
بعد هدنة مطولة استمرت لأكثر من سنتين عاد شبح الإضرابات في القطاعات والأنشطة الحيوية إلى الظهور مجدداً في تونس، حيث مضى أعوان (عمال) قطاع النقل في تنفيذ اليوم الثاني من الإضراب وسط شلل تام لكل وسائل النقل الحكومي بعد تعطل العودة إلى طاولة المفاوضات، بينما أُجبر المواطنون على البحث عن حلول فردية لضمان التنقل خلال ثلاثة أيام. وبسبب توقف عمل الحافلات وشبكة المترو لجأ التونسيون إلى النقل الخاص على غرار التاكسي والنقل الجماعي الخاص إلى جانب تنسيق النقل المشترك عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ووفق مصادر تونسية فإن محطات الحافلات والمترو في مختلف أنحاء البلاد شهدت "شللاً تاماً"، حيث أُغلقت شبابيك التذاكر، بعد أن بدأت نقابة النقل البري العمومي، الأربعاء الماضي، في تنفيذ إضراب عن العمل، لمدة ثلاثة أيام، احتجاجاً على رفض الاستجابة لمطالبه. وأعلنت النقابة الخصوصية للشركة الوطنية للسكك الحديدية، عن نيتها تنفيذ إضراب مماثل، احتجاجاً على ما وصفته بـ"مماطلة سلطة الإشراف ورئاسة الحكومة في تنفيذ الاتفاقيات المبرمة".
ويعد إضراب قطاع النقل الحيوي واحداً من أهم الإضرابات التي نفذتها النقابات منذ ما يزيد عن سنتين وجاء بعد الإضراب الشامل الذي نفذه الأطباء الشبان في المستشفيات الحكومية والذي دام لنحو أسبوع.
عودة صوت العمال
ومنذ توتر العلاقة بين السلطة الحاكمة والاتحاد العام التونسي للشغل خفت صوت النقابات وتراجع نسق الإضرابات، رغم تلويح الاتحاد في أكثر من مناسبة بإمكانية العودة إلى استعمال كل أشكال الاحتجاج القانونية للدفاع عن الحق النقابي وانتزاع مكاسب العمال.
وكان الاتحاد العام التونسي للشغل قد أعلن تنفيذ إضراب شامل في قطاع النقل البري لمدة ثلاثة أيام، بدأ الأربعاء، بعد فشل مفاوضات مع الحكومة بشأن مطالب نقابية. وأكدت الجامعة العامة للنقل التابعة للاتحاد في بيان، صدر الثلاثاء الماضي، تمسّكها بتنفيذ الإضراب أيام 30 و31 يوليو/ تموز و1 أغسطس/ آب 2025، عقب فشل جلسة التفاوض التي عقدت مع الجانب الحكومي.
وكانت النقابات تراهن على الضغط للعودة سريعاً إلى طاولة المفاوضات ورفع الإضراب، مؤكدة تمسكها بالحوار لحلّ الأزمة القائمة بين جامعة النقل والسلطة.
معاناة المواطنين
وقال مواطنون جمعت "العربي الجديد" شهاداتهم إنهم عانوا لإيجاد حلول للتنقل بسبب الاضراب، حيث اضطروا إلى تأجير سيارات خاصة أو اللجوء إلى النقل الجماعي الخاص، غير أن هذه الحلول لم تكن كافية وأُجبر آخرون على طلب إجازات إلى حين انقضاء فترة الإضراب.
وأشار هؤلاء إلى أنهم يعانون رداءة خدمات النقل حتى خارج فترات الإضراب بسبب طول فترات الانتظار واهتراء الأسطول وغياب شروط السلامة في الحافلات وعربات المترو ما يعرض بعضهم لحوادث السقوط أو السرقة لغياب الأمن.
وقالوا: "انسحب النقل العمومي "الجماهيري" الذي كان الأداة الأساسية لنقل مواطني الطبقات الضعيفة والمتوسطة ليترك الكثير من المساحات لفائدة خيارات أخرى، من ضمنها اللجوء إلى "التاكسي موتو و"التاكسي الفردي و"التاكسي الجماعي" وحتى النقل غير المنتظم عبر العربات الذي يعمل خارج دائرة القانون".
لكن وزارة النقل أشارت إلى أن وجود بوادر الانفراج في قطاع النقل العمومي جاءت نتيجة جهود الدولة للحفاظ على استمرارية المرفق العام، مؤكدة أن المطالب الاجتماعية، خاصة المادية منها، تظل مرتبطة بتحسّن مداخيل شركات النقل وتحقيق توازنها المالي.
وأكدت الوزارة في بلاغ لها نشرته على صفحتها الرسمية على "فيسبوك " غداة الإضراب "أن هدفها الأساسي مصلحة المواطنين والمصلحة العامة للبلاد المتمثلة في تنفيذ الاستثمارات المتعلقة بتعزيز الأسطول باقتناء وسائل نقل جديدة لتحسين ظروف تنقل المواطن وحفظ كرامته وتسهيل حياته اليومية"، وأكدت "أنها تعمل على "تطوير البنية التحتية وبناء الورشات وتهيئتها بما يوفر ظروف عمل مريحة يكون لها الأثر الإيجابي على مردودية وأداء موظفيها".
أول من قرع أجراس الخطر
وتعليقا على الاضراب الأخير قال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل المكلف بالدواوين والمؤسسات العمومية صلاح الدين السالمي، إن نقابات النقل كانت أول من قرع أجراس الخطر بشأن انهيار قطاع النقل العمومي نتيجة تهالك الأسطول ما أدى إلى تراجع كبير في خدمة النقل الحيوية.
وقال السالمي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن أعوان شركات النقل الحكومي وسواق الحافلات يتعرضون لجميع أشكال العنف اللفظي والمادي ويتم رشقهم بالحجارة بسبب غضب المواطنين من تأخير الحافلات أو أعطالها المتكررة.
وأضاف: "يتحمل هؤلاء العمال فشل السياسات الحكومية في إنقاذ قطاع النقل الذي دخل في مرحلة الاهتراء التام منذ سنوات".
وتحاول السلطة تفسير أزمات النقل العمومي بوصفها تركة لعشرية الانتقال الديمقراطي أو العقود التي سبقتها وبوصفها انعكاساً لانعدام الكفاءة في التسيير الإداري.
تدهور قطاع النقل
خلال حضوره جلسة استماع عقدتها لجنة برلمانية، منتصف فبراير /شباط الماضي أقرّ وزير النقل رشيد عامري بأن عدد حافلات شركة نقل تونس تراجع إلى حدود 400 حافلة، وأن عدد عربات المترو تراجع إلى حدود الـ40 عربة.
وقبل سنتين من هذه التصريحات بتاريخ 16 فبراير/شباط 2023، عَرضَت شركة نقل تونس بيانات أكثر تفصيليّة حول الوضع المُتردّي الذي يعيشه أسطولها، مؤكدة تراجع عدد الحافلات المتجولة إلى حدود 437 في سنة 2022، مقارنة بـ744 في سنة 2010، كما تراجع عدد عربات المترو إلى 57 عربة في سنة 2022، مقارنة بـ118 في سنة 2010. وتَراجع عدد قطارات خطّ تونس البحرية إلى 5 قطارات سنة 2022، مقارنة بـ11 قطاراً سنة 2010.
كما أشارت الشركة في البيانات نفسها إلى أن التأخير في إنجاز البرامج السنوية للتعويض أدّى إلى تراكم عدد الحافلات المستوفاة لمعايير التعويض في حدود 277 حافلة، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، وذلك بعد إحالة 239 حافلة على عدم الاستغلال خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وهو ما أدّى إلى اهتراء الحافلات الجديدة بسبب الاستغلال المكثّف لها.
