بريطانيا تواجه تحديات خطاب الكراهية الرقمي
عربي
منذ أسبوع
مشاركة
يتصاعد في بريطانيا الجدل حول كيفية التعامل مع خطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي، في وقت دعت فيه مفتشية الشرطة في إنكلترا وويلز إلى مراجعة شاملة للقوانين المعمول بها منذ عقود. ويثير النقاش مخاوف من أن القوانين الحالية قد تحول الشرطة إلى ما يشبه "شرطة الفكر"، تركز على تسجيل الآراء والمنشورات بدل مكافحة الجرائم الفعلية. يأتي هذا الجدل بعد تصريحات رئيس المفتشية، آندي كوك، الذي أكد ضرورة إعادة النظر في القوانين القائمة، مثل قانون النظام العام لعام 1986 الذي لم يُصمَّم أصلاً للتعامل مع الفضاء الرقمي. وفي ردّه على استفسارات "العربي الجديد"، قال كوك إنه يدعم المراجعة التي يجريها المجلس الوطني لقادة الشرطة وكلية الشرطة بشأن "وقائع الكراهية غير الجنائية"، وأضاف: "ربما حان الوقت لإعادة التفكير جذرياً في نهج تسجيل هذه الوقائع، مع إمكانية جمع المعلومات الاستخبارية بطرق أقل إثارة للقلق لدى الجمهور". لكنه شدّد على أن القرار النهائي يبقى من اختصاص وزارة الداخلية وجهاز الشرطة. وبحسب التصريح الرسمي للمفتشية، يستند موقف كوك أيضاً إلى تقرير حول "النشاط والحياد في عمل الشرطة"، الذي أشار إلى تحديات مثل غياب وضوح السياسات في بعض القوانين، وتسجيل الوقائع بشكل غير دقيق، ونشر الموارد في غير محلها، إضافة إلى ارتباك الضباط بسبب التدريب غير الكافي. وأقرّ التقرير بأن هذه الوقائع قد تزود الشرطة بمعلومات قيّمة، لكنه أشار إلى صعوبة إزالة بياناتها لاحقاً. حادثة هيثرو... شرارة الجدل تصاعد النقاش بعد توقيف الكاتب الكوميدي البريطاني ،غراهام لينهَن، في مطار هيثرو في الأول من سبتمبر/ أيلول الحالي، بسبب منشورات مثيرة للجدل تتعلق بالعابرين جنسياً. وعلى الرغم من أن لينهَن معروف بمواقفه الاستفزازية، اعتبر كثيرون أسلوب الشرطة مثالًا على الإفراط في تقييد التعبير. وأكدت وكالة أسوشييتد برس، في تغطيتها لما حصل، أن الحادثة أعادت النقاش حول الخط الفاصل بين الإساءة والتهديد الحقيقي. تفاعل الإعلام البريطاني بشكل واسع مع الواقعة، حيث ركّزت "ذا غارديان"، في 2 سبتمبر، على الجانب الإجرائي للتوقيف، معتبرة أن القضية تعيد النقاش القديم حول حدود خطاب الكراهية. وفي اليوم نفسه، قدمت "ذي إندبندنت" تفاصيل موسعة عن عملية التوقيف ورد لينهَن الذي أكد أنه غير نادم على ما كتب، ما أضفى بعداً شخصياً على الجدل. أما وكالة رويترز، فنقلت أن التوقيف جاء على خلفية الاشتباه بـ"التحريض على العنف"، ما زاد النقاش حول تعريف التحريض. بينما خصّصت "ذا تايمز" تغطية في 3 سبتمبر لوضع الواقعة ضمن سياق تصاعد أعداد التوقيفات اليومية على خلفية منشورات مسيئة، وما يثيره ذلك من مخاوف بشأن حرية النقاش العام على الإنترنت. وعادت "فاينانشال تايمز" في 10 سبتمبر إلى تأكيد تصريحات كوك حول تهديد تسجيل "الوقائع غير الجنائية" بحرية التعبير، داعية إلى إعطاء الأولوية للحضور الميداني للشرطة بدل مراقبة المنصات. في 16 سبتمبر، نشرت "ذا تايمز" تقريراً إضافياً عن مؤتمر قادة الشرطة، حيث ناقش الحاضرون المعضلة بين حماية النقاش العام وخطر الانزلاق إلى رقابة غير متناسبة على الفضاء الرقمي، مؤكّدين أن "المشهد السام" على المنصات يتطلب حلولاً أكثر دقة من الأدوات التشريعية الحالية. وفي السياق، قال غراهام لينهَن، إنه يعتقد أن السخرية "تموت"، وأنه سيكون من "المستحيل" إنتاج مسلسلاته الشهيرة مثل Father Ted أو The IT Crowd اليوم. خلال ظهوره في برنامج "صباح الأحد مع تريفور فيليبس" على "سكاي نيوز"، صرح بأنه يخطط لمقاضاة شرطة العاصمة البريطانية على خلفية اعتقاله، بتهمة "السجن الكاذب". ورأى، خلال المقابلة المذكورة الأحد الماضي، أنه "في الكوميديا، يجب أن يكون الجميع هدفاً. هذه الطريقة التي تُظهر بها إنسانية الشخص، وتوضح أنه ليس مثالياً، وأنه مضحك ويخطئ أحياناً. لكنْ هؤلاء المسؤولون التلفزيونيون، البيض من الطبقة الوسطى، ينظرون إلى الجميع من الأعلى ويعتقدون أن أي نكتة تعتبر ضرباً للطبقة الأدنى. في هذه الأجواء، من المستحيل إنتاج كوميديا حقيقية. الوحيدون الذين ينجون في مثل هذه الأجواء هم من لا يقولون أي شيء مثير للاهتمام". وعندما سُئل إن كانت السخرية قد ماتت، قال إنها "تموت"، مشيراً إلى برنامج Brass Eye للمخرج كريس موريس، المعروف بتجاوزه للحدود في التسعينيات وأوائل الألفية. وأضاف: "من المستحيل تخيل إنتاج شيء مماثل اليوم. نحن لا نتقدم، بل نتراجع". ووصف لينهَن اعتقاله بأنه "مفاجئ"، مؤكدًا أن معظم تغريداته كانت "غير ضارة". عاصفة سياسية ورقمية امتد الجدل إلى المنصات والدوائر الثقافية والسياسية، حيث وصفت الكاتبة جيه. كيه. رولينغ توقيف لينهَن بأنه يعكس نزعة شمولية مثيرة للقلق، وكتبت على منصة إكس: "ما الذي أصبحت عليه بريطانيا بحق؟ هذا شمولية. أمر مقيت تماماً". في الأوساط الموسيقية، علق الموسيقي والإعلامي وينستون مارشال على تعامل الشرطة مع لينهَن، وكتب أن توقيفه بخمسة ضباط مسلّحين وفرض شروط كفالة مشددة يمثل مبالغة مقلقة في تطبيق القوانين على منشورات مثيرة للجدل. كما عزّزت حسابات الأخبار العاجلة مثل "سكاي نيوز" و"بي بي سي لندن" الزخم اللحظي، ما جعل القضية تتصدر التريند البريطاني. سياسياً، شدّد رئيس الوزراء كير ستارمر على أن "لبريطانيا تاريخاً طويلاً في حرية التعبير"، داعياً الشرطة إلى تركيز مواردها على الجرائم الأكثر خطورة. ومن جانبه، اعتبر نائب زعيم حزب الخُضر، زك بولانسكي، أن منشورات لينهَن مرفوضة، لكنه استغرب أسلوب الشرطة المبالغ فيه في توقيفه. فيما رأى زعيم حزب الإصلاح البريطاني، نايجل فاراج، أن ما حدث مثال على "ثقافة الإلغاء" التي تهدد حرية التعبير. على المنصات، انقسمت الآراء بين من اعتبر التوقيف رسالة مخيفة قد تردع النقاش العام، وبين من رأى أن منشورات لينهَن تجاوزت حدود الرأي إلى خطاب مسيء يزيد بيئة الكراهية. ومن اللافت أن منظمات عربية ومسلمة في بريطانيا لم تصدر بيانات علنية حتى الآن، رغم أن هذه الفئات غالباً ما تكون معنية بتطبيق تعريفات خطاب الكراهية. القانون بين اختبار الواقع وضغط المنصات أقر التقرير السنوي لمفتشية الشرطة بأن الأجهزة الأمنية "غير مجهزة بما يكفي" للتعامل مع الكم الهائل من المحتوى الرقمي، خاصة خلال أحداث الشغب، حين يمكن للشائعات وخطاب الكراهية إشعال الشارع خلال ساعات. وشدّد كوك على ضرورة تطوير القدرات الرقمية للشرطة وتحديث الإطار القانوني بدل استنزاف الموارد في تسجيل وقائع غير جنائية. وتعود جذور الجدل القانوني إلى قضية ميلر ضد كلية الشرطة عام 2021، حين رأت محكمة الاستئناف أن تسجيل "وقائع الكراهية غير الجنائية" يمس بحرية التعبير بشكل غير متناسب. ورغم مدونة الممارسة الصادرة عام 2023 للحد من تسجيل هذه الوقائع إلا عند الضرورة، تُظهر الأرقام أن آلاف الحالات ما زالت تُسجّل سنوياً، ما يثير التساؤلات حول فعالية الضوابط الحالية. وفي السياق نفسه، تؤكد وثائق رسمية أن المراجعة المشتركة لآلية تسجيل هذه الوقائع ما زالت جارية لدى المجلس الوطني لقادة الشرطة وكلية الشرطة، من دون إعلان نهائي حول شكل التعديل المرتقب. خطاب الكراهية والجاليات العربية النقاش المتجدد في بريطانيا لا يقتصر على الصحافة والسياسة فقط، بل يمتد ليشمل الأقليات المقيمة فيها، خصوصاً الجاليات العربية والمسلمة، التي تجد نفسها اليوم بين خطاب الكراهية الذي يهدد سلامتها وقوانين فضفاضة قد تقيّد تعبيرها وتترك ملاحظات رسمية في سجلاتها من دون حكم قضائي. فهذه المجتمعات غالباً ما تتعرض لمراقبة إضافية في وسائل التواصل الاجتماعي، ويشعر أفرادها بأن نشاطاتهم الثقافية والدينية قد تُسجَّل "وقائع مشبوهة" حتى قبل وقوع أي جريمة. ويثير الأمر أسئلة حول توازن دقيق بين حماية المجتمع من التحريض والكراهية، وحق الأفراد في التعبير عن آرائهم وممارساتهم الثقافية والدينية بحرية. ولاحظ باحثون في جامعة لندن أن الأقليات غالباً ما تواجه "ازدواجية معايير"، إذ يُنظر إلى منشوراتهم على الإنترنت أو مشاركاتهم العامة بعين شك أكثر من غيرهم. وتؤكد منظمات حقوقية أن هذا الجدل ليس محصوراً في الأفراد، بل يمتد إلى المؤسسات التعليمية والدينية، حيث يزداد الضغط على المدارس والمراكز الثقافية العربية لتجنب أي نشاط قد يُفهم خطأً بأنه تحريض، ما يخلق شعوراً عاماً بالرقابة الذاتية بين أفراد الجاليات. وبين هذه المخاوف، يظل السؤال المفتوح: كيف يمكن للحكومة البريطانية ضمان حماية الأقليات من خطاب الكراهية من دون المساس بحقوقهم الأساسية في التعبير؟

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية