الصناعات الغذائية بأوروبا "الخاسر المجهول" وترامب أكبر الرابحين
عربي
منذ 9 ساعات
مشاركة

كشفت بنود اتفاق الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عن مشهد غير متوازن في توزيع الأرباح والخسائر، سواء على مستوى القطاعات الاقتصادية أو بين ضفتَي الأطلسي. ففي الوقت الذي يخرج فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعتباره المستفيد السياسي الأول، تعاني بعض الصناعات الأوروبية من تداعيات لم تناقش بوضوح، وفي مقدمتها قطاع الصناعات الغذائية، الذي يوصف الآن بأنه "الخاسر المجهول" في هذه المعادلة، وفق "بي بي سي". وبينما احتفلت الأسواق المالية بتوقيع الاتفاق خلال تداولات، أمس الاثنين، تبدو بعض القطاعات الحيوية داخل أوروبا أقل حظاً في هذا "الهدوء"، وعلى رأسها الصناعات الغذائية والدوائية. فهاتان الصناعتان، اللتان تمثلان عماداً اقتصادياً وتصديرياً مهماً للاتحاد الأوروبي، وُضعتا إمّا تحت طائلة الرسوم مباشرة، أو في منطقة رمادية لا توفر أي ضمانات.

ولم يشمل الاتفاق أيّ إعفاء واضح لصادرات الأغذية الفاخرة من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، مثل النبيذ، والجبن، وزيت الزيتون، والشوكولاتة، وهي منتجات تبلغ صادراتها السنوية إلى السوق الأميركية نحو 30 مليار يورو. ورغم أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، تحدثت عن طموح مستقبلي للتوصل إلى إعفاءات ثنائية لبعض السلع الزراعية، فإن ذلك لم يدرج في نص الاتفاق الحالي، ولا توجد أي ضمانات زمنية لتنفيذه. هذه المنتجات، التي تشكّل جزءاً من الهوية الثقافية والغذائية الأوروبية، تعد من أكثر السلع حساسية تجاه الرسوم، نظراً لاعتمادها على تسويق الجودة وليس السعر. ومع فرض رسم جمركي بنسبة 15%، تصبح هذه المنتجات أقل قدرة على المنافسة في السوق الأميركية، خصوصاً أمام بدائل أرخص قادمة من أميركا اللاتينية وأستراليا، ما يهدّد بحصص سوقية، ويفتح باباً لركود تصديري في قطاعات تشغل آلاف المزارعين والصناعيين الصغار في أوروبا.

أما القطاع الدوائي، فالقضية أكثر حساسية وتعقيداً. فرغم أنه لم يذكر صراحة ضمن المنتجات الخاضعة للرسوم الجمركية في البيان المشترك، فإنّ التصريحات المتناقضة من الجانبين تسببت في حالة من الغموض والارتباك. رئيسة المفوضية قالت في مؤتمر صحافي: "ملف الأدوية ما زال على طاولة التفاوض، وهو على ورقة منفصلة"، ما اعتبره مراقبون مؤشراً على أن هذا القطاع الحيوي لم يجرِ تحصينه بعد ضمن الاتفاق النهائي، كما أثار قلقاً واسعاً بين شركات تصنيع الدواء الكبرى، خاصة تلك التي تعتمد بدرجة كبيرة على السوق الأميركية، ويعد الاتحاد الأوروبي من كبار مصدّري المنتجات الدوائية إلى الولايات المتحدة، إذ بلغت قيمة هذه الصادرات في عام 2024 وحده نحو 140 مليار يورو، وفق بيانات الهيئة الأوروبية للصناعات الصيدلانية. وتشمل هذه المنتجات اللقاحات، وأدوية الأمراض المزمنة، والعلاجات البيولوجية، التي تعتمد في تسويقها على استقرار السياسات الجمركية بين الطرفَين.

وعلى الجهة الأخرى، يُعدّ ترامب أبرز الرابحين من الاتفاق، سياسياً واقتصادياً، إذ نجح في فرض صيغة اتفاق تميل لصالح واشنطن من حيث التوازنات التجارية، مع إبقاء الباب مفتوحاً أمام تعديل الرسوم مستقبلاً، في حال عدم وفاء بروكسل بالتزاماتها الاستثمارية. كذلك، وفّر الاتفاق لترامب ورقة انتصار قوية في الداخل الأميركي، إذ سيضخ عشرات المليارات إلى الخزانة العامة من عوائد الرسوم الجديدة، دون تقديم تنازلات مماثلة في القطاعات الأميركية الحساسة، كما جاءت شركات الطاقة الأميركية في صدارة الرابحين. فقد أكدت فون ديرلاين أن الاتحاد الأوروبي سيتجه إلى شراء ما قيمته 750 مليار دولار من منتجات الطاقة الأميركية، في إطار خطة إحلال بديلة عن الغاز الروسي، تشمل الغاز الطبيعي المُسال والنفط والوقود النووي، كما التزمت الدول الأوروبية بضخ 600 مليار دولار إضافية استثمارات داخل الولايات المتحدة. أما قطاع الطيران، فقد نجا من الرسوم الجمركية بالكامل، إذ نص الاتفاق على استثناء الطائرات وقطع الغيار من أي ضرائب إضافية. 

وتشمل الإعفاءات أيضاً بعض المواد الكيميائية ومجموعة محدودة من المنتجات الزراعية التقنية، لكن الملف الزراعي الأوسع، بما فيه النبيذ والجبن والزيت الأوروبي، ما زال خاضعاً لنقاشات "زيرو مقابل زيرو"، حسب ما أكدته فون ديرلاين، دون جدول زمني واضح، وهو ما يجعل العديد من مصدري الأغذية الفاخرة في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا في حالة ترقب وقلق. وبحسب "بي بي سي"، فإن محصلة هذا الاتفاق تعكس تفاوتاً في مكاسب الأطراف، وتكريساً لهيمنة اقتصادية أميركية على حساب تكافؤ المصالح. وبينما حسمت بعض الملفات برسوم واضحة، تظل قطاعات استراتيجية كالأدوية والأغذية في مهبّ الغموض، ما يهدد بتداعيات طويلة الأمد على النمو والتوظيف والاستثمار داخل أوروبا.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية