
عربي
يتداول الإعلام الإسرائيلي والبريطاني، منذ أول من أمس الخميس، تقارير حول مبادرة يقودها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير والذي يرتبط اسمه بحروب الولايات المتحدة في المنطقة، لتولي إدارة انتقالية في قطاع غزة، تحظى بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وشخصيات مقربة منه، على رأسهم جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي ومستشاره السابق (ولايته الأولى 2017-2021)، وستيف ويتكوف، مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، اللذان طرحا الفكرة خلال اجتماع في البيت الأبيض يوم 27 أغسطس/ آب الماضي.
ووسط كل ما تحمله اقتراحات ومخططات ترامب حول مستقبل القطاع بعد حرب الإبادة من إثارة للجدل، بدأت بـ"ريفييرا غزة" ثم إنشاء "مؤسّسة غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات التي تحولت إلى مصائد موت للفلسطينيين، يبدو تعويم إدارته لشخصية مثل بلير، من باب "اليوم التالي" في القطاع، أكثرها استفزازاً، لا سيّما أن الخطة الأميركية تفرض نفسها باعتبارها في صدارة الحلول السياسية لإنهاء الحرب، إن لم تكن الوحيدة حالياً. من جهة أخرى ربما يجد ترامب صعوبة في التعاون مع دول حليفة في هكذا خطط، وسط الحراك الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، من بينها بريطانيا التي لطالما كانت الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في حروبها بالشرق الأوسط.
مبادرة بلير لا تشمل جدولاً زمنياً وتتغير باستمرار كما لا تتضمن تهجيراً قسرياً للفلسطينيين
ورغم أن مبادرة بلير، التي تذكر التقارير أنها لا تشمل جدولاً زمنياً وتتغير باستمرار، لا تتضمن تهجيراً قسرياً للفلسطينيين وستؤدي في مرحلة لاحقة إلى نقل إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو مصير هذه المبادرة، التي لا تنفصل عن الصفقات الاستثمارية والتجارية في رؤية ترامب للعالم من جهة، ولا عن رؤية بلير من جهة أخرى، والذي بات منذ مغادرته داونينغ ستريت عام 2007، يعتمد على معهد "توني بلير للتغيير العالمي" لتحقيق الأرباح. بالتالي فإنّ مبادرات كهذه مرجّحة للتلاشي، على غرار وعود الازدهار ودخول المساعدات إلى الغزيين، خصوصاً مع تهديد حكومة بنيامين نتنياهو بضم الضفة الغربية المحتلة، وتوسيع الاستيطان في الضفة وغزة على السواء، إلى جانب رفض تل أبيب قيام دولة فلسطينية أو انخراط السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع. ويبقى الاختبار الأكبر مرتبطاً بما سيرشح عن لقاء نتنياهو وترامب في واشنطن الاثنين المقبل.
التقارير حول اقتراح تولي بلير "السلطة الانتقالية الدولية في غزة" المعروفة بمبادرة "غيتا" (The Gaza International Transitional Authority)، تأتي بعد اجتماع ترامب وقادة من الدول العربية والإسلامية، الثلاثاء الماضي في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي عرض فيه ترامب خطة من 21 بنداً لإنهاء الحرب في غزة. علماً أن الدول العربية والإسلامية أبدت انفتاحها على الخطة ومساعي الإدارة الأميركية، مع تأكيدها المستمر ضرورةَ إشراك السلطة الفلسطينية في أي حكم مستقبلي في القطاع، وعلى إعادة إعماره. وكشفت صحيفة "تلغراف"، أمس، أن بلير (72 عاماً) كان يعمل على خطة لإنهاء الحرب، المعروفة باسم "اليوم التالي"، منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عبر معهد توني بلير (TBI)، مضيفة أن خطته، التي يجري تحديثها وتنقيحها باستمرار، لا تتضمن تهجير سكان غزة.
أدوار توني بلير
من جهتها اعتبرت صحيفة "غارديان" البريطانية، أمس، أن أي دور لزعيم حزب العمال السابق سيثير حتماً جدلاً حاداً. ويبدو ذلك مفهوماً؛ إذ قاد بلير انضمام بريطانيا إلى الحرب الأميركية على أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وإدخال القوات البريطانية في غزة العراق عام 2003. كما شغل بلير بعد خروجه من رئاسة الوزراء، عام 2007 وحتى عام 2015، منصب المبعوث الخاص للجنة الرباعية حول الشرق الأوسط (تأسست عام 2002) وهي هيئة تضم الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، بهدف السعي إلى الوساطة في عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. وقد تعرض عمله، الذي لم يكن متفرغاً فيه، لانتقادات منتظمة بسبب غياب أي تقدم في عملية السلام، وسوء علاقته بالسلطة الفلسطينية مقابل انحيازه لإسرائيل. وقد جمدت تلك المفاوضات خلال منصبه هذا مرات عدّة بسبب إصرار نتنياهو على الاستيطان، ورفضه الإفراج عن أسرى فلسطينيين. انحياز توني بلير لإسرائيل يبدو واضحاً كذلك بإدراجه راعياً للصندوق القومي اليهودي في المملكة المتحدة؛ الذراع البريطانية للمجموعة الإسرائيلية كيرين كايميث لإسرائيل، الصندوق القومي اليهودي الذي تأسس عام 1901 كمؤسسة خيرية بريطانية، هدفها شراء الأراضي في فلسطين، لتأسيس وطن قومي لليهود، وجعل الأراضي وقفاً أبدياً خاصاً بـ"الأمة اليهودية" في العالم.
"هآرتس": خطة ترامب تتضمن إشراف توني بلير على عملية إعادة إعمار غزة وإدارتها
بالمقابل نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية، مساء أول من أمس الخميس، عن "مصدر سياسي عربي" لم تسمّه أن "الخطة (ترامب) التي جرى عرضها على قادة عرب، تتضمن في مرحلة لاحقة نقل إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية، غير أنها لا تحدد جدولاً زمنياً لذلك"، وأضافت أن الخطة تتضمن إشراف توني بلير على عملية إعادة إعمار غزة وإدارتها، بمشاركة قوات دولية تتولى مهمة مراقبة وحماية حدود القطاع، كما نقلت عن المصدر أيضاً أن المرحلة الأولى من الحكم الجديد في غزة لن تكون بمشاركة السلطة الفلسطينية. من جهتها نقلت القناة "12" العبرية الخاصة، مساء أول من أمس، عن مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو على دراية بالمبادئ الأميركية، وأن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، المقرب منه، ناقشها أخيراً مع صهر ترامب، جاريد كوشنر، ومع توني بلير.
وصاية دولية
في غضون ذلك نقلت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أول من أمس، عن مصادر مطلعة، أن بلير، الذي شغل منصب مبعوث الشرق الأوسط بعد مغادرته رئاسة الوزراء البريطانية، يعمل منذ أشهر عدّة فردياً على الترويج لخطة لإنشاء "وصاية دولية" لإدارة غزة بعد انتهاء الحرب. وكانت صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل، أوردت في 18 سبتمبر الحالي، نقلاً عن أربعة مصادر مطلعة، أن توني بلير بدأ، بمباركة الإدارة الأميركية، بصياغة الاقتراح في الأشهر الأولى من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، معتبراً إياه خطة لما يسمى بـ"اليوم التالي". ولكن في الأشهر الأخيرة، تطور الاقتراح إلى خطة لإنهاء الحرب، فيما ينص على إنشاء "غيتا"، بموجب قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وستكون "غيتا"، بمثابة "السلطة السياسية والقانونية العليا لغزة خلال الفترة الانتقالية"، وفق ما جاء في المسودة المطورة للخطة التي حصلت عليها "تايمز أوف إسرائيل". كذلك سيكون للإدارة الانتقالية هذه، مجلس إدارة يتكون من سبعة إلى عشرة أعضاء، وسيضم "ممثلاً فلسطينياً مؤهلاً واحداً على الأقل (ربما من قطاع الأعمال أو قطاع الأمن)"، ومسؤولاً رفيعاً في الأمم المتحدة، وشخصيات دولية رائدة تتمتع بخبرة تنفيذية أو مالية، إلى جانب "تمثيل قوي للأعضاء المسلمين (دول)" لتعزيز الشرعية الإقليمية والمصداقية الثقافية. وتنص الخطة أيضاً على إنشاء وحدة حماية تنفيذية "يعمل بها نخبة من المساهمين العرب والدوليين" لحماية قيادة "غيتا"، فيما ستوجد "أمانة تنفيذية" في الهيكلية الأدنى، تكون بمثابة المركز الإداري للأخيرة وذراعها التنفيذية، وتشرف في الوقت نفسه مباشرةً على السلطة التنفيذية الفلسطينية (السلطة الفلسطينية). والهيئة الأخيرة هي ما يُشار إليه في كثير من الأحيان، وفق الصحيفة، بلجنة التكنوقراط من الفلسطينيين المستقلين الذين سيتولون إدارة غزة بعد الحرب.
