حلب تستضيف قمة "سيليكون" للتكنولوجيا والتحول الرقمي
عربي
منذ 4 أيام
مشاركة

في خطوة تُعد الأولى من نوعها منذ سنوات، شهدت مدينة حلب، شمال سورية، الجمعة انطلاق "قمة سيليكون للتكنولوجيا والتحول الرقمي"، في فندق الشيراتون، برعاية محافظ حلب عزام الغريب، وحضور نخبة من الخبراء المحليين والدوليين، إلى جانب ممثلين عن كبرى الشركات التقنية في سورية والمنطقة.

ووصف بعض المشاركين القمة بأنها "أضخم حدث تقني تشهده البلاد منذ تحريرها"، وتمثل محطة فارقة في مشهد الابتكار الرقمي السوري، إذ جمعت بين العروض التكنولوجية، ومساحات العرض والتشبيك، والحوارات الفكرية والاقتصادية الهادفة، مع تركيز ملحوظ على تمكين الشباب السوري واحتضان مشاريعهم الريادية.

وقد تضمن الحدث معرضاً تقنياً متقدماً استعرض أحدث مشاريع الذكاء الاصطناعي والروبوتات، كما خُصصت في القمة مساحة للتشبيك الاستثماري، بهدف تحفيز رجال الأعمال والمستثمرين على تبنّي مبادرات ناشئة، وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها سورية.

وتضمنت الجلسات الحوارية الافتتاحية نقاشات جريئة، منها جلسة حملت عنوان، "الاستثمار المحلي في مناطق النزاع"، حيث تناولت آليات إدارة المخاطر في القطاعين الخدمي والتجاري، وناقشت تحديات تأسيس بيئة أعمال آمنة في ظل أزمات مستمرة، مع دعوات لإعادة التفكير في أشكال الدعم الممكنة للمشاريع الناشئة.

في حين ركزت جلسة أخرى على تطويع الذكاء الاصطناعي لتعزيز الإنتاجية في قطاعات الصناعة والتعليم والخدمات، مؤكدة ضرورة إعداد كوادر شابة تمتلك المهارات الرقمية اللازمة. أما الجلسة الخاصة بقطاع النقل، فطرحت حلولاً تقنية مبتكرة نحو تحقيق نقل مستدام، يأخذ بعين الاعتبار الأعباء البيئية والاقتصادية، ويستفيد من أدوات التحول الرقمي لتجاوز العقبات البنيوية القديمة.

ويقول عمر الإسماعيل خريج هندسة تكنولوجيا المعلومات الرقمية وأحد المشاركين الشباب في القمة، في حديث لـ " العربي الجديد":"كنا نحلم فقط بفرصة لعرض أفكارنا، اليوم نشعر بأن هناك من يسمع، من يفتح لنا نافذة أمل"، ويضيف، "منذ سنوات، كنا نعمل في الظل، نطور أفكاراً ومشاريع باستخدام أبسط الإمكانات، من غرف صغيرة بلا كهرباء مستقرة أو إنترنت، نحاول أن نثبت لأنفسنا قبل غيرنا أن الإبداع لا يقيد بظروف الحرب. لكننا اليوم، ولأول مرة، نجد منصة حقيقية ننتمي إليها، نعرض فيها مشاريعنا أمام شركات وخبراء وممولين، ونحاورهم بندية، لا كطلاب بل كمبتكرين".

ويتابع عمر حديثه، مشيراً إلى أهمية هذه القمة مساحةً للتمكين: "ما يحدث هنا ليس مجرد معرض، بل تحول في نظرة المجتمع إلى الشباب. لأول مرة لا ينظر إلينا كضحايا أو مهاجرين محتملين، بل كصناع حلول. لقد زرعت هذه القمة فينا إحساساً بالمسؤولية، بأن هناك مستقبلًا يجب أن نشارك في بنائه، لا أن ننتظره فقط".

من جانبه قال مهندس البرمجيات الإلكترونية مازن الخطيب، في حديث لـ" العربي الجديد"، إن قمة سيليكون تمثل من وجهة نظره، منعطفاً حقيقياً في علاقة سورية بالتكنولوجيا الحديثة، لا من حيث الشكل فقط، بل من حيث إدراك الدولة والمجتمع لأهمية التحول الرقمي رافعةً اقتصاديةً وتنموية. وأشار إلى أن التكنولوجيا ليست مجرد أدوات أو برمجيات حديثة، بل هي نمط تفكير جديد، يتطلب إصلاحاً متزامناً على مستويات متعددة، أبرزها التعليم والإدارة والتشريع، مشدداً على أن أي محاولة جدية للرقمنة يجب أن تبنى على قاعدة معرفية راسخة وبنية تحتية متكاملة.

ولفت إلى أن البيئة السورية رغم ما تعانيه من تحديات ما تزال غنية بالكفاءات الشابة والطاقات الابتكارية، إلا أن هذه الطاقات، كما وصفها، "مهملة أو عالقة في دوائر ضيقة"، بسبب غياب منظومات الاحتضان والدعم المؤسسي. وبين أن غياب حاضنات الأعمال الفعالة وعدم وضوح مسارات التمويل والمواكبة التقنية، من شأنه أن يفقد هذه المشاريع الناشئة فرصتها في الاستمرار أو التطور.

ورأى الخطيب أن نجاح هذه القمة لا يقاس بعدد المشاريع المعروضة، بل بمدى قدرتها على تأسيس وعي وطني جديد تجاه التكنولوجيا، وتحفيز الجهات العامة والخاصة إلى تبني ثقافة التحول الرقمي في السياسات والبرامج. وختم بالإشارة إلى أن مرحلة ما بعد الحرب لا يمكن أن تُبنى بالأدوات التقليدية، بل هي في حاجة إلى تفكير مرن، قائم على التقنية والمعرفة، مؤكداً أن التحول الرقمي في سورية ليس ترفاً، بل ضرورة حيوية وأداة بقاء واستنهاض.

وتأتي قمة سيليكون للتكنولوجيا والتحول الرقمي في وقت تشهد فيه سورية محاولات متواضعة لاستعادة عافيتها الاقتصادية والاجتماعية بعد سنوات طويلة من الحرب التي أنهكت البنى التحتية وأضعفت بيئة الاستثمار والتعليم والابتكار. ومع محدودية الإمكانات وغياب الاستقرار المؤسسي، بدا المشهد الرقمي في البلاد حتى وقت قريب محصوراً بمبادرات فردية أو محاولات معزولة لا تجد دعماً مؤسسياً كافياً، وهنا تبرز أهمية هذه القمة بوصفها أول حدث تقني بهذا الحجم ينظم في الداخل السوري منذ أكثر من عقد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية