غزة في مرآة الخذلان العربي
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

ما يجري في قطاع غزة منذ أكثر من عشرين شهراً لم يعد مجرد عدوان إسرائيلي همجي، بل تحول إلى فضيحة أخلاقية عالمية بكل المقاييس. إنها حرب إبادة ممنهجة، وحصار شامل، وتجويع متعمّد، وخنق إنساني لشعب أعزل، ترتكب بحقه أبشع الجرائم تحت سمع وبصر العالم، بل وأحياناً بدعمه، أو بصمته، أو تواطئه المباشر.

في مشهد غزة اليوم، لا تنعدم فقط الموارد الأساسية كالغذاء والدواء والماء، بل ينعدم الحد الأدنى من القيم الأخلاقية التي طالما تباهى بها النظام العالمي الحديث. المفارقة المؤلمة أن هذا العالم، الذي يتشدق ليل نهار بحقوق الإنسان وحرية الشعوب وكرامة الإنسان، يقف عاجزاً أمام موت الأطفال جوعاً، ودفن الجرحى تحت الركام، واختفاء العائلات بأكملها بفعل آلة القتل الإسرائيلية.

لكن ما هو أخطر من الصمت الدولي، هو الصمت العربي والإسلامي المخجل، الذي تجاوز كونه موقفاً باهتاً، ليصبح مشاركة سلبية، وربما - من بعض الأطراف - تواطؤاً صامتاً. فمعظم الدول العربية، وخاصة الكبرى منها، لم تقم حتى بالحد الأدنى من مسؤولياتها الإنسانية أو السياسية، بل غلبت مصالحها وتحالفاتها على اعتبارات التاريخ والجغرافيا والأخلاق، وحتى على صلة الدم وأخوة التراب.

ما هو أخطر من الصمت الدولي، هو الصمت العربي والإسلامي المخجل، الذي تجاوز كونه موقفاً باهتاً، ليصبح مشاركة سلبية

هذا الصمت لم يعد مجرد غياب للدور، بل أصبح سياسة مقصودة تقوم على ثلاثة محددات رئيسية:

  1. التحالفات الجيوسياسية الجديدة، التي تشكلت في السنوات الأخيرة، والتي حولت الكيان الإسرائيلي من "عدو تقليدي" إلى "شريك استراتيجي" في بعض الأجندات.
  2. الخوف من الداخل؛ إذ تخشى أنظمة "الثقب الأسود" أن يفهم أي موقف تضامني على أنه دعم ضمني لثورات الحرية والمقاومة، ما يكشف عن أزمة بنيوية عميقة في علاقتها مع شعوبها.
  3. الارتهان للموقف الأميركي؛ حيث تفضل كثير من الدول العربية والإسلامية عدم إغضاب واشنطن، حتى ولو كان الثمن السكوت عن مجازر ترتكب يومياً بحق شعب أعزل.

النتيجة: غزة تحاصر مرتين، مرة من الاحتلال، ومرة من جدار الصمت العربي الرسمي. وفي ظل ذلك، تتعرض الشعوب العربية، التي تقف بوضوح إلى جانب غزة، لأشكال متعددة من القمع والتضييق، بهدف منع أي تعبير عن تضامن فعلي أو دعم حقيقي.

وما يجعل من العدوان على غزة أكثر بشاعة، هو أنه لا يقابل بأي إرادة حقيقية لوقفه، بل يستثمر سياسياً من قبل بعض القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إذ يجري التعامل مع الحصار والتجويع وكأنهما ورقة تفاوضية للضغط على المقاومة لتحقيق أهداف سياسية، بينما تمنح إسرائيل غطاءً سياسياً وعسكرياً غير محدود، بحجة "حق الدفاع عن النفس" أو "تحرير الأسرى".

لم تعد غزة مجرد قضية سياسية أو صراع وجودي، بل باتت رمزاً أخلاقياً وإنسانياً عالمياً

لهذا، لم تعد غزة مجرد قضية سياسية أو صراع وجودي، بل باتت رمزاً أخلاقياً وإنسانياً عالمياً. تحولت إلى مرآة كاشفة لنفاق النظام الدولي، وازدواجية معاييره، وانهيار منظومة الشرعية الأممية. كما كشفت حجم الفجوة بين إرادة الشعوب العربية وإرادة أنظمتها، مؤكدة أن المعركة لم تعد فقط ضد الاحتلال، بل أيضاً ضد التواطؤ الإقليمي والدولي.

أما على صعيد الفعل، فلم يعد مجدياً الاكتفاء ببيانات التنديد أو الدعوات الإنشائية. المطلوب هو تحرك سياسي واقتصادي وإعلامي ودبلوماسي حقيقي: وقف التعاون مع كيان الاحتلال، تدويل الجرائم عبر المحاكم الدولية، دعم جهود محاسبة مجرمي الحرب، وكسر الحصار الإنساني بكل الوسائل الممكنة.

الصمت العربي والإسلامي تجاه ما يحدث في غزة ليس فقط تعبيراً عن العجز أو الضعف، بل يحمل مسؤولية أخلاقية وتاريخية عميقة. فالتخاذل في هذه اللحظة لا يقل خطراً عن العدوان نفسه، والموقف من غزة لم يعد مجرد تضامن إنساني، بل بات معياراً لقياس إنسانية الأنظمة، وشرعية القوانين، ومصداقية الشعارات الأممية.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية