
هل نحن وحدنا؟ هذا يعتمد على الظروف. هل نحن وحدنا في هذا العالم؟ كلا، إطلاقاً. هل نحن وحدنا في الكون؟ ربما لا.
بناءً على هذه الفرضية، هل يمكننا الادعاء بإمكانية إيجاد صديق مدى الحياة في رحاب الكون؟ في السينما، كلّ شيء مُمكن. تُستخدم الثقوب الدودية ومُحرّكات الالتواء لتجاوز مسافات شاسعة، يصعب جسرها نظرياً، لاحتضان بعضنا البعض. ينجح الصبي اليتيم إليو سوليس بتحقيق ذلك. يستمتع بحظه النادر، بإدراكه أنّ البشر ليسوا سوى شكل واحد من الأشكال العديدة للحياة، التي تسكن الكون. تُدهشه هذه الحقيقة أحياناً، كما في ذهاب المرء إلى معرضٍ أو سيرك لأول مرّة. لكنّ المرء يرى أيضاً أنّ إليو لم يتوقّع أيّ شيء آخر. هل لأنّه آمن بفرضيته كثيراً؟
تالياً، نشاهد الفتى اللاتيني سفيراً للأرض. يحاول أنْ يُحجّم مُعتدياً عسكرياً، يرتدي زيّ قشريات. يتمتّع بروحٍ دبلوماسية. هو محظوظ بمصادقة غلوردون، ابن الزعيم الشرير، الذي يرغب هو الآخر في الانضمام إلى صفوف "كوميونيفيرس" (منظمّة تجمع كواكب من مجرّات عدّة)، لكنه يُستبْعَد على الأرجح بسبب سلوكه العدواني المائل إلى الحرب. هذا يُذكّر بطريقة ما ببوتين، والوضع في أوروبا. أليس كذلك؟
هل تُخفي "بيكسار" قصة جيوسياسية هنا؟ ربما. ترفض الدودة الهادرة قبول هذه الإهانة، وينشغل إليو كثيراً في إيجاد حلّ، لأنّ بقية سكّان الكوكب المسالمين لا يعرفون كيفية التعامل مع شخصٍ كهذا.
بقراءة مراجعات على منصّات مُختلفة، نجد أحاديث عن الاغتراب والعزلة والاختلاف والانتماء والمجتمع والصداقة. فعلاً، بعض ذلك موجود في كلّ فيلم عائلي لـ"ديزني" و"بيكسار". يبدو الأمر كأنّه موجود كذلك في كلّ فيلم أطفال آخر، وكلّ سلسلة أطفال أخرى، وكلّ كتاب أطفال آخر. لا يحاول "إليو" تنويع هذه الاحتياجات الصبيانية سردياً، بل يُقدّم قصّة بسيطة (إنْ لم تكن مبتذلة) وتقليدية، لا تتحدّث كثيراً عن أهدافٍ، ربما تكون أكثر تفسيراً، كالاغتراب والعزلة. الصراعات الناشئة متوقّعة، وحلّها ليس أقل قابلية للتنبؤ. بالنسبة إلى اليافعين، هناك أفكار مضيئة ومريحة، كلّها مُقدَّمة بطريقة صديقة للأطفال، بأشكال مستديرة وخطوط ناعمة، مع ألوان وأضواء كثيرة، ولمعان كثير أيضاً.
أمّا المتفرجون الكبار، فسيملّون سريعاً، إذْ لا يوجد شيء، باستثناء اقتباسات سينمائية دقيقة، وإيماءات موجزة تُشير إلى كلاسيكيات الخيال العلمي، تستهدف جمهوراً أقلّ من 12 عاماً. لماذا هذا التحوّل الشديد في الاتجاه، الذي لا يمنح العقول المبدعة وراء هذا الفيلم الفاخر أيّ مساحة تقريباً للروح المبدعة ـ المتهوّرة؟ إنّه بعيد كلّياً عن روائع كـInside Out وSoul وWall-E، فأفلام كهذه تتعامل مع أشياء أكثر تجريداً وعالمية، وحاسمة للمستقبل. حتى مغامرات Toy Story، المتميّزة بألعابٍ محبوبة جهدتْ في تقديم قصص ساخرة، مع إحساس بالفكاهة والدفء والمنعطفات غير المتوقعة.
ربما يتمتّع "إليو" بمشاعر لطيفة كثيرة. لكنّ السرد الكبير والأفكار العاطفية مفقودين. إنّه يستخدم أساليب مُجرَّبة ومُختبرة، ولا يفكّر خارج الصندوق، ويفتقر كثيراً إلى الفكاهة الملتبسة.
في بدايته، يستلقي إليو على الشاطئ. يريد أنْ "يُلتَقَط"، لأنْ لا مكان له حيث يعيش. هكذا بالضبط تجد "بيكسار" منطقة راحتها الإبداعية، مع تنويع المؤلّفين والمخرجين، في مواضيع الاغتراب والعيش خارج المكان. وهذه (المواضيع) تشمل جوانب نفسية واجتماعية وثقافية عدّة، كفقدان الهوية، والشعور بالوحدة، وصعوبة التأقلم مع بيئة جديدة، إضافة إلى مشاعر الحنين إلى الوطن ـ البيت والأهل.
بحلول الوقت الذي تظهر فيه مجموعة كاملة من مخلوقات أعماق البحار، تتمتّع كلّها بشخصياتٍ عامّة، باستثناء الصديق الأرجواني غلوردون، الكائن على الجانب المُشرق من تطوّر الشخصية، تتّخذ المغامرة بعض التعسّف، وترسم قصّة متزعزعة، في مكانٍ بين "رحلة الملاّح" (1986، Flight of the Navigator)، أحد أبرز أفلام الشباب في ثمانينيات القرن 20 (ديزني)، و"حرّاس المجرّة Guardians of the Galaxy" ("مارفل" التابعة لـ"ديزني"). الأخير تحديداً يستدعي إلى الذهن بيتر كويل، المعروف أيضاً باسم ستار لورد، الذي كإليو التقطته الكائنات الفضائية بعد وفاة والدته. تأثيرات "مارفل" جليّة، ونتيجة ذلك، تتدحرّج "بيكسار" مجدّداً، بشكل أعمق، في حضن والدتها "ديزني"، أقلّه في هذه الحالة.
هذا لا يعني دعوةً إلى انتظار Inside Out 3، بل بحثٌ عن مصدر إلهام جديد، وأفكار منعشة، وربما شخصيات أكثر غموضاً. فحتى الأطفال، بل خاصة الأطفال، تمكّنوا منذ فترة طويلة من التعامل مع شيءٍ من هذا القبيل.
إجمالاً، قصة مغامرات الفضاء، التي يخوضها صبي لاتيني يتيم، من الأقلّ أهمية في التاريخ الغني لمصنع "بيكسار". وصل المخرجون الثلاثة إلى "إليو" بخلفيات قيّمة في عالم هذا الاستديو: أدريان مولينا بـ"كوكو"، ودومي شي بـ"الباندا الأحمر الكبير"، ومادلين شرفيان بالقصير "بورو". إلا أنّ "إليو" يبدو خطوة إلى الوراء، ليس فقط بالنسبة إليهم، بل للاستديو بشكل عام، لأنّه ـ باستثناء بعض المقاطع الكوميدية الموفقّة، وجودة الرسوم المعتادة ـ لا يتبقى سوى قصة عادية، وأحياناً بدائية، مقارنةً بالتميّز الذي فرضه فنّانو "بيكسار" في حالاتٍ سابقة.
