
لا يخفي الاقتصادي الأميركي جوزيف ستيغليتز، البالغ من العمر 82 عاماً، والحائز على جائزة نوبل في 2001، دعمه للرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي وصف تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "ابتزاز غير مقبول"، بعدما توعد البرازيل برسوم جمركية بنسبة 50% إذا لم تكف عن ملاحقة الرئيس السابق جايير بولسونارو قضائياً والذي يحاكم بتهمة التخطيط لانقلاب.
واعتبر أن الرئيس البرازيلي "دافع عن سيادة بلاده، ليس فقط في مجال التجارة، لكن أيضاً في تنظيم منصات التكنولوجيا التي تسيطر عليها الولايات المتحدة. تستخدم الأوليغارشية التكنولوجية الأميركية أموالها ونفوذها في مختلف أنحاء العالم في محاولة لإجبار الدول على منحها حرية التصرف في تنفيذ استراتيجياتها المصممة لتعظيم الأرباح". يعبر الاقتصادي، الذي خبر جيداً المخاطر التي ينطوي عليها التحالف بين السلطة والرأسمال، في مقال بعنوان "موقف البرازيل الشجاع ضد ترامب"، عن الأمل في أن "يُظهر قادة الدول الأخرى، الكبيرة والصغيرة، شجاعة مماثلة في مواجهة التنمر من جانب أقوى دولة في العالم".
رأي جوزيف ستيغليتز، الذي اعتبرته مجلة تايم ضمن 100 شخصية أكثر تأثيراً في العالم، مطلوب من قبل من يسعون إلى فهم خلفيات التحولات التي يعرفها العالم وحدودها وطرق التعاطي معها. في فترة استسلم فيها الكثير من الاقتصاديين لحالة اللايقين التي يذكيها سلوك الرئيس ترامب، يركن مؤلف "انتصار الجشع" أو "ثمن اللامساواة" و"طرق الحرية" بالكثير من اليقين للفكر الذي صنع سمعته وشهرته عبر العالم. ساهم ضمن المنظور الكينزي في تطوير نظريات جديدة. فقد كان له دور وازن في بلورة اقتصاد المعلومات، حيث يُحسب له لدى الاقتصاديين أنه ركّز على عدم تكافؤ المتعاملين في الأسواق بسبب عدم توفرهم على المعلومات نفسها.
في الوقت نفسه، ركّز أبحاثه على إعادة توزيع الإيرادات، والتغير المناخي، وحوكمة الشركات، والسياسات العمومية، والاقتصاد الكلي، والعولمة. يذهب الاقتصادي، الذي كان عضواً ثم رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيس بيل كلينتون بين 1993 و1997، قبل أن يلتحق بالبنك الدولي، إلى أن ترامب "يحب التعرفات الجمركية ويمقت سيادة القانون"، مشيراً إلى أنه انتهك الاتفاقية التجارية التي أبرمها مع المكسيك وكندا في ولايته الأولى، وهو اليوم يهدد البرازيل "متجاهلاً الدستور الأميركي الذي يمنح الكونغرس السلطة الوحيدة لفرض الضرائب، والتعرفات الجمركية هي مجرد ضريبة معينة على الواردات من السلع والخدمات".
يذكر ستيغليتز أنه "لم يسبق للكونغرس سنّ رسوم جمركية كأداة لحمل البلدان على الانصياع لإملاءات الرئيس السياسية، ولم يستطع ترامب الاستشهاد بأي قانون يمنحه حتى ورقة التوت التي قد تغطي سوءة أفعاله غير الدستورية". لقد سبق له التنبيه إلى أن الرئيس دونالد ترامب، الذي يفكر بمنطق الصفقات، يحمل تصوراً تبسيطياً للتجارة الدولية، عندما يحاول الترويج لفكرة مفادها أن الولايات المتحدة تعاني عجزاً تجارياً يربح منه الآخرون.
ولم يكف أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا، الذي يُصنّف ضمن "الكينزيين الجدد"، عن التنبيه إلى مخاطر الركون والاستسلام لليد الخفية للسوق، غير أنه يدق، اليوم، ناقوس الخطر بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لتفادي مخاطر الأفكار التي يدافع عنها مؤيدوه. فالكثيرون منهم يرون أنّ "الديمقراطية وسيادة القانون أقل أهمية من الحفاظ على أسلوب الحياة الأميركي". يُلحّ على كبح قوى السوق عبر القيود القانونية والتنظيمية.
تلك قيود يسعى من يهمسون في أذن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تقليصها. ذلك ما تسعى إليه شركات التكنولوجيا الحديثة التي يمكن أن يفضي احتكارها للمعلومة إلى تقويض أسس المجتمع الديمقراطي. ويأتي تشديد ستيغليتز على ضرورة عدم التخفف من القوانين التي تضبط الأسواق، في ظل سعي المليارديرات، الذين يمثلون قطاع التكنولوجيا الحديثة، إلى تكريس تعاليم الاقتصادي ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 1976، والذي كان يُلحّ على تغليب الحرية الاقتصادية على الحرية السياسية. فالديمقراطية المفرطة تفضي في تصوره إلى تراجع الفاعلية وتباطؤ الإنتاج. هذا ما يدفعهم إلى السعي إلى بناء عالم لا يبقى فيه مسار القرار رهناً بالانتخابات الديمقراطية.
