أزمة مالية جديدة تمتد آثارها عبر المحيطين.

أخبار ذات صلة.

6 مشروبات تُخفض مستويات السكر في الدم
الشرق الأوسط
منذ 11 دقيقة