
بين وصف الحدث بليلة تركيع أوروبا، أو يوم الاستسلام العظيم، جرى الإعلان عن التوصل لاتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه "أكبر اتفاق يُبرم على الإطلاق".
وعلى خطى دول ذات اقتصادات قوية مثل بريطانيا واليابان والهند، دخلت أوروبا العجوز في بيت طاعة السمسار ترامب عبر الخضوع لابتزازه وتهديداته وشروطه المجحفة ورسومه الجمركية العالية، وقدمت بروكسل تنازلات كبيرة ومزايا مالية ضخمة لواشنطن لم تحصل عليها الولايات المتحدة من قبل حتى في ذروة الحروب الكبرى.
وبعدما هدد الاتحاد الأوروبي مرات عدة بالرد بشكل عاجل وسريع وحاسم على رسوم ترامب وحربه التجارية الشرسة، وتوعده بمعاقبة الولايات المتحدة اقتصادياً وتجارياً، والوقوف بقوة ضد كل ما يهدد قوته الاقتصادية وصادراته الخارجية، عاد ليقبل باتفاق تجاري مذل ومهين جرى التوصل إليه عقب اجتماع سريع جمع ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، أمس الأحد، في تورنبري في اسكتلندا.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء مهلة ترامب لم يستغرق سوى لقاء عابر بين ترامب وأورسولا دام أقل من ساعة، وهو ما شكل مفاجأة للجميع
الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اللحظات الأخيرة قبل انتهاء مهلة السمسار الأميركي في الأول من أغسطس/ آب المقبل، ووضع حداً لنزاع الرسوم الجمركية، لم يستغرق سوى لقاء عابر بين ترامب وأورسولا دام أقل من ساعة، وهو ما شكل مفاجأة للصحافيين والأسواق الذين توقعوا مفاوضات صعبة ومعقدة وطويلة بين الوفدين، في ظل تنامي الخلافات التجارية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي في الأسابيع الماضية، وإعلان الاتحاد أكثر من مرة عن جاهزيته لمعاقبة أميركا اقتصاديا إذا مسّت مصالحها التجارية.
كما شكل الاتفاق صدمة عنيفة لشركاء أوروبا التجاريين الذين توقعوا صموداً أوروبياً طويل الأجل في وجه ابتزازات ترامب، والاستفادة من موقف أوروبا الصلب في مواجهة حرب الرسوم الأميركية، ومن بين هؤلاء، الهند وكندا ودول جنوب شرق آسيا وأميركا الجنوبية.
ما جرى في اسكتلندا هو أن ترامب نجح في فرض شروطه، حيث أخضع جميع صادرات الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة، إلى الولايات المتحدة، لرسوم جمركية أساسية بنسبة 15%، بما في ذلك السيارات والأدوية وأشباه الموصلات، وهي القطاعات الحيوية داخل أوروبا وتشكل رافعة للصادرات.
لم يكتف ترامب بذلك بل ألزم الاتحاد بالتعهّد بشراء الغاز الطبيعي المسال الأميركي لمدة ثلاث سنوات، بقيمة إجمالية 750 مليار دولار ليحل محل الغاز الروسي. كما سيشتري الاتحاد وقوداً نووياً من الولايات المتحدة. وتعهد الاتحاد، بموجب الاتفاق، بشراء عتاد عسكري أميركي، واستثمار الشركات الأوروبية 600 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال فترة ولاية ترامب الثانية.
الاتفاق التجاري الأوروبي الأميركي الذي تم التوصل إليه، مساء أمس الأحد، سيعمق الخلافات داخل دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما بدا واضحاً في ردات فعل الحكومات الأوروبية على بنوده؛ فألمانيا، صاحبة أقوى اقتصاد داخل الاتحاد، رأت أن الاتفاق التجاري مع واشنطن يجنب الاتحاد تصعيداً غير ضروري مع ترامب، وسارت على هذا النهج رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، التي وصفت الاتفاق بالإيجابي.
أوروبا على موعد مع أيام صعبة، فالمواطن سيعاني من زيادة في أسعار سلع ضرورية بما فيها الأدوية والسيارات، والصناعة ستعاني زيادة في كلفة الإنتاج
أما فرنسا فوصفت الاتفاق بأنه يمثل "يوماً كئيباً" لأوروبا، وذلك على لسان رئيس حكومتها، فرانسوا بايرو. ودافعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن الاتفاق التجاري المبرم مع الولايات المتحدة، واصفة إياه بأنه "أفضل شيء كان يمكن الحصول عليه".
أوروبا على موعد مع أيام صعبة سواء على مستوى المواطن الذي سيلاحق بزيادة في أسعار سلع ضرورية بما فيها الأدوية والسيارات، أو الصناعة التي من المتوقع أن تعاني من زيادة في كلفة الإنتاج والرسوم الجمركية، أو الصادرات للولايات المتحدة التي قد تتراجع بما فيها السيارات، أو الأسواق التي قد تشهد حالة من الارتباك مع تطبيق الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة.
