تنامي التضامن الفني الغربي مع غزة: مشهد يناقض صمت نظرائهم العرب
عربي
منذ 7 ساعات
مشاركة

في تحوّل يعكس اتساع رقعة التضامن الغربي مع نضال الشعب الفلسطيني، وقّع أكثر من 1000 موسيقي دنماركي، الخميس الماضي، على عريضة تطالب الحكومة باتخاذ موقف عملي ضد جرائم الحرب والإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وفيما يواصل الاحتلال استخدام التجويع أداة حرب في تحدٍ سافر للمواثيق الدولية، تتعالى في الغرب أصوات فنية وثقافية وأكاديمية تطالب بردّ حازم، لتكشف عن مفارقة صارخة بين هذه اليقظة الأخلاقية الغربية وصمت عربي مستمر.

من مهرجان روسكيلد إلى جورج عبد الله: رمزية تتجاوز الكلمات

الناشطة السويدية غريتا ثونبرغ فجّرت لحظة مؤثرة في مهرجان روسكيلد الموسيقي بالدنمارك عندما صعدت إلى المسرح خلال حفل فرقة إم أو للتعبير عن دعمها لفلسطين. هذه الإيماءة البسيطة تلقفها كثر، أبرزهم المناضل اللبناني جورج عبد الله، الذي وصف ثونبرغ ومشاركتها بسفينة كسر حصار غزة، عقب خروجه بعد عقود من السجن الفرنسي ووصوله إلى بيروت، بأنها "نموذج يُحتذى به للشباب العربي"، في دلالة على عمق تأثير مثل هذه المبادرات الرمزية.

ولم تعد مواقف التضامن الفني تقتصر على مبادرات فردية، بل تحوّلت إلى مواقف جماعية تتبناها فرق وفنانون أعلنوا أن دعمهم لفلسطين ولقطاع غزة ليس "تسييساً للفن"، بل "واجب أخلاقي ضد الظلم وجرائم الحرب".

الأوبرا والعلم الفلسطيني: رمزية في قلب المؤسسات

في بريطانيا، شكّل ختام عرض أوبرا "التروفاتوري" للموسيقار فيردي في دار الأوبرا الملكية في لندن لحظة لافتة عندما رفع أحد الممثلين علم فلسطين على الخشبة. ورغم محاولة أحد الحضور انتزاع العلم، أصرّ الفنان على موقفه، ما أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الفنية، خصوصاً بعد وصف إدارة الأوبرا المشهد بأنه "غير لائق"، بدعوى الحياد. لكن الردود على هذا التوصيف جاءت حاسمة، إذ اعتبر كثيرون أن ما حدث لا يندرج في خانة "الدعاية السياسية" بل ضمن الحق في التعبير ضد الإبادة المستمرة.

ذلك بالطبع إلى جانب اعتراف المستوى الأكاديمي في دولة الاحتلال بتوسع المقاطعة الأكاديمية الغربية على المستويات الجامعية والبحثية، بما في ذلك نشر مواد في مجلات علمية والامتناع عن التعاون مع جامعاتها. ويضاف إليه تنامي تعبير كثيرين عن ضرورة سحب أي استثمارات في مؤسسات أكاديمية تابعة لتل أبيب تساهم في دعم وتأييد الإبادة الجماعية وهندسة التجويع والتطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

في حديث مع "العربي الجديد"، رأى الكاتب والباحث الدنماركي جون غراوسغورد أن ذلك يذكّر ببدايات تشكل جبهة عالمية ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقاً. وشدد غراوسغورد على أن "العرب عليهم دور في هذا المجال، بشكل مشابه للدور الذي لعبته دول الجوار الأفريقي التي حاصرت نظام الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، لا ترك إخوتهم الفلسطينيين وحدهم، وسط دعم أميركي وغربي لدولة الاحتلال الإسرائيلي".

"على الجانب الصحيح من التاريخ"

وكانت فرق موسيقية معروفة مثل "ماسيف أتاك" و"نيكاب" و"فونتينز دي سي" قد أعلنت رفضها للعدوان الإسرائيلي على غزة، كما دعت إلى التحرك بشكل واسع. وقالت "ماسيف أتاك" لصحيفة ذا غارديان أخيراً: "نشهد إبادة جماعية تُبثّ يومياً، ولا يمكننا الصمت. هذه دعوة إلى كل الفنانين: لا تخافوا على وظائفكم، بل قفوا على الجانب الصحيح من التاريخ".

أما الموسيقي البريطاني براين إينو، فقد شارك في مهرجان روسيكلد الدنماركي هذا العام بفتح منصته لعدد من الناشطين المؤيدين لفلسطين، في خطوة جريئة تعرضت لاحقاً لحملة انتقادات سياسية في الدنمارك.

الموقف واضح: أكثر من 1000 موسيقي دنماركي يتحركون

وفي خطوة غير مسبوقة، نشر أكثر من 1000 موسيقي دنماركي بياناً في صحيفة إنفورماسيون، الخميس، طالبوا فيه الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين، ووقف تصدير مكونات الأسلحة لإسرائيل، واستقبال الجرحى من غزة للعلاج في المستشفيات الدنماركية. وجاء في البيان: "ندين الإبادة الجماعية التي تبثها إسرائيل على الهواء مباشرة، ونطالب الحكومة بالتحرك بما يتماشى مع القانون الدولي. لا يمكننا أن نظل صامتين، ولا أن نكون شركاء في الجريمة باسم المصالح أو التحالفات".

وعبّرت الفنانتان الشقيقتان نايا روزا كوبل وبيلي كوبل، اللتان كانتا من بين الموقعين، عن خيبة أملهما من موقف الحكومة الدنماركية، وقالتا: "نريد موقفاً فعلياً، لا شعارات. لا يمكن أن تخضع القيم الإنسانية لمعادلات الربح والخسارة".

قمع ناعم وتضامن صاخب مع غزة

لم تمر مشاركة الناشطين المناصرين لفلسطين في مهرجان روسيكلد دون ردات فعل، فشنّت وسائل إعلام دنماركية، إلى جانب سياسيين من اليمين ويسار الوسط، هجوماً على المنظمين واعتبرت التعبير عن الموقف "راديكالياً"، فيما فسره فنانون بأنه "تهديد مبطّن لإسكات الأصوات الحرة". هذا الهجوم على المهرجان رفضته إدارة ومنظمو "روسكيلد" هذا العام.

وتساءلت بيلي كوبل في تعليقها على الحملة: "ما نطلبه ليس ترفاً سياسياً. نحن فقط نطالب بوقف قتل الأطفال. كيف يكون هذا تطرفاً؟".

بين يقظة فنية غربية وصمت عربي مستمر

وإذا كان جورج عبد الله بعد أكثر من أربعة عقود من السجن قد خرج معبراً عن الأسى من المواقف العربية، الشعبية والرسمية، تجاه ما يحصل من جرائم حرب في غزة، فإنه في موازاة هذا الحراك الغربي المتصاعد، يعمّ صمت شبه كامل الأوساط الفنية والثقافية في العالم العربي، وهو ما يثير استغراباً متزايداً بين النشطاء العرب في المهجر.

وكتب الناشط إلياس سعيد على وسائل التواصل: "بدلاً من الاكتفاء بمديح الهولنديين والدنماركيين، لماذا لا يقرع الناس بمبادرة من الفنانين العرب الأواني من نوافذهم وشرفاتهم كما يفعل أولئك الذين نمتدحهم في الغرب؟". أسئلة مشابهة تتكرر في الفضاء الرقمي حول غياب موقف جماعي للفنانين العرب، بينما يتقدم نظراؤهم الأوروبيون واجهة التضامن دون خوف من العقاب أو الإقصاء.

واختصرت الفنانة الدنماركية نايا روزا كوبل بعبارة جوهر الموقف الذي يسري على الحالة الفنية العربية أيضاً: "مهنتنا ليست فوق الإبادة الجماعية. ليست فوق صرخات الأطفال. وسنواصل استخدام منصتنا المتاحة مهما كان الثمن".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية